تعتبر مؤسسة الحسبة في الفقه الإسلامي الهيكل التنظيمي للنشاط الاقتصادي في السوق. فهي تحرص على سيادة القواعد الدينية والأخلاقية، في مجال المعاملات، وبذلك فجهاز الحسبة يقوم بدور المراقب للأسواق حتى يتأكد من حسن التعامل السليم بين الأطراف المتواجدة في السوق. وقد اهتمت الحسبة بموضوع الاستهلاك من خلال مراعاة البعد البيئي والصحي والبعد القانوني. 1. مؤسسة الحسبة والبعد الصحي اهتمت الحسبة بالبعد البيئي والصحي وجعلته من مسؤولياتها وهي تنظيم الحرف والمهن، وقد فرضت على أصحاب الحرف احترام هذا المبدأ. ولم تكتف مؤسسة الحسبة بالتزام الأفراد بتطبيق القواعد الشرعية في التعامل بل إنها كانت تشرف على أسلوب إدارة المهن والحرف مما له تعلق بالجانب التقني في صناعة مواد الاستهلاك حتى يتبين السليم من المغشوش، والمحتسب يستعين في هذا المجال بالخبراء الذين يكونون على دراية ومعرفة تامة بطرق وأساليب هذه المواد. وهذه نماذج تبين اهتمام مؤسسة الحسبة بالجانب البيئي والصحي: 1. يعتبر المحتسب على اللبانين بتغطية أوانيهم، وأن يكون المكان مبيضا مبلطا، وأن يكون التغاطي جديدا؛ فإن الذبيب يحب مكان اللبن، وكذا المحلب يكون في فمه ليفة نظيفة حتى يمنع الوسوخ ويلزمهم في كل يوم بغسل القصاري، والمواعين بالمسواك الليف الجديد والماء النظيف لئلا يسارع إليه الفساد في زمن الحر، ولا يعمل كل واحد منها فوق وظيفته لئلا يفسد ويحمض[1]؛ 2. وفي الحسبة على الطباخين يأمرهم المحتسب بتغطية أوانيهم وقاية لها من الذباب وهوام الأرض بعد غسلها بالماء الحار والأشنان[2]؛ 3. ينبغي على الخبازين أن يرفعوا سقائف حوانيتهم، وأن يجعلوا في سقوف الأفران منافذ واسعة يخرج منها الدخان لئلا يتضرر بذلك الناس[3]؛ 4. يمنع الخباز من العجين بقدميه وركبتيه ومرفقيه، ويلزم بالتلثم حتى لا يسقط شيء من بصاقه أو مخاطه في العجين[4]؛ 5. يأمر الفرانون بإصلاح المداخن، وتنظيف بلاط الفرن في كل ساعة من اللباب المحترق والشرر المتطاير، والرماد المتناثر لئلا يلحق في أسفل الخبز منه شيء[5]؛ 6. ينبغي على الشوائين أن لا يضعوا الشواء حالة إخراجه من التنور في أواني الرصاص ولا النحاس وهو حار لأن الأطباء قالت إنه يستحيل سما[6]؛ 7. إذا فرغ القصاب من البيع وأراد الانصراف أخذ ملحا مسحوقا ونثره على القرمية "قطعة من الخشب يقطع عليها اللحم" التي يقصب عليها اللحم لئلا تلحسها الكلاب، أو يدب عليها شيء من هوام الأرض[7].. فهذه النماذج تبين أن توفير الشروط البيئة والصحية من أهم المقاصد التي يحرص المحتسب على تطبيقها، وبذلك حتى يضمن سلامة المستهلكين، ولذلك فاهتمام الحسبة بالجانب التقني والتنظيمي في الصناعات والحرف، الغرض منه وضع الإطار التقني السليم والأسلوب الصحيح الذي ينبغي أن يتخذه المحتسب معيارا للتمييز بين الصناعات التي احترمت القواعد المفروضة والصناعات التي خالفت ذلك. وانطلاقا من هذه القواعد يتضمن المحتسب مراقبة سليمة لمجال الاستهلاك، ويحمي حقوق المستهلكين. يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى.. ------------------------------------- 1. معالم القربة في أحكام الحسبة لمحمد بن محمد بن أحمد القرشي المعروف بابن الأخوة عني بنقله وتصحيحه روبن ليوي ص: 130، طبع مكتبة المتنبي، القاهرة، بدون تاريخ. 2. معالم القربة لابن الأخوة، ص: 106. 3. نهاية الرتبة في طلب الحسبة، للشيزري، تحقيق الباز العرنيني، ص: 22، دار الثقافة بيروت، الطبعة الثانية، 1401ه/1981م. 4. نهاية الرتبة من طلب الحسبة، للشيزري، ص: 22. 5. المرجع نفسه، ص: 24. 6. نهاية الرتبة في طلب الحسبة للشيرزي، ص: 34. 7. نهاية الرتبة في طلب الحسبة، ص: 28.