إربطوا الأحزمة.. الأسود يكتبون أجمل مقدمة عيون كل العرب تترقب ديربي الغضب أهدونا الإنتصار وارحمونا من وجع الإنتظار الزمان: 23 يناير 2012 المكان: ملعب ليبروفيل الحدث: الأسود على موعد مع الكلاكيت 52 في رحاب مونديال إفريقيا. هكذا يدون التاريخ الأحداث في شقها العادي، وهكذا يتفاعل معها في ريبيرتواره الذهبي، لكن القصة بإمكانها أن تأخذ فصولا أخرى وتتلون بعناوين أكثر جاذبية لو استطاع الأسود كسر نحس عمر ما يربو عن 3 عقود، في مطاردة يائسة للقب إفريقي استعصى على المنتخب المغربي منذ ملحمة أراضي الحبشة. رحلة الأحلام الوردية تبدأ اليوم عبر مواجهة واعدة بكثير من الإثارة، أمام منتخب تونسي شكل على امتداد الصدامات السابقة عظما صعب الإبتلاع والهضم، في ديربي يقص ستارة مجموعة كل الألغام. الفريق الوطني الذي تنقل لليبروفيل محملا بكثير من الآمال،سيحاول اليوم البصم على انطلاقة صحيحة ومثالية لتدليل كل العقبات اللاحقة أمام نسور تونسية استعدت بما فيه الكفاية وأكدت جاهزيتها للقاء يعتبره الطرفان قفلا ومفتاحا لعبور الحاجز الأول. فلاش باك لحوارات كلها آهات هو اللقاء الرابع عبر تاريخ مواجهات المنتخبين في المونديال الإفريقي بدءا بلقاء 1978 بكوماسي الغانية الذي أشر لمشاركة كارثية بكل المقاييس للأسود، إنتهت متعادلة بهدف لمثله سجله المحمدي عسيلة، ومهدت لخروج الجيل المتوج بلقب بطولة إثيوبيا من أضيق الأبواب، وانتهاء بلقاء نهائي 2004 الذي منح التفوق للنسور والذي كان مرادفا للتتويج بالكأس مرورا بصدام لاغوس 2000 والذي انتهى متعادلا بالأصفار التي خدمت مرة أخرى المنتخب التونسي بمروره للدور الموالي. حظ عاثر رافق أسود الأطلس في كل حواراته الثنائية أمام نسور قرطاج وعجز مزمن عن فك شفرة الغريم المغاربي برغم التفوق المرسوم على الورق أحيانا للمنتخب المغربي، حيث يلعب التاريخ والأرقام في صف التونسيين دون أن تشكل هذه الأفضلية الطفيفة أي مقياس على سلم الترشيحات، إذ يختلف لقاء اليوم جملة وتفصيلا عن باقي اللقاءات الأخرى لاختلاف السياقات والظروف المحيطة بها. قبل ديربي الدورة 28 الذي يشد إليه أنظار كل المتتبعين كواحد من القمم الملتهبة الجديرة بالمتابعة، حوارات جانبية أخرى ضمت الكرتين المغربية والتونسية على صعيد الأندية والمنتخب النسوي، في محطات حاسمة من مشوار المسابقات الإفريقية إنتهت سجالا بمنح لقب لكل بلد، في انتظار الفصل الكبير عبر لقاء الأجوار الكبير وعرس المجموعة الثالثة بكل امتياز. الأسود والنسور بجرعة الماتادور لم يترك المنتخبين المغربي والتونسي أي شيء للصدفة، ليتهيئا بشكل كبير لهذه الدورة من خلال معسكر اختار له ربانا الفريقين الوجهة الإسبانية لمقاربات رأوا فيها مصلحتهما معا. ولئن كان الطرابلسي قد اختار التحليق المبكر صوب كاطالونيا والباسك قبل أن يطرد عنه برودة بلاد الماتادور بأسبوع ترويض نسوره على خصائص الرطوبة المتوقعة بليبروفيل، باختياره أبو ظبي الإماراتية مسرحا لختم الإعداد بمبارتين عرتا بعضا من عورات التونسيين، فإن الناخب الوطني إيريك غيرتس راهن على حصر مدة المعسكر في 10 أيام فقط كلها بماربيا الإسبانية وبالمراهنة على اختبارين بمقاس خاص جدا، أمام ناديين وليس منتخبين إفريقيين كما كان نهج نسور قرطاج، والغاية هي الحفاظ على الطراوة البدنية للاعبيه وتفادي صعقات الإصابات التي عادة ما تكون صادمة في هذه الفترة بالذات. مشترك آخر ينضاف لنفس خصائص اللغة، المهارة، الفنيات والتكتيك المتشابه، وهو الإعداد بإسبانيا لمنتخبين وضعتهما القرعة على فوهة بركان من خلال تدبير نزال مبكر قد يكون فاصلا في رسم تضاريس المجموعة خاصة إذا لم يغازل مرة أخرى التعادلات الكلاسيكية التي طغت على الحوارات الثنائية عبر التاريخ، فمن استفاد أكثر من بركة أرض أبطال العالم؟ وصفة غيرتس السحرية هي الإطلالة الأولى لإيريك غيرتس في معترك كأس سيكتشف أجواءها كما اكتشف سابقا خصائص تدبير الوضع التقني للمنتخب. بخلاف خصمه الطرابلسي الذي تمرس على هذه المسابقة لاعبا وعميدا للنسور قبل أن يتكفل بقيادة منتخبهم عقب التتويج الكبير ب «الشان» المحلي بالسودان. غيرتس الذي كان أريحيا في تقديم الوعود قبل التحليق لليبروفيل من خلال إيمانه المطلق والكبير بقدرة الفريق الوطني على صياغة قلادة ثانية بعد العقد الفريد ل 1976، وبعد سنة ونصف كانت كافية لتعركه وتمنحه اللقاح الكافي الذي خوله تكوين فكرة عن متقلبات القارة السمراء كما أقر بها بعد دورة "إل جي" الودية. كما توضحت له صورة الفريق النموذجي الذي يلبي حاجيات النهج الذي ارتضاه للمنتخب الوطني. غيرتس الذي يؤمن بالنظرية الكلاسيكية التي لا تغير فريقا ينتصر، أكيد سيعمد لترسيم الوجوه التي صنعت العبور لهذا الكان، حتى وإن كانت إصابة السعيدي تطرح أمامه خيار التعويض الذي يجب أن يكون بنفس النجاعة التي فرضها الفتى الريفي داخل العرين الأطلسي. ولأنه شرب من كأس محاربي الصحراء في أول ظهور له في التصفيات، ولتقارب المدرستين التونسية والجزائرية من جهة ثانية، فإن غيرتس الذي أكد في آخر تصريح له أنه سيلاقي النسور بروح 4 يونيو، هيأ لهذا النزال الوصفة الإستثنائية التي تليق بلقاء استثنائي له أولا وللفريق الوطني وجماهيره ثانيا. كومندو الفصل الأول خسارة المنتخب التونسي في مباراته الودية الأخيرة أمام الكوت ديفوار والتي وضعها غيرتس واجهة مثالية للتشريح السريري لخصمه المغاربي، والتي كشفت ملامح المنافس المرتقب ولو بنسبة قريبة للشكل الذي سيظهر به أشبال الطرابلسي في لقاء الإفتتاح، أكيد لن تشكل مرجعية ولا وحدة لقياس مدى جاهزية نسور قرطاج لمباراة محمولة على خصائص فريدة لا تعترف بالتفاصيل ولا المقدمات التي تسبقها. ومع ذلك لا يجد غيرتس مجالا للمجازفة بالخروج عن النص الخططي الذي تبناه منذ حلوله على رأس العارضة التقنية للفريق الوطني والذي أتاح مشاهدة تدفق هجومي صريح على الرغم من العيوب التي شابت التوقيع والختم النهائي وهي خطة 433 التي تتحول حسب الحاجة ل 4213. لمياغري الذي جاهد للعودة السريعة كي يحضر بالذات مباراة أمام منتخب لم يفز عليه في سابق حضوره بين خشبات الأسود سيكون حاضرا كالعادة أمينا على العرين، وبخط دفاع لن يخرج عن أسماء ( بصير وقادوري للرواقين وثنائية بنعطية والكوثري) في متوسط الجدار. على أن توضع الثقة من جديد في الثالوث المنسجم والمتناغم (خرجة وهرماش) للتخريب والإرتداد وسقاء واحد وهو المتألق بلهندة الذي سيتسنى له عبر هذا المثلث المقلوب تشطيب كل المساحات بحسب تموقع الكرة، وتوليفة هجومية هي التي ستكون موضع علامة استفهام عريضة بين المناورة ببوصوفة على الجهة اليمنى أو منح الدور للمنطلق بسرعة الصاروخ أمرابط الكامل الطراوة والجاهزية، حجي على اليسار مع إمكانية تحوله لصانع ألعاب، ورأس حربة لن يخرج عن الشماخ بحسب ثقة غيرتس فيه وتقليده شارة العمادة برغم درجة التنافسية المهزوزة أمام غراشوبرز. غياب السعيدي وعدم التأكد من مشاركته، اللعب بورقة تاعرابت كجوكر حاسم وترك كارسيلا والعرابي مع أمرابط إذا لم يشارك أساسيا للردع في جولة المدربين، معطيات تقول بتنوع الخيارات المتروكة أمام غيرتس لتقديم مباراة نموذجية تقص أجنحة النسور، وتقوي حظوظ الأسود لتدشين مشاركة تليق بقيمة الأحلام الموضوعة حوله. إحذروهم وارحمونا من لدغاتهم ثقة التونسيين في قدراتهم على تحقيق المعادلة الصعبة أمام المنتخب المغربي في مستهل المشاركة رقم 15 لهم، والمراهنة على جيل جديد أو جيل الثورة كما أطلقوا عليه، هي رسالة لا توجد بها الكثير من العلامات المشفرة على لاعبي الفريق الوطني التعامل بنوع من الحذر معها، لأن سوابق غدر هذا المنتخب لنا يذكرها التاريخ القريب والبعيد على حد سواء. صحيح أن مجموعة الطرابلسي لا تقدم الكثير من الإقناع ولا الأداء المطبوع بالجودة العالية، لكنه يبقى أداءا موسوما بالحدة والصرامة التي ستزداد بحسب طبيعة الديربي والنزال. قيدومية (حقي، الشاذلي الذي سيودع الملاعب عبر بوابة هذا الكان الشرميطي والشيخاوي) والمعجونة بحماسة منتوج محلي كسب مناعة الأدغال رفقة الترجي والإفريقي بحضور أسماء (الدراجي المساكني الذوادي والحارس المثلوثي)، تفرض الكثير من التأهب والإبقاء على مؤشر الإستنفار في درجاته القصوى لتفادي لسعة أخرى من نسر قرطاج المحظوظ في سابق مواجهاته معنا. الإنتصار ولا شيء غير الإنتصار هو شعار الأسود اليوم، الإنتصار هو من يعفينا من وجع الإنتظار ومن عذاب الحسابات القادمة ومن دخول أنفاق الشك التي تهزم الذات والمعنويات. الإنتصار سيكتب أجمل مقدمة للأسود في المونديال الإفريقي الذي لا نسعى خلاله لفوز في لقاء الديربي فحسب، بل لقهر الطالع السيء الذي نصب تاجا واحدا في خزانة الجامعة وأنهى حكاية صعود البوديوم منذ جيل 1976. بسم الله مجراها ومرساها إذن وبالتوفيق للأسود. منعم بلمقدم