هجوم ناره خافتة كالولاعة ودفاع كالفزاعة فاخر يحاول التمرد على مقولة «مطرب الحي لا يطرب» عندما تسلم عبد السلام حنات رئاسة الرجاء البيضاوي وقبل أن يغادر منصة الجمع العام، ألح عليه منخرطو الرجاء بضرورة انتداب لاعبين جيدين قادرين على إعادة الفريق إلى سكة الإنتصارات، إستجاب الرجل العارف بخبايا النادي لتوصية أساسية تدعو إلى القطع مع سياسة التقشف التي تم بواسطتها تدبير ملف الإنتدابات، وحين وضع عبد السلام رأسه على وسادة النوم تراقصت أمام عينيه مجموعة من الأسماء القادرة على حمل قميص الفريق، كما استحضر إسم المدرب الفرنسي هنري ميشيل واعتبره الإطار الأنسب لخلافة البرتغالي خوصي روماو. في ساعة مبكرة من الصباح إستيقظ الرئيس وتوجه صوب مركب الرجاء بالوازيس، هناك شرع في البحث عن السبل الكفيلة بانطلاق التداريب تحضيرا لموسم جديد، فالوقت لا يرحم والعد العكسي بدأ. بين شهر يونيو إلى نهاية دجنبر، مرت مياه كثيرة تحت جسر الرجاء، كان صبيب المياه غزيرا وأحيانا شحيحا. المنتخب تقدم ما يشبه «سكانير» لحالة الرجاء خلال الشطر الأول من البطولة. إنتدابات بالجملة وتسريحات بالتقسيط لم يتردد رئيس الرجاء البيضاوي في استقطاب مجموعة من اللاعبين انسجاما مع رغبة منخرطي النادي، الذين ألحوا على ضرورة تقوية الرصيد البشري للفريق، من أجل الرهان على لقب البطولة، وخلافا للسنوات الماضية لم يجد الرئيس بدا من التعاقد مع هنري ميشيل الذي رافق حنات في مسار البحث عن لقب كأس الكونفدرالية الإفريقية، ونالا سويا اللقب القاري من قلب مدينة كاروا الكامرونية. أجرى الرئيس باتفاق مع هنري تعديلات على الطاقم التقني، بانتداب حميد بوشتة الذي عين مساعدا لميشيل، بينما ظل منصب المعد البدني شاغرا، وهو أكبر الأخطاء التي ارتكبها الرئيس رغم أنه أوكل مهمة الإختيار لمدرب الفريق الأول، بعدما أسند مهمة مدرب فريق الأمل للمعد البدني السابق هلال الطير. خلافا للسنوات السابقة حرص المكتب المسير الجديد، على الإحتفاظ بأغلب اللاعبين أملا في تحقيق لقب ينهي مخاوف الرجاويين، ويضع قطيعة مع زمن ترشيد النفقات الذي قاده الرئيس السابق عبد الله غلام. أبرز المسرحين المدافع الزروالي وسير ديا، وأكبر المعتزلين جريندو والنجاري، والباقي ظل محافظا على مكانته داخل الفريق. بالمقابل فتح جسر بين الوازيس وبقية الأندية أملا في الظفر بعناصر قادرة على إعادة الرجاء إلى سك الإنتصارات، ففي كل حصة تدريبية جديدة يظهر عنصر جديد، إلا أن بلغ عدد المجلوبين فريقا كاملا، بدءا بعيني والمباركي والإسماعيلي ووراد وألاس وأبو شروان والدنكير وباب نداي وكوني وبرابح والطير، من بين هؤلاء لاعبان فقط يقومان بأدوار دفاعية. هنري يواجه أعراض ضعف التنافسية ساهمت ثلاثة عوامل أساسية في تدني مستوى الرجاء البيضاوي، أولها ضعف التنافسية لدى اللاعبين المجلوبين، إذ أن أغلبهم توقف عن التداريب لفترة طويلة، كالمحدوفي والوراد وأبوشروان ولمباركي والطير، كما أن العناصر التي دخلت مع المدرب هنري ميشيل أول معسكر إعدادي ببوسكورة وخاضت أطوار دوري أحمد النتيفي وجدت نفسها بعد انضمام أسماء جديدة خارج مفكرة المدرب، ومما زاد الأمور تعقيدا عدم انتداب الرجاء لمعد بدني وحلول شهر رمضان الذي اضطر فيه الطاقم التقني إلى خفض إيقاع حصص الإعداد البدني نظرا لخصوصيات هذا الشهر. وعلى الرغم من أن عناصر كأبوشروان والمهدوفي ووراد ولمباركي كانت في أمس الحاجة إلى تداريب خاصة وإعداد متوسط المدى، إلا أن دمجهم مبكرا في تشكيلة الرجاء قد أضر باللاعبين على مستوى الأداء وساهم في ظهور إصابات كما هو الحال بالنسبة لثلاثي المذكور. خروج مبكر من منافسات كأس العرش حتى وإن فاز الرجاء على اتحاد تمارة بصعوبة، فإن بداية المنافسات أكدت أن الفريق الأخضر سيعيش معاناة حقيقية هذا الموسم إذا لم يتدارك الأمر قبل فوات الأوان، بل إن إقصاءه أمام شباب المحمدية الفريق الذي كان في حالة تفكك وشتات تقني وإداري، كشف عن حقيقة سوء التحضير، لأن العناصر التي بدأت أولى مراحل الإعداد وجدت نفسها تتابع المباراة من المدرجات فاسحة المجال لآخر من إلتحق. بدل أن يعترف المكتب المسير بالأزمة ويبحث مسبباتها، فتح جبهة مع جامعة كرة القدم، وحاول ربح المباراة التي خسرها أمام شباب المحمدية بالقلم، وسال مداد غزير حول هذه المواجهة إنتهى بحرب باردة مع لجنة البرمجة ولجنة الإستئناف ولجنة القوانين والأنظمة وكل من له صلة بملف الإعتراض، والنتيجة خسارة مزدوجة بالقلم والقدم. ميشيل ينسحب في صمت مباشرة بعد هزيمة الرجاء بفاس أمام المغرب الفاسي، إتصل هنري ميشيل برئيس الرجاء وأشعره بقرار الإستقالة من تدريب الفريق، لأن النتائج لم تطاوعه، على الفور دعا حنات مكتبه المسير لاجتماع طارئ انتهى بالموافقة على الإستقالة والبحث عن مدرب بديل يتسلم جثة فريق ابتداء من سادس أكتوبر، أي بعد شهرين من انطلاق البطولة. كان من الطبيعي أن يبحث المسؤولون عن بديل يتوفر على مواصفات المدرب العارف بالرجاء وبالدوري المغربي، ليس هناك أفضل من ابن الدار امحمد فاخر الذي صادفت استقالته من تدريب نجم الساحل التونسي استقالة هنري، فكان الإجماع على فاخر خليفة لميشيل، في مفارقة غريبة منحت للإطار المغربي فرصة الثأر من الفرنسي الذي خلفه يوما على رأس المنتخب المغربي وقاده إلى نهائيات كأس إفريقيا بغانا. فاخر يرث مجموعة متنافرة ورث فاخر عن سابقه مجموعة من الإختلالات البنيوية والبشرية، بل إنه ورث فريقا بلا جذور ولا مرجعيات إلا إسم الرجاء وقاعدته الجماهيرية، سأل فاخر رئيس لجنة المتابعة التقنية عما إذا كانت هناك تقارير حول مرحلة هنري، فكان الصمت أفضل جواب، وحين سأل عن قياس درجة استعداد كل لاعب لم يجد جوابا، الخطأ لا يتحمله المدرب السابق، بل يتحمله مسؤولو الرجاء الذين لم يعينوا مديرا تقنيا له القدرة على احتواء الوضع وإعداد تقارير يومية عن الفريق، وغضوا الطرف عن تعيين معد بدني وطالبوا وقالوا إن بوشتة مفرد بصيغة الجمع، لذا كان على فاخر وهو يدشن علاقته مع الرجاء بمعسكر في الجديدة، أن يبدأ من نقطة الصفر بطاقم جديد ونوايا جديدة لكن بأهداف قديمة. دفاع مفكك وهجوم خجول خلال مشوار الذهاب، عانى الرجاء البيضاوي من معظلة خط الدفاع الذي عجز عن التصدي لكثير من غارات الخصوم، بل إن كل الأهداف التي دخلت مرمى الخضر، جاءت عن طريق أخطاء دفاعية لا يرتكبها إلا المبتدئون، أمام المغرب الفاسي والدفاع الجديدي وحسنية أكادير وشباب قصبة تادلة والوداد والجيش وخريبكة، وكأن محور دفاع الرجاء مجرد فزاعة من فزاعات الحقول التي تنتصب لإبعاد الطيور عن المحاصيل. لم تنفع التغييرات التي أقدم عليها فاخر لترميم هذا الخلل العميق، وتبين أنه لا مفر من انتداب لاعب يعرف كيف يتحرك داخل رقعة الدفاع. لأنه بلغة الأرقام الرجاء من بين الفرق الأربعة الأضعف دفاعا، بعد قصبة تادلة وشباب المسيرة والنادي القنيطري والوداد الفاسي، وهو مؤشر على حاجة المدرب إلى جهد كبير لتقليص حجم الضرر. وعلى الرغم من تسجيل هجوم الرجاء ل 20 هدفا، إلا أن الآلة الهجومية ما زال يعتريها الصدأ، فالفرص المتاحة لا تسجل إلا بنسبة قليلة جدا، ولقد كشفت العديد من المباريات عن إلتزام الرجاء بقاعدة أنا أسيطر إذن أنا موجود، بل إن المدرب مطالب بالبحث عن رأس حربة هداف لأنه تبث بالملموس أن الفريق لا يسجل بالرأس وأن التمريرات التي تصل إلى معترك العمليات لا تجد من يسكنها الشباك. اللجنة التأديبية أنشط اللجان تعتبر لجنة التأديب من أنشط اللجان المنبثقة عن المكتب المسير، فقد ضربت مع بداية الموسم الرياضي بقوة، وأصدرت مجموعة من القرارات التأديبية في ظرف وجيز، وعلل حنات «الثورة التأديبية» وقال إنها وليدة الإنتقال من الهواية إلى الإحتراف، وأن العلاقة مع اللاعب لم تعد علاقة كرة، بل علاقة عمل بين أجير ومأجور، مع ما يترتب عنها من جزاء وعقاب. ضرب الرجاء رقما قياسيا في قرارات التأديب، حيث عرض على أنظار اللجنة التي يرأسها حسبان كل من باب نداي واسماعيل بلمعلم وعبد المولى برابح وسعيد عبد الفتاح وطارق الجرموني وحسن الطير ورشيد السليماني واللائحة طويلة. وهو مؤشر على عدم قدرة اللاعب الهاوي على التكيف مع ما يسمى تجاوزا بالإحتراف.