الله يحد الباس تحولت عيادات الدارالبيضاء إلى مزار لجماهير الكرة، يرابط أنصار الفريق وأهالي وأقرباء المصاب أمام المصحة، في انتظار خبر أشبه ببلسم يذهب الحزن ويعيد لعقارب الدماغ دورانها المنتظم. كلما شاهدت حشدا من الجماهير أمام مستشفى عمومي أو خصوصي، تأكدت أن الكرة جنت على لاعب، وأحالته إلى رقم في دفاتر المصحة. كلما إختنقت حركة المرور أمام عيادة طبية، أيقنت أن ضحية أخرى تنضاف إلى تشكيلة ضحايا العنف ضد اللاعبين. كلما اصطفت طوابير المشجعين أمام عيادة طبية وغنت في صمت معزوفة الحزن، تعلن الحراسة العامة حالة الإستثناء داخل المصحة، وتصدر بيانا تعلن فيه انتهاء العمل بإشارات المرور التي تدعو إلى التزام الهدوء. أصبح اللاعبون عرضة لإصابات تختلف باختلاف الجاني، إصابات قد تحولهم تارة إلى عابري سرير، وتارة أخرى إلى قاطني غرف العناية المركزة. من اللاعبين من دخل المصحة مشيا على الأقدام وغادرها محمولا على الأكتاف، حتى أصبحت العيادة بناية داخلها مفقود وخارجها مولود. المرض هو رمز الديمقراطية والمساواة، فلا فرق لديه بين الفقير والغني، بين الرجل والمرأة، بين القاصي والداني، لكن في مفترق الطرق يساق البسطاء إلى مستشفيات الحومة التابعة للحكومة، بينما تحولت الإقامة في المصحات الخصوصية المصنفة إلى موضة يتباهى بها أصحاب الجاه. مع بداية الموسم الرياضي الحالي ارتفع الإقبال على الأسرة البيضاء، وحجزت أخبار المصابين مساحة من ورق الصفحات الرياضية، فأصبحنا نحن معشر الصحافيين أكثر تعرفا على أعضاء الجسد البشري من أساتذة العلوم الطبيعية، فأضحت الأعطاب تخصصا صحفيا قائم الذات، تستقى مستجداته من غرف الإنتظار في مصحات تتخلص من هدوئها بمجرد إقامة رياضي في إحدى غرفها. دشن المهدي كارسيلا مسلسل الدخول الإستشفائي، بعد أن داهمه لاعب فقد فرامله، فأدخله في غيبوبة كادت أن تحوله إلى عنصر أساسي في تشكيلة دوي الإحتياجات الخاصة، وحين استفاق المهدي من إغماءته تبين له أن الفريق الطبي قد عالج الإصابة وفسح المجال لطب التجميل كي يعيد للاعب شيئا من بهاء الصورة المخدوشة، ودخل يوسف أكناو المصحة بسبب إصطدام مع الحارس عبدالرفيع غاسي، وبعد الكشف سأله الطبيب عن الجاني وأداة الجريمة، وعما إذا كان الفتى أخر ضحايا زلزال الحسيمة. وتعرض أحمد القنطاري لإصابة أبعدته عن فريقه وعن المنتخب الوطني، فتحول خلال فترة النقاهة إلى محلل رياضي تلفزيوني ينشر دعوة الروح الرياضية. أما أيوب الخالقي فحكايته مع الإصابة غريبة، فالفتى الأسمر الذي خاض معارك كروية في عمق القارة السمراء، لم يصب بأذى إلا حين واجه رفاق الأمس، قبل مباراة الفتح والوداد وزع أيوب تحياته على أنصار الفريق الرباطي فهو يعرفهم واحدا واحدا لأنهم يعدون على رؤوس أصابع اليدين والقدمين، وحين دخل غمار المباراة تعرض لإصابة بليغة من زميل سابق فغادر الملعب تحت وطأة الألم، في اليوم الموالي حل الخالقي بالمصحة وكان يقود سيارته دون عناء، إعتقد أن الأمر لن يتجاوز دقائق في طابور الإنتظار، خضع لكشف سريع وبتوصية بالراحة الإجبارية، لكن الطبيب طلب منه الدخول في عملية إحماء استعدادا لإجراء عملية جراحية بعد أن تبين أن الأمر جد لا هزل فيه. بعد أسبوع أصيب مدافع الرجاء البيضاوي أمين الرباطي واعتقد الحاضرون أن الإصابة خفيفة في غياب الجاني، وحين تمدد الجسد على سرير المرض تبين أن الرابط الصليبي قد تمزق، حينها تمزقت أحلام فتى كان يضع اللمسات الأخيرة على تعاقد جديد مع نجم الساحل التونسي. لكن آخر الأخبار القادمة من مصحة الزرقطوني، حملت للمغاربة خبر إصابة الحارس نادر لمياغري، الذي تعرض لكسر على مستوى الكتف في حصة تدريبية مساء يوم الثلاثاء، حين حاول إبعاد كرة بضربة مقص، وحين استفاق من البنج وجد نفسه أمام مقص الدكتور هيفتي.. قلت إن الأعطاب والموت أشد الآفات تشبعا بالديمقراطية، إنها لا تقتصر على اللاعبين بل تمتد إلى الحكام الذين يحتاجون إلى نص قانوني صريح يلزم الطاقم الطبي للفريقين المتباريين بالتدخل لإسعاف هذه الفئة التي لا تملك جمهورا ولا مسعفا.. يذكر المتتبعون حكاية الحكم خالد رمسيس الذي تعرض لتسديدة طائشة جردته من شارة الدولية ومن بطاقتيه وصفارته، وحولته إلى ضحية من ضحايا الكرة. أغلب المدربين مصابون بداء السكري، ويعانون من تمزق الرابط الوجداني مع زملائهم في مهنة الناصب، اسألوا عبد الحق رزق الله عن حكاية انتقاله من كرسي البدلاء إلى غرفة العناية المركزة بسبب هبوط حاد في الضغط، في مباراة كان يخشى فيها من هبوطا حادا للراك، وهناك من المدربين من فضل وضع جبيرة دائمة لطرد النحس كما يفعل عادة المدرب أوسكار، اسألوا أسرة مكوار عن وصيته الأخيرة لأبنائه، حين حذرهم من الجلوس في المنصة الرسمية، خوفا من مداهمة التتار. وصية إلى كل الرياضيين من جمعية الأطباء الشعبيين ومن نقابة العشابين: خير العلاج الكي.