مونديال بصيغة إفريقية مؤكد أن الغابون وغينيا الإستوائية وهما يقعان لأول مرة تحت أضواء كاشفة بتنظيمهما المشترك لنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2012 والتي تنطلق هذا السبت من مالابو، سيسعيان بما أوتيا من قدرات على النخيل وعلى المكابدة وتحدي الذات إلى إنجاح رهانين أحدهما أقوى من الآخر.. أما الرهان الأول فهو إخراج النسخة 28 للمونديال الإفريقي في أفضل صورة ممكنة، بتنظيم قد لا يكون بالصورة الهلامية التي كان عليها في الدول التي لها تقاليد متوارثة في أصول إستضافة الأحداث ذات البعد الدولي قبل القاري، ولكنه حتما سيبرز عنصر الإجتهاد اللا محدود في التفوق على طبيعة القدرات، بخاصة في الجانب المتعلق بأمن المنتخبات 16 التي تحضر العرس الكروي القاري بكبار نجومها، ونحن من يحضر عندنا كشهود الأحداث المأساوية التي انطلقت بها كأس إفريقيا للأمم سنة 2010 بأنغولا، عندما صوبت رشاشات الإرهاب رصاصات على منتخب الطوغو فكادت تصيب المونديال بالسكتة القلبية. أما الرهان الثاني فهو أن يقترن المشروع الإنمائي والتطويري الذي يركز عليه الإتحاد الإفريقي بالمشروع الرياضي، أي أن ينجح البلدان في إستيفاء عناصر النجاح الممكنة وينجح منتخبهما القومي في تحقيق إنجاز تاريخي في كأس إفريقيا للأمم، ففهود الغابون ليس لهم من سوابق في المونديال الإفريقي غير وصولهم خلال دورة 1994 بتونس إلى الدور ربع النهائي محققين وقتها إعجازا غير مسبوق، ما يعني أن دورة 2012 التي يتقاسمون تنظيمها مع غينيا الإستوائية ستكون لهم مناسبة تاريخية لتحقيق ما هو أفضل مما كان قبل 18 سنة، أما منتخب غينيا الإستوائية الذي عاش مؤخرا إرتجاجا تقنيا قويا بانسحاب المدرب الفرنسي هنري ميشيل وتعويضه بشكل عرضي بمدرب برازيلي، فإنه سيذكر كثيرا الحضوة التي حصل عليها من الكاف بتنظيم الدورة 28 مع الغابون، لأنها ببساطة شديدة أدخلته لأول مرة في تاريخه نهائيات كأس إفريقيا للأمم. وسيكون من المنطقي والطبيعي أن ننتظر من فهود الغابون أكثر مما ننتظره من منتخب غينيا الإستوائية، بالنظر إلى ما يوجد من فوارق في الرصيد وفي المؤهلات البشرية، حتى لو كان منتخب الغابون موضوعا أمام تحديات قوية جدا بوجود عيارات ثقيلة في مجموعته، الفريق الوطني الذي يتأسس حلمه بالذهاب بعيدا في هذه البطولة القارية على ما تشبع به كمجموعة من ثقة في القدرات ومن تلاحم بين المكونات وما يوجد عليه مدربه غيرتس من إصرار على إنجاح الكأس الإفريقية الأولى له، ومنتخب تونس الحالم بجيله الجديد بلقب قاري يضيفه للذي حازه قبل ثماني سنوات ومنتخب النيجر الذي لا يمكن إطلاقا وصفه بالحمل الوديع لهذه المجموعة وهو الذي تأهل للنهائيات بعد أن كسر عظم منتخب مصر صاحب الثلاثية الذهبية المتتالية وبعد أن قهر أولاد جنوب إفريقيا.. وإذا كان الإختبار الأول لفهود الغابون لقياس درجة الجاهزية والمستوى الذي بلغته اللياقة النفسية لتصريف ضغط قوي يقع عليهم، سيكون يوم الإثنين عندما يفتتح مباريات المجموعة (ج) بمواجهة منتخب النيجر الذي ينعث بالأمواج الغادرة، قبل أن يصطدم فريقنا الوطني بنسور قرطاج في ديربي مغاربي مغترب، فإن منتخب غينيا الإستوائية سيكون عليه أن يفتتح المونديال يوم السبت بملعب باتا بلقاء منتخب ليبيا الذي تحذو لاعبيه رغبة قوية لإهداء جيل الثورة إنجازا كرويا يعزز مسعاهم لبناء ليبيا الجديدة، الحالمة بمستقبل يطابقها مع ملكاتها البشرية ومع إمكاناتها الطبيعية.. وبرغم أن المونديال الإفريقي في نسخته 28 ولد من رحم المفاجآت القوية التي تمثلت في سقوط معالم كروية كان يستحيل من دونها بناء المسرح الإحتفالي، إلا أن المؤكد هو أن دورة غينيا الإستوائية والغابون ستضع للكرة الإفريقية تضاريس جديدة، خرائط بخطوط طول وعرض مختلفة ومحيطات اخرى مفتوحة على الدهشة، فكما أن اللقب القاري قد يذهب للقوى الكروية التقليدية (غانا، كوت ديفوار، المغرب وتونس) فإنه من غير المستبعد أيضا أن يشهد ميلاد بطل جديد بوجود منتخبات تتطلع لكتابة التاريخ مثل السينغال، زامبيا وغينيا ومالي. ------------- علامات إستفهام وضعت على المنتخبين المغربي والتونسي بعد آخر محك ودي لهما قبل أن يقصا شريط الأدوار النهائية لكأس إفريقيا للأمم يوم الإثنين القادم بليبروفيل.. نستفهم حول حجم وطبيعة الأداء الجماعي للفريق الوطني في مباراته الإختبارية التي خاضها بمركز ماربيا أمام نادي غراشوبر زيوريخ السويسري والتي لم نشاهد منها غير نتف لا تلبي الحاجة لنقد موضوعي بسبب أن المدرب والناخب الوطني إيريك غيرتس أرادها مباراة بطقوس مختلفة عندما حجبها عن أضواء الكاميرات. ونستفهم حول المردود الجماعي لمنتخب تونس في مباراته الودية يوم الجمعة الماضي أمام فيلة الكوت ديفوار بالإمارات والذي إما أنه قدم صورة مغلوطة عن نسور قرطاج لا يجب أن عتد بها ولا أن نغتر، وإما أنه كشف عن الوجه الحقيقي لمنتخب تونس الذي كرس الهبوط الحاد في الأداء والذي لازم مشوار التصفيات حتى كاد يرمي به في قعر الإقصاء.. أفهم مثل الكثيرين أنها مجرد مباراة تحضيرية وأفهم أن درجة الإحتراس التكتيكي تبلغ مداها، وأفهم أيضا أن سامي الطرابلسي تعمد بشكل من الأشكال أن يتستر على كثير من خصوصياته الفنية، ولكنني لا أستطيع أن أفهم وهو ما كان وما يزال مصدر قلق الإخوة في تونس أن يظهر منتخب تونس أمام كوت ديفوار مفككا ومشروخا فتزيده الهزيمة وطريقة لعبه شرخا وتفككا وفقدانا للتركيز وللثقة أيضا.. وإذا كان نسور قرطاج قد حضروا مونديالهم الإفريقي بإجراء أربع مباريات ودية بأحجام تكتيكية مختلفة أثنى أسطورة كرة القدم يوهان كرويف على إحداها، وتكونت جراء ذلك لسامي الطرابلسي فكرة عن مجموعته، فإن الفريق الوطني بإلحاح من غيرتس كسر كل العادات، عندما أحجم عن برمجة مباريات ودية أمام منتخبات بمرجعيات كروية واكتفى بمحك تجريبي صغير أمام فريق سويسري بقامة كروية صغيرة أوروبيا.. وفي كل الحالات فإن الحكم على نجاعة الإختيار سيظهر يوم الإثنين عندما يلتقي أسود الأطلس نسور قرطاج في مباراة يتطلع فيها كل جانب لتحقيق الفوز..