نجحت منافسات كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم منذ إحداثها سنة 1957 في استقطاب اهتمام المختصين والمتتبعين من هواة الكرة المستديرة سواء في القارة السمراء أو في مختلف أرجاء المعمور.وبإلقاء نظرة تاريخية موجزة عن هذه التظاهرة يتجلى مدى التطور الذي عرفته دورة بعد أخرى ومدى تأثيرها على مستوى الممارسة الكروية وتزايد أهميتها وامتداد إشعاعها لاسيما وأنها باتت تشكل أرقى تظاهرة قارية على الإطلاق وواجهة تعكس تقدم الكرة الإفريقية ومعرضا كبيرا للتقنيات والمهارات التي يمتاز بها اللاعب الإفريقي, الذي أضحى يشكل دعامة أساسية في عدد من أعتد الأندية الأوروبية على وجه الخصوص وتعد كأس إفريقيا للأمم, التي أحدثت قبل كأس أوربا للأمم بثلاث سنوات, ثاني أقدم تظاهرة قارية بعد كأس أمريكا الجنوبية ( كوبا أمريكا) التي أحدثت عام 1916.— إزدواجية الفراعنة 1957 - 1959 :بعد العديد من المشاركات على الصعيد الدولي خلال النصف الأول من القرن أل20 وبالأخص الألعاب الأولمبية وكأس العالم كان المنتخب المصري يعتبر وقتها بدون منازع القوة الكروية رقم واحد في إفريقيا. وما كان على منتخب الفراعنة إلا أن يؤكد هذه الصفة باحتكاره لأول لقبين لكأس إفريقيا للأمم.فقد أحرز منتخب "الفراعنة" الكأس الأولى سنة 1957 بالخرطوم بقيادة الليوتنان كولونيل محمد لطيف على حساب المنتخبين السوداني 2-1 والأثيوبي 4-0, بعد إبعاد منتخب جنوب إفريقيا بعد رفضها حكومة بريتوريا إرسال فريق مختلط (من البيض والسود, بغض النظر عن اللون أو العرق) إلى السودان.سنتان بعد ذلك حافظ أبناء النيل بملعب النادي الأهلي بالقاهرة على لقبهم القاري في دورة أقيمت على شكل بطولة بمشاركة المنتخبات الثلاثة ذاتها, التي خاضت منافسات الدورة الأولى.وتفوق منتخب مصر على نظيره الأثيوبي بحصة عريضة 4-0 وعلى منتخب السودان 1-0 في الدقيقة الأخيرة وكان من توقيع اللاعب عصام بعد تلقيه تمريرة محكمة من محمود الجوهري, الذي قاد المنتخب المصري إلى الفوز بالكأس الإفريقية في دورة بوركينا فاسو عام 1998 كمدرب, وهو إنجاز فريد من نوعه على المستوى القاري.— كوبا الإثيوبي يثأر على أرضه وأمام جمهوره 1962 :بعد ما خسر مرتين بحصتين عريضتين 4-0 أمام منتخب الفراعنة يثأر المنتخب الأثيوبي من المنتخب المصري على أرضه وأمام جمهوره في الدورة الثالثة التي أقيمت في أديس أبابا عام 1962.وأثبت الإثيوبيون قوتهم وعزيمتهم بعد تغلبهم على التوالي على منتخبين دخلا دائرة المنافسة لأول مرة وهما المنتخبان التونسي 4-2 والأوغندي 2-1, وبلغوا المباراة النهائية ضد منتخب مصر. وبعد تعادل الفريقين 2-2 في الدقائق التسعين احتكم الفريقان لأول مرة فى تاريخ المسابقة للشوطين الإضافيين ليفوز فريق البلد المضيف 4-2.— 1963-1965 : النجوم السود تضيئ سماء إفريقيا :شدت كأس إفريقيا الرحال لأول مرة إلى غرب إفريقيا وتحديدا إلى العاصمة الغانية أكرا, التي استضافت الدورة الرابعة التي شكلت فاتحة "غزوات" المنتخب الغاني الكروية بفضل فريق يتوفر على كل مقومات المنافسة ويتمتع بفرديات هائلة وكانت بداية الأعراس من أكرا حيث تحقق أول تتويج ل (النجوم السود).وكان الزعيم الإفريقي الراحل كوامي نكروما من أقوى المناصرين للمنتخب الغاني حيث كان يعتبر كرة القدم رافدا أساسيا للترويج للمبادئ والقيم الإفريقية السامية.واستعد المنتخب الغاني لكأس إفريقيا بأوروبا حيث واجه مجموعة من أشهر الأندية كريال مدريد وفرتونا دوسلدورف وبراتسلافا وأوستريا فيينا, وهو ما أهله لاكتساح جميع خصومه وإن كان قد أرغم على التعادل في مباراته الأولى أمام منتخب تونس 1-1 بفعل الإفراط في الثقة والإستهانة بالفريق المنافس الذي وقف أمامه الند للند بقيادة حارس شاب لكنه عملاق اسمه صادوق ساسي المعروف ب "عتوكة واكتسح الغانيون, الذين كان يؤطرهم المجري إيمبير, في النهاية منتخب السودان 3-0 بفضل نهجهم الهجومي اعتمادا على خطة 4-2-4, وهي الخطة التي كان يجيدها سحرة البرازيل في عصرهم الذهبي بقيادة اللاعب الأسطورة بيلي والجناح النفاث غارينشا.وخلال دورة تونس 1965, التي سجلت غياب منتخبين كبيرين وهما المنتخبان المصري والسوداني, امتع الغانيون هواة كرة القدم بأرقى العروض الكروية الفرجوية وجرفوا في الدور الأول منتخبي الكونغو كينشاسا (زايير) 5-2 والكوت ديفوار 4-1 بيد أن لاعبي المنتخب الغاني المطلقي العنان الذين كانوا يسعون إلى الدفاع عن لقبهم واجهوا في النهاية منتخبا تونسيا طموحا لم يستسلم للأمر الواقع إلا بعد اللجوء إلى الشوطين الإضافيين 3-2. وكان الفريق الفائز يضم لاعبين اثنين فقط ممن فازوا بكأس 1963.وتحقق حلم الغانيين في الظفر بالتاج الإفريقي لثاني مرة بقيادة المدرب كيامفي الذي نجح في إعادة بناء الفريق بقيادة العميد أود إميتي, برج المراقبة في خط الدفاع ومجموعة من اللاعبين الشباب من الطلبة. واستطاع الفريق الغاني تسجيل 12 هدفا في ثلاث مباريات وحمل عن جدارة واستحقاق لقب منتخب "برازيل إفريقيا".— منتخب الفهود يكسر التراتبية 1968 :في دورة 1968, التي أقيمت مبارياتها في أديس أبابا وأسمرة عاصمة إرتيريا حاليا, برزت منتخبات جديدة على غرار منتخب الكونغو ليوبلدفيل (جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليا) الذي وضع حدا لهيمنة منتخبات غانا ومصر وإثيوبيا على الكأس الإفريقية.وأزاح منتخب "الفهود" في طريقه للمباراة النهائية المنتخب الأثيوبي 3-2 بعد الشوطين الإضافيين والتقى مرة ثانية مع منتخب غانا, الذي كان قد فاز عليه في الدور الأول 1-0, غير أن إرادة الفهود كانت أقوى وتفوقوا على النجوم السود بهدف يتيم حمل توقيع كالالا في الدقيقة 66.— وأخيرا يبتسم الحظ للسودان وغاغارين نجم دورة 1970 :كان على السودان أحد مؤسسي الإتحاد الإفريقي لكرة القدم انتظار 13 سنة للظفر بكأس المهندس عبد العزيز عبد الله سالم, أول رئيس لهذه الهيئة الكروية الإفريقية.فبعدما مني المنتخب السوداني بهزيمة قاسية 3-0 أمام المنتخب المغربي يوم 28 أكتوبر 1969 بالملعب الشرفي بالدار البيضاء في نطاق إقصائيات كأس العالم 1970 ظهر بمظهر قوي خلال الأدوار النهائية لكأس الأمم الإفريقية بالخرطوم وانتزع الكأس بعد فوزه على منتخبي مصر في نصف النهاية 2-1 وغانا في مباراة نهاية ساخنة 1-0 احتج فيها الغانيون بشدة على التحكيم وقاطعوا حفل توزيع الجوائز.ومن الأسماء اللامعة في الدورة, التي سجلت مشاركة منتخبي الكاميرون وغينيا لأولمرة, قلب هجوم المنتخب السوداني علي غاغارين أحسن لاعب في الدورة والغينيون شريف سليمان وماكسيم كمارا وبتي سوري والإيفواري لوران بوكو هداف الدورة بثمانية أهداف— منتخب الكونغو برازافيل يبدد كل التكهنات بفضل مبونو الساحر 1972 :فجر منتخب الكونغو برازافيل مفاجأة من العيار الثقيل في دورة 1972 بالكاميرون التي شيدت بالمناسبة ملعبين جديدين بياوندي ودوالا , وهو المنتخب الذي لم يكن أشد الإختصاصيين تفاؤلا يتوقع أن يجتاز حتى الدور الأول, خاصة وأنه كان يوجد ضمن مجموعة تضم ثلاثة منتخبات قوية وهي منتخبات المغرب وزايير والسودان.لكن منتخب الكونغو كان بالفعل الحصان الأسود في هذه المجموعة . فرغم هزيمته أمام المنتخب الزاييري 2-0 فقد أرغم المنتخب المغربي الذي كان يتشكل بنسبة كبيرة جدا من لاعبي مونديال مكسيكو 1970 على التعادل 1-1 واكتسح حامل اللقب منتخب السودان 4-2 وتأهل لنصف النهاية بفضل القرعة بعد تساويه في النقط مع المنتخب المغربي ( ثلاث نقط لكل منتخب) .وفي نصف النهاية فاز المنتخب الكونغولي على منتخب البلد المضيف الكاميرون 1-0 الذي كان يشرف وقتئد على تدريبه الألماني بيتر شنيتغر ويضم في صفوفه بعض المحترفين من بينهم جان بيير طوكوطو وواجه في المباراة النهائية منتخبا كان هو الآخر مفاجأة الدورة وهو منتخب نسور مالي بقيادة نجمه الكبير ساليف كيتا وفاز عليه 3-2 بقيادة نجمه مبونو الملقب ب "الساحر" موقع هدفين حاسمين.— ثاني تاج قاري لمنتخب الفهود 1974 :جسد منتخب زايير, ممثل القارة الإفريقية في كأس العالم لعام 1974 بألمانيا, تفوقه القاري بإحرازه ثاني لقب له بالقاهرة سنة 1974 بعد لقب 1968 في إثيوبيا.فبعد فوزه على منتخبي غينيا 2-1 وجزيرة موريس 4-1 وهزيمة أمام منتخب الكونغو 1-2 حقق الفهود إنجازا كبيرا بتجاوزهم لمنتخب الفراعنة في نصف النهاية وواجهوا في المباراة النهائية منتخب زامبيا التي انتهت بالتعادل 2-2 بعد الشوطين الإضافيين لتعاد بعد يومين , وكان الفوز هذه المرة حليف منتخب الزايير 2-0 بفضل مجموعة متجانسة يقودها هداف جميع الدورات على الإطلاق اللاعب مولومبا نداي المعروف ب "موتومبولا".— في أديس أبابا جاء الفرج من رجل بابا 1976 :في ثاني مشاركة له في الأدوار النهائية لكأس إفريقيا للأمم وبأرض الحبشة انتزع أصدقاء العميد أحمد فرس أحد نجوم دورة 1976 الكأس عن جدارة واستحقاق بفضل منتخب متكامل يجيد اللعب على جميع الخطوط ويبهر بآدائه الكروي المتميز ولعبه الرجولي. صمد أسود الأطلس وتماسكوا وتآزروا في ديرداوة وأديس أبابا إلى أن وصلوا إلى العين وشربوا منها.فبعد فوزين على منتخبي زايير1-0 ونيجيريا 3-1 وتعادل مع منتخب السودان 2-2 واصل زملاء فرس المشوار بتألق في الدور الثاني الذي أقيم على شكل بطولة مصغرة جمعت الفرق الأربعة المتأهلة عن الدور الأول على غرار الصيغة المعتمدة في كأس العالم بألمانيا وفاز على منتخبي مصر 2-1 ونيجيريا 2-1.وكانت مجموعة المدرب الروماني مارداريسكو في حاجة إلى نقطة واحدة لتتوج بطلة لإفريقيا فيما لم يكن أمام المنتخب الغيني من خيار سوى الفوز للظفر بالكأس ومن هنا تكمن أهمية المباراة وشراسة المواجهة . وكان الإمتياز للفريق الغيني منذ الدقيقة 33 بواسطة لاعبه الكبير شريف سليمان. وحينما كان حلم الغينيين بالتتويج يكبر مع مرور الوقت وعلى بعد دقيقتين جاء هدف الخلاص من رجل مدافع من طينة اللاعبين الكبار إسمه أحمد مكروح الملقب ب" بابا", الذي وقع هدفا أنطولوجيا تردد صداه بقوة في سماء أديس أبابا.وعانق المغاربة الكأس بعد حصولهم على خمس نقط فيما لم يتعد رصيد الغينيين الأربعة ومن وقتها ظلت لهذا الجيل الذهبي مكانة كبيرة في قلوب الجماهير المغربية, لكن مع الأسف عجزت الأجيال التي أتت من بعدهم عن تكرار نفس الإنجاز حتى في دورة عام 1988 التي أقيمت بأرضهم وأمام جمهورهم وبعدها في دورة تونس 2004 التي أبدع وامتع فيها أصدقاء العميد نور الدين النيبت لكنهم خسروا في النهاية أمام منتخب البلد المضيف 2-1 .— أكرا 1978 .. ثالث كأس للغانيين بقيادة عبد الرزاق :لم يفوت المنتخب الغاني فرصة إقامة الدورة الحادية عشرة على أرضه للفوز باللقب للمرة الثالثة وكان له ذلك بحيث لم يجد الغانيون أدنى صعوبة في تخطي خصومهم وكان آخرهم ظاهرة الدورة المنتخب الأوغندي الذي كان وراء إقصاء حامل اللقب المنتخب المغربي بإلحاقه به هزيمه قاسية 3-0 في الدور الأول.— لاغوس 1980 .. النسور الخضر تحلق عاليا في سماء القارة :كما في الدورة الماضية كانت الكأس الإفريقية من نصيب منتخب البلد المضيف . كان النيجيريون يراهنون على الفوز بأول كأس خاصة وأنهم يخوضون مبارياتهم أمام ما يزيد عن 100 ألف متفرج بملعب لاغوس. وبعدما تصدروا مجموعتهم بتحقيقهم لفوزين على منتخبي تنزانيا 3-1 ومصر1-0 وتعادل مع منتخب فيلة كوت ديفوار وجدت النسور الخضر (النسور الممتازة حاليا) أمامها منتخبين من المغرب العربي.ففي نصف النهاية أقصى منتخب نيجيريا المنتخب المغربي بفوزه عليه بصعوبة 1-0 قبل أن يقابل في المباراة النهائية منتخب الجزائر ويتفوق عليه بحصة لاتقبل الجدل 3-0, ومن يومها أصبح منتخب نيجيريا من المنتخبات التي يقام لها ولا يقعد.وفي دورة لاغوس حقق منتخب مغربي شاب لم تمض على تشكيله سوى ثلاثة أشهر, وكان يضم في صفوفه لاعبين واعدين من ضمنهم الحارس الكبير بادو زاكي, المدرب السابق لأسود الأطلس, ثاني أفضل إنجاز في تاريخ مشاركاته في كأس الأمم الإفريقية بانتزاعه الميدالية النحاسية بعد فوزه في مباراة الترتيب على منتخب مصر 2-0 وقعهما خالد الأبيض