4. الجهود العلمية اعتنى الصوفية المغاربة بالعلوم المختلفة، وعملوا على حفظها ودراستها، وتدريسها ونشرها، وكانت للزوايا وما تزال آثار مجيدة ومفاخر عظيمة في الحفاظ على هذه العلوم، حيث احتلت العلوم الشرعية المرتبة الأولى من حيث الاهتمام، كعلم العقيدة، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث، كما اهتموا بجمع الكتب ونودار المخطوطات، فأسسوا مكتبات ضخمة، واهتموا بتشييد المدارس والمعاهد، ومحل سكنى الطلبة، مع الاهتمام بشؤونهم.. ب. عنايتهم بالقرآن الكريم وعلومه ومن بين الصوفية الذين وقفوا حياتهم على تدريس القرآن الكريم وإقرائه للطلبة: "الفقيه المجود محمد بن محمد ابن إبراهيم المشنزائي" (992ه) كان من العلماء الصلحاء المشهود لهم بالبروز في مجال العلوم، وبخاصة علم القراءات، ووصفه صاحب السلوة بأنه من "أهل التجويد للقراءات مع الضبط لأحكامها والتحصيل معروفا بالولاية والكمال والتكميل"[1]. "العلامة المقرئ المفسر أبو القاسم بن محمد ابن إبراهيم المشنزائي" (ت978ه) وهو عم الشيخ محمد بن محمد ابن إبراهيم المشنزائي، كان من العلماء المحققين، له باع طويل في مجال التفسير، مشارك في باقي العلوم، وقد حلاه صاحب السلوة: ب"الأستاذ الكبير، العلامة المحقق، الدراكة المدقق، النحوي المفسر"[2]. وقال عنه تلميذه المنجور في فهرسه: "كان من الأساتيذ المعتبرين، عارفا بعلوم القرآن آداءا ودرسا ورسما وتفسيرا، ممتعا من الكتب العلمية التفسير والحديث والعربية"[3]. وجاء في الدوحة: ".. كان شيخ التفسير وإمامه، يستظهر الكشاف للزمخشري، وينقل من تفسير الفخر وغيره في مجلس إقرائه ويحقق أقوال المفسرين بالرد والقبول، وبالجملة؛ فإنه إمام القراء في عصره، وشيخ التفسير في مصره"[4]. "الإمام الفقيه عبد الرحمن بن محمد ابن إبراهيم المشنزائي" (962ه) أحد الأعلام المشهورين، والمرجوع إليه في القضايا العلمية الدقيقة، فقد "كان أحد الفقهاء المحققين، المقتدى بعلمهم وهديهم، الذين نفع الله بهم أمة عظيمة، جامعا بين العلم والصلاح"[5]. وكان آية في العلم يغشى مجالسه العلماء والطلبة وعامة الناس على حد سواء، لما يأنسون من فصاحته وتمكنه من العلوم، وسلاسة إلقائه وتدريسه، كل على قدره، فقد ذكر المنجور في فهرسته: "وكان مجلسه منورا، وللفظه حلاوة، وعليه طلاوة، وربما يحضره في ذلك المجلس شيخنا الفقيه أبو محمد الونشريسي -وكان أسن منه- ويعجب من فصاحته ورشاقته في ذلك، ويقول في تدريسه ذلك: هو السهل الممتنع، وكثيرا ما تسأله العامة عن أمر دينها بالمجلس وخارجه، وهو عمدتهم في ذلك وفي معاملاتهم، ويقصدونه لعقد شروطهم في مناكحاتهم، ومبايعاتهم، وسائر معاملاتهم.."[6]. وتخرَّج على يديه العديد من العلماء المشهود لهم بالرئاسة في العلم والولاية من بينهم: الشيخ أبو عبد الله القصار، والشيخ أبو المحاسن يوسف الفاسي، والفقيه القاضي أبو عبد الله محمد ابن يوسف الترغي، وأجاز له في القراءات السبع، وكذا الشيخ أبو العباس المنجور، وغيرهم كثير.. وكانت جنازته مشهودة حضرها جم غفير من الناس، قال المنجور: "كانت جنازته مشهودة حضرها ولي العهد -حينئذ– أبو محمد مولانا عبد الله، وأسف الناس لفقده، وأثنوا عليه خيرا"[7]. الشيخ أبو شامة محمد بن عبد الرحمن ابن إبراهيم المشنزائي (ت964ه) الجامع لفنون المعقول والمنقول، ولي التدريس بجامع القرويين بعد وفاة أبيه بعدما ألح عليه الناس، جاء في سلوة الأنفاس: "ولما مات أبوه، تطارح الناس عليه وطلبوا منه أن يقوم مقامه في التدريس والخطبة بجامع القرويين فأبى عليهم، فألحوا عليه ففعل"[8]. أخذ عنه العديد من العلماء الأفذاذ منهم: أبو عبد الله القصار، الشيخ المنجور، وغيرهم كثير.. وكانت جنازته مشهودة، فقد "انحشر الناس لجنازته، فلم يتخلف عنها سلطان ولا غيره، وتطارحوا على جنازته تبركا وكسروا أعواد نعشه على عادتهم"[9]. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حبهم الكبير وتقديرهم الشديد لهذه الشخصية الفاعلة داخل المجتمع، والتي استطاعت أن تستميل قلوب الجماهير، بعلمها وتفانيها في خدمة المجتمع، والمشاركة في همومه وقضاياه.. يتبع إن شاء الله.. ------------------------------------------- 1. سلوة الأنفاس، 2/143. 2. نفسه، 2/143. 3. نفسه، 2/144. 4. نفسه، 2/144. 5. نفسه، 2/146. 6. نفسه، 2/146. 7. نفسه، 2/146. 8. نفسه، 2/147. 9. نفسه، 2/148.