بنعطية على درب الكبار لا تكفي الموهبة لكي ينجح أي لاعب في مساره الكروي أو ليلعب أيضا في أكبر المستويات ويبصم إسمه في خانة اللاعبين الكبار، هناك العديد من اللاعبين الذين لم يحالفهم الحظ لينجحوا في مشوارهم الكروي رغم أنهم كانوا يملكون مستويات كبيرة تؤهلهم ليمارسوا في أكبر البطولات، لأنهم مثلا لم يبتسم لهم الحظ أو أنهم لم يحسنوا الإختيار أو كانت تنقصهم الجدية والإجتهاد.. هكذا هي كرة القدم أكيد أن من يعطيها حقها ويهتم بها ستبتسم له، فكثير من اللاعبين انطلقوا من أندية مغمورة وفي بطولات تمارس في الظل لكن سرعان ما وجدوا أنفسهم يلعبون في أكبر البطولات وتلهث وراءهم أكبر الأندية، لذلك يبقى المدافع المهدي بنعطية واحدا من هؤلاء اللاعبين الذين سطروا لأنفسهم مشوارا جيدا واقتفوا آثار المجد بثبات وباحترافية كبيرة، رغم أن جعبة هذا اللاعب ما زالت مليئة بالمواهب والعطاءات.. والواقع أن مسار المهدي بنعطية لم يكن سهلا ولا مفروشا بالورود، حيث وجد العديد من الصعوبات وهو يمارس بنادي فرنسي كبير من طينة مارسيليا، ولم تكن شدة المنافسة هي ما كانت تعرقل مساره، بل إن سوء المعاملة زاد في صعوبة فرض إسمه، حيث سبق وأن أكد أن جوزي أنيغو المدير الرياضي أنذاك كان يحاربه بشتى الوسائل من أجل عدم إبراز مواهبه مع الفريق الثاني لمارسيليا، لذلك لم يجد بُدا من الهروب من جحيم سوء المعاملة واللعب في الظل، فما كان عليه إلا أن راح يبحث عن المنافسة في القسم الثاني مع كليرمون فوت الذي يمارس بالدرجة الثانية. كان على المهدي بنعطية أن يشحن بطاريته، أن يصقل مواهبه ويطور إمكانياته إن أراد الوصول إلى القمة التي كان يسعى إليها، حمل أولا ألوان هذا الفريق واستفاد من هذه التجربة على مستوى المنافسة وخاض أكبر عدد من المباريات.. وعندما وجد أن الوقت قد حان للرحيل ليمارس في فضاء أرحب وأكبر من بطولة القسم الثاني راح يدق أبواب الأندية في مختلف أنحاء القارة العجوز، في فرنسا حيث كانت الشائعات تتحدث عن انتقاله لبعض أندية القسم الأول لكن في غياب عروض رسمية، وانتظر طويلا هذا العرض الفرنسي المهم لكن مع الأسف طال الإنتظار دون أن يطلع هلاله، فما كان عليه إلا أن دق أبواب فرق أوروبية أخرى، حيث سنحت له الفرصة لخوض إختبار مع إحدى الفرق التركية وهو نادي سيفاسبور لكن المفاوضات لم تكلل بالنجاح، بيد أن إلحاح بنعطية على دخول تجربة جديدة والهروب من الممارسة بالظل مع كليرمون فوت جعله يُجرب حظه مع نادي فرايبورغ الألماني لكن بنعطية تلقى مرة أخرى صفعة قوية بعد أن فشل في الإختبار التقني ما جعل الفريق الألماني يسد الباب في وجهة هذا المدافع. واصل المهدي بنعطية بحثه عن العروض ليهتدي في الأخير إلى الكالشيو ونجح أخيرا في التوقيع لأودينيزي الإيطالي، ولم ينتظر هذا الفتى طويلا ليفرض إسمه كواحد من أبرز المدافعين في بطولة لا تتطلب خصوصيات كبيرة من أجل الإستئناس بأجوائها. هذا هو المهدي بنعطية المدافع الذي بات اليوم يساوي الملايير بفضل جديته واجتهاده وإيمانه بقدراته، هو المدافع الذي أعطى المثال للاعب الطموح، بل أعطى أيضا الدروس للاعبين الشباب الذين يسعون إلى المجد، حيث أكد أن النجاح لا يمكن أن يأتي بين عشية وضحاها، فلابد من المكابدة والمثابرة، لأن نجاح بنعطية لم يأت من عدم وإنما نتيجة كفاح مستمر بمشوار لم تكن تضاريسه معبدة ولا سهلة السير، وإن كنا ما زلنا نتوسم خيرا من هذا المدافع الفذ الذي يسير حتما على طريق المدافعين الكبار.