نحلم برغم كل شيء نحتاج إلى صبر وجلد ومكابدة لنقاوم ما يضربنا من حزن بعد الذي شاهدناه من فريقنا الوطني وهو يفتتح مونديال إفريقيا بأفظع صورة عندما خرج مهزوما من نسور قرطاج. ليس الحزن على الهزيمة في حد ذاتها فلنا ما يكفي من روح رياضية لتقبلها، ولكن الحزن على أن الفريق الوطني ترك فينا الحيرة كالجبل بعد الذي كتبه كأداء وكسلوك تكتيكي ونفسي في صفحة المباراة، فإن كان هذا أفضل ما يستطيع أسود الأطلس أن يقدموه وقد إنهزموا، فأي أداء يجب أن يقدموه ليفوزوا.. سيكون حتما على اللاعبين وعلى مدربهم إريك غيرتس أن يخضعوا أنفسهم لنقد ذاتي صريح يعترف بمناحي القصور وبمصدر الأخطاء وأيضا بمسببات هذا السقوط الذي كان في الحقيقة ضدا عن الطبيعة، والحتمي أيضا أن ينجز هذا النقد الذاتي في زمن قياسي، فليس أمام الأسود وأمام غيرتس تحديدا غير ساعات قبل أن يحين الإختبار الثاني أمام الغابون الذي جعلته الهزيمة أمام تونس صعبا حتى لا أقول مستحيلا. يحتاج الفريق الوطني لتصحيح الأوضاع وبعث الآمال من رماد نار الهزيمة أمام تونس إلى الفوز على فهود الغابون بمعقلهم وأمام جماهيرهم، وبقدر ما أكدت الصورة الحماسية التي ظهر بها فهود الغابون أمام غزلان النيجر على أن طريق أسود الأطلس في مباراة الجمعة لن يكون مفروشا بالورود، فإن كتب التاريخ تقول هي الأخرى بأن الفريق الوطني عجز عجزا كاملا عن حسم نتيجة المباريات التي خاضها في الأدوار النهائية لكأس إفريقيا للأمم ضد المنتخبات المستضيفة للبطولة في صالحه. سنة 1980 واجه أسود الأطلس منتخب نيجيريا المرعب في الدور نصف النهائي بلاغوس عاصمة نيجيريا في دورة إفريقية مثيرة، وخسروا بهدف للاشيء، وخاضوا لقاء ترتيبيا منحهم المركز الثالث والميدالية البرونزية بعد الفوز في لقاء الترتيب على فراعنة النيل بهدفي خالص الأبيض. ست سنوات بعد ذلك قادتنا الأقدار مجددا للعب الدور نصف النهائي لدورة مصر سنة 1986 أمام فراعنة النيل، وكما كان الحال عليه في دورة نيجيريا 1980، خسر الفريق الوطني بهدف طاهر أبو زيد ولعب ما يصطلح عليه بالنهائي الصغير أمام كوت ديفوار والذي خسره بثلاثة أهداف لهدفين. وكانت دورة 2000 بغانا ونيجيريا ثالث مرة يصطدم فيها الفريق الوطني بمنتخب البلد المستضيف، واجه الفريق الوطني منتخب نيجيريا بلاغوس في ثالث مباراة له بخياري التعادل أو الفوز للمرور إلى الدور الثاني إلا أنه سقط أمام النسور الخضر بهدفي جورج فينيدي وأغاهوا وكان الخروج من الدور الأول. أما رابع مرة إلتقى خلالها الفريق الوطني منتخب البلد المستضيف فكانت سنة 2004 عندما حكم علينا نهائي كأس إفريقيا بمواجهة نسور قرطاج بملعب رادس، وكان الفوز وقتذاك من نصيب النسور بهدفين لهدف لينال الفريق الوطني لقب وصيف البطل. أما آخر عهد للفريق الوطني بمثل هذه الصدامات فكان سنة 2008 خلال دورة غانا عندما واجهنا النجوم السود بخيار الفوز ليس إلا، بعد فوزنا الكبير على ناميبيا وسقوطنا الغريب أمام غينيا، إلا أن الفريق الوطني لم يخرج عن العادة وخسر اللقاء أمام غانا بهدفين نظيفين ليودع بطولة الأمم الإفريقية وقتها من الدور الأول. لا أقصد بهذا العرض التاريخي لقصة الفريق الوطني مع مباريات أوقعته في الأدوار النهائية لكأس إفريقيا للأمم مع المنتخبات المستضيفة للبطولات أن أثبط العزائم ولا أن أعتم الأفق وأحجب ضوء الأمل الذي يشع من مباراة الجمعة، ولكنني موقن وأظنكم مثلي أن الفريق الوطني أكره نفسه على الإحتكام لأصعب ما في الخيارات، البحث عن الفوز على فهود غابونية تلعب أمام جماهيرها متحفزة ليس فقط بدعم أنصارها وبفوزها الكبير على غزلان النيجر ولكن أيضا بالشخصية القوية التي أضفاها عليها مدربها الألماني الذي ينتمي لمدرسة الواقعية في كرة القدم.. والفوز على فهود الغابون الذي لا يدخل في عداد المعجزات، لأن الممكن فيه أكبر من المستحيل، يتطلب من غيرتس أن يوازن بين قدرات لاعبيه وبين الحاجات التكتيكية للمباراة، وأن يصحح الأخطاء التي سقط فيها عند تدبيره للمباراة وأن يعيد لفريقه التوازنات التي كانت مفقودة في مباراة تونس بخاصة ما يتعلق بالجناح الدفاعي لوسط الميدان.. أرجو أن لا يكون غيرتس فاقدا للقدرة على أن يأتي بكل هذا الذي تحتاجه مباراة يوم الجمعة أمام الغابون من أداء خال من الأخطاء ومن الشوائب.