حصلت «التجديد» في خضم نشرها لحلقات عن مساجد مراكش في رمضان الجاري على وثيقة جد هامة من المؤرخ المغربي الدكتور عبد الهادي التازي عضو أكاديمية المملكة، تظهر اسم مؤسس «جامع رياض الزيتون القديم» أحد المساجد العتيقة بالمدينة الحمراء. وتأتي أهمية هذه الوثيقة أنها «وثيقة عدلية أصلية موثقة»، كما أن هذا الجامع مغمور لم يذكره أي أحد من المؤرخين والباحثين المختصين الذين تحدثوا في الموضوع، بما فيهم الأستاذ أحمد متفكر الباحث المراكشي المعاصر، حيث لم يشر له في كتابه «مساجد مراكش» في طبعته الأولى بالرغم من أنه عرف بمساجد كثيرة معروفة بالمدينة اعتمادا على مصادر متعددة، واكتفى فقط بذكر إمامين له وهما عبد القادر العبدي المراكشي وبعده محمد بن علال الدليمي المراكشي في طبعة الكتاب الثانية، نقلا عن كتاب الأعلام للباحث عباس التعارجي. وتقول الوثيقة المذيلة بتوقيع عدلين أن «. . . الشيخ فريد دهره ووحيد عصره العالم العامل الأستاذ الكامل أبي زيد سيدي عبد الرحمان بن علي (حذفنا ألقاب باقي الأسماء اختصارا) بن عمر بن عبد السلام المكناسي المعافري المعروف بالوقاد برد الله ضريحه هو المدفون بوسط الحضرة المراكشية بحومة روض الزيتون القديم، ويشهد عدد من أبنائه وأحفاده (لا يسع المقال لذكرهم) أن عبد الرحمن المذكور هذا هو «منشئ الروضة القائمة عليه... في فنائها وتشييدها وباني جامعها المتصل بها. . . «. وخلال البحث وجدت «التجديد» أن هذا الشيخ ذكر في كتاب الأعلام للمراكشي تحت اسم عبد الرحمان بن علي الوقاد المعافري عدده 1102 صفحة 115، وكل نسبه من الفقهاء، وقال عنه ابن غازي: فقيه حافظ محدث، وقيل إنه بلغ رتبة الاجتهاد، وأخذ عن الإمام الحافظ العلامة محمد بن جابر الغساني فقيه بلدنا أجازه بخط يده، قال وكان بفاس وانتقل إلى مراكش وتوفي بها». وانتقلت «التجديد» إلى حومة رياض الزيتون القديم (يوجد حي آخر يسمى رياض الزيتون الجديد قريب منه) ووقفت على حقائق مذهلة، منهما وجود الجامع وله خصائص مسجد عتيق يعود إلى نفس تاريخ مؤسسه، وضريح على بعد حوالي ثلاثين مترا من الجامع يسمى «ضريح سيدي بولوقات»، ويعتقد الدكتور عبد الهادي التازي في حديث مباشر معه يوم الإثنين الماضي بمنزله بحي السويسي بالرباط أن «بولوقات» تحريف للمراكشيين لكلمة «الوقاد» كما حرف اسم «ابن برجان» المفسر المعروف إلى اسم «أبي الرجال». وتقول بعض الروايات الشفوية أن «بولوقات» هو الاسم الآخر لفقيه اسمه «ابو الأوقات»، لكن بحثنا خلص أن هذا الأخير مدفون في حي باب إيلان وليس في حي رياض الزيتون ولا علاقة له ب»بولوقات» أو الوقاد. ويضيف المفكر التازي أن لقب الوقاد نسب إلى الفقيه والمحدث عبد الرحمن المعافري لحرصه على إيقاد مسجده نورا طيلة الليل، وإعداده للناس للصلاة. ووجدنا في كتاب السلوة، ج 3، ص. 86 أن جد عبد الرحمن المعافري واسمه أحمد المعافري الوقاد المتوفى عام 741 ه). انتقل إلى الإسكندرية ودرس بها العلم، وجدهما محمد المعافري هو العالم المغربي الرحالة دفين الإسكندرية. وذكر الشيخ أحمد المنجور أن عبد الرحمن خلف ولدين منها الفاضل الأجل الاستاذ محمد الوقاد المتوفي سنة 936ه وفي الأعلام لعباس بن إبراهيم 4/147 : ذكر انه محمد الوقاد بن عبد الرحمان بن علي بن عمر بن عبد السلام بن أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن الإمام أبي بكر محمد بن عبد الله المعافري وهو في جملة من استوطن مراكش. والوقادية من البيوتات العلمية الشهيرة بسوس. ومن جميل ما وجدت «التجديد» خلال هذا التحقيق أن باني هذا المسجد عبد الرحمان بن علي بن محمد المعافرى الوقاد المكناسى حصل على ثاني إجازة «باقية مكتوبة على رق» في قراءة القرآن كتبها له شيخه محمد بن يحيى بن محمد بن جابر الغسانى المكناسى عام 813ه، وأصلها محتفظ به – فى بنى ملال – عند أسرة تنتسب للمجاز، وبالخزانة العامة صورة منها على الشريط، ضمن مصورات جائزة الحسن الثانى سنة 1974 فى قطاع إقليم بنى ملال كما اشار الى ذلك الاستاذ محمد المنونى في كتابه «المصادر العربية لتاريخ المغرب»، (منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط 1983. ). وكانت أول «اجازة» باقية هى التى كتبها محمد بن عبد الله الفخار الضماتى، لتلميذه أبى سالم إبراهيم بن أبى الفرج بن على الشريف العباسى: عام 803 ه. وهى معروضة – فى أصلها – كما يذكر محمد المنونى بالخزانة العامة بالرباط فى قاعة المطالعة بقسم المستندات. والإجازات القرآنية كانت بمثابة شهادات بحفظ القرآن الكريم وإجادة رسمه وأدائه، مضافاً لذلك استظهار بعض المتون الدراسية الأولية وتكتب الشهادة على الرق، فى صفحة كبيرة فى طولها وعرضها. وقد ظهرت في أواخر المائة الهجرية السابعة». وخلال بحثنا وجدنا أن المسجد به قبر تسميه إحدى الروايات الشفوية «ضريح موسى بن براهيم» في حين تذكر الوثيقة موضوع هذا المقال أحد مريدي الشيخ ويسمى «ابراهيم بن سعيد» هو القائم على الضريح والمسجد، وقد ذكر في كتاب موسوعة أعلام المغرب الجزء الثاني ص 936 وتوفي سنة 986 ه، ويعتقد الدكتور عبد الهادي التازي أنه أحد تلامذة الشيخ الوقاد وقد يكون هو نفس الشخص المدفون بجانب الجامع وأن الروايات الشفوية لم تكمل اسمه، في حين تقول روايات شفوية أخرى غير موثوقة استقتها «التجديد» أن القبر يعود الى امرأة كانت تقوم بوظيفة تنظيف المسجد. ولذا نعتقد أن التحقيق في هذه النقطة مازال مفتوحا. وحسب ما عاينته «التجديد» في الأيام القليلة الماضية أن المسجد جدد بالكامل، وتقول الروايات المتطابقة أن ذلك كان قبل ثلاث سنوات من قبل أحد المحسنين الذي صرف عنه ملايين السنتيمات، وعرف خلال تجديده بعض التغيير، إذ فتحت في جهته الشمالية نوافذ مزينة بالزجاج العراقي، كما شيد في اسكوبه الخلفي بالركن الغربي الشمالي حائط يمتد الى السقف يجعل «قبر موسى بن ابراهيم» خارج قاعة الصلاة وله باب خاص من الشارع، وذلك حرصا على خلو المكان المخصص للصلاة من أي قبور. لكن هذا الترميم الذي لم يطل السقف والأبواب والصومعة لم يخف حالته الأصلية، حيث تتوفر قاعة الصلاة الأصلية على ثلاث أساكيب (أروقة عرضية موازية لجدار القبلة)، وخمس بلاطات (أروقة رأسية متعامدة مع هذا الجدار ومفضية إليه)، اثنان منها تمتد إلى عمق المسجد وتتجه عقوده المقوسة في شكل أنصاف دوائر. أما صحنه فقد تم تسقيفه ودمجه الى قاعة الصلاة، وحول الجزء الخلفي منه مكانا للوضوء (يوجد مرحاض للاستفراغ قرب المسجد)، في حين اختفت أشجاره وخصته الرخامية. وقد رسم الصناع في هذا الترميم أبوابا وهمية في الحائط بالجبص كما زينوا جدرانه بالزليج المغربي الى علو متر ونصف تقريبا. أما الجدار الأمامي فكتبت على طوله مكررة عدة مرات عبارة «لا إله الا الله، سبحان الله، سبحان الله وبحمده، استغفر الله العظيم، استغفر الله العظيم وبحمده».، وللمسجد ثلاثة أبواب، واحد من الجهة الغربية مخصص للنساء، وآخر في الجهة الجنوبية، وبجانبه تنتصب المئذنة التي لم يطرأ عليه أي تغيير والتي بنيت بجحر صلب نجده مثله في جوامع أخرى كبيرة بالمدينة مثل جامع سيدي ايحاق وجامع باب دكالة، وهي مربعة الشكل (3*3م) متوسطة العلو على كل جهة 3عقود مفصصة وتحيط بثلاث نوافذ مصطفة عموديا في خط واحد. هذا ما وصلنا اليه والله أعلم. يشار إلى أن الدكتور عبد الهادي التازي ، بصدد التحضير لإلقاء محاضرة هامة حول أحفاد الشيخ القاضي ابي بكر بن العربي ومنهم الشيخ عبد الرحمان المعافري.