خلل في الرجاء تنافس مهاجمو الرجاء البيضاوي في مباراتهم الأخيرة أمام الدفاع الجديدي على إهدار الفرص السانحة للتسجيل، ليس الإستعصاء الهجومي وليد مباراة ملعب العبدي، فأعراض العقم بادية على أقدام مهاجمي الرجاء منذ مدة، وخير العلاج الكي كما يقال. حين يقف مهاجم الرجاء البيضاوي أمام ميكروفونات وهواتف الصحافيين، يستحضر أغنية الشاب الوجدي «أنا ما عندي زهر»، بينما يمسح زميله الخسارة في عشب أصم لا يجرؤ على دفع التهمة عنه. بعد نهاية مباراة الدفاع الجديدي والرجاء، أغلق المدرب فاخر مستودع الملابس، وعلى امتداد نصف ساعة كاملة ظل الرجل يبحث عن الأرواح الشريرة التي سكنت أحذية اللاعبين، ويحذر من مغبة الإستخفاف بالخصوم، قال امحمد كلاما جميلا أصغى له الجميع في صمت، لكن يبدو أن هذه الخطبة كان من المفروض أن تلقى في حضرة اللاعبين قبل المباراة لا بعدها، ففي كرة القدم البكاء وراء الهزيمة خسارة أخرى. في الوقت الذي كان فيه كل الرجاويين يضربون كفا بكف، كان لاعبون رجاويون يصنعون أفراح الآخرين، يرسلون ميساجات بأقدامهم إلى كل من شكك في قدراتهم وأصدر قرارا بإجلائهم خارج القلعة الخضراء مع الأشغال الشاقة في لانافيت. خلال الدورة 20 إنهزم الرجاء وانتصر المنتوج الرجاوي المغترب، فقد منح لاعبا الرجاء العمراني وسباعي نقط الفوز للمغرب التطواني في مواجهته لأولمبيك خريبكة، وسجل كل منهما هدفا في مرمى لوصيكا قصد تعطيل زحفها نحو الصدارة. وسجل لاعب يدعى بيوض، تدرج عبر الفئات الصغرى للرجاء البيضاوي هدف الإنتصار لشباب قصبة تادلة، ولسان حاله يقول لمن ساهم في ترحيله عن الرجاء، أنا أسجل إذن أنا موجود. وحين استعصى الأمر على مهاجمي الماص ناب اللاعب لمراني عن زملائه في توقيع هدف السبق للمغرب الفاسي، وهو الذي تعلم أولى دروس الكرة في ملعب الرجاء قبل أن يتحول إلى رحالة، وسجل إبراهيما نديون الذي وضعه الرجاء رهن إشارة العبديين هدف الإنتصار لأولمبيك أسفي في مواجهته ضد الجيش، مقدما الدليل على أن تفويته مجرد زلة قلم، بل إن لاعب الجيش قبلي الذي قلص الحصة سبق له أن ركض في ملاعب الرجاء قبل أن تقوده ظروف عائلية إلى أحضان ضفتي الرقراق. في تطوان وتادلة وفاس ثم الرباط إهتدى لاعبون رجاويون سابقون إلى المرمى، وكشفوا عن الوجه البشع لتدبير ملف الإعارة والإنتقال، بينما إستعصى الأمر على القادمين إلى الخضراء في مفارقة تبدو غريبة. المعضلة تبدو أكبر حين ننزل درجة إلى القسم الثاني، لنقف على أداء لاعب إسمه قشبيلي كان وراء فوز الإتحاد البيضاوي على شباب هوارة، هذا اللاعب جيء به من إنبعاث وفاء سيدي مومن وقدم الرجاء مبلغا ماليا هاما لضمه إلى الحصص التدريبية طبعا، دون أن ينال نصف فرصة داخل الفريق الأول، قبل أن يبعث من جديد مع الطاس، ثم إن هداف بطولة المجموعة الوطنية الثانية هو اللاعب الفقهاوي مهاجم الرجاء الناشئ الذي تم تفويته إلى يوسفية برشيد، يا للمفارقة. ليس صدفة أن تمطر سماء المغتربين يوم ضرب الجفاف أقدام اللاعبين المستوردين، ليس مصادفة أن يتمرد الرجاويون في المنفى الاختياري على أوضاعهم ويقومون بزيارة جماعية لشباك خصومهم، لأن الرجاء الذي يضع رجلا في الإحتراف يعاني من غياب مدير تقني، فمنذ أن رحل محمد مديح إلى قطر ظل المنصب شاغرا، فتحول بعض المسيرين إلى مدراء تقنيين مهمتهم الأساسية ترحيل أبناء الفريق لإتاحة الفرصة للوافدين، وحين يداهمهم موعد الإنتقالات الصيفية والخريفية والشتوية يصيحون بأعلى صوتهم في وجه اللاعبين الصاعدين «إنتشروا فأرض الله واسعة». هذ ليس تحريضا على العودة أو دعوة لهجرة معاكسة صوب ملعب الرجاء، لأنه كلما فكر لاعب رجاوي في العودة إلى قواعده، فإنه سيحال على قاعة انتظار كبرى، يقضي فيها ما تبقى من دورات في قراءة الصحف والإستمتاع بلعبة البلايستايشن والشات.. إسألوا العلودي ولمباركي وأبو شروان عن حياتهم الرتيبة في المعسكرات وعن مضاعفات رطوبة كرسي البدلاء، عن ضعفهم في الحساب حين رددوا «العودة إلى الأصل أصل».. لكن، ليس الرجاء البيضاوي هو الذي يبيع أبناءه ليستأجر أبناء الجيران، فهناك أندية كالرشاد البرنوصي كتبت على ظهور كل لاعبيها عبارة «للبيع»، بل إن التفويت البشري لم يعد يقتصر على اللاعبين، بل امتد إلى المدربين والممرضين والمكلفين بالأمتعة والمشجعين الذين يخضعون في البرنوصي إلى إعارة موسمية. أمام هذا الوضع أصبحت الفئات الصغرى مجرد طريق سيار نحو فرق أخرى، مما يستوجب حملة لصيانة الطاقات المتوفرة، كي لا يصدق على الفرق الكبرى القول المأثور، «الراجل كيسعى ومراتو كتصدق».