الشمس.. خلق الله عز وجل الشمس سراجا وهاجا، فمنذ ملايين السنين لم يزل هذا الجرم الضخم يشع نفس المقدار من الحرارة والإضاءة. إن أشعة الشمس تعد من العوامل الرئيسية لحفظ الحياة على الكوكب الأزرق، قال الله سبحانه وتعالى: "وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى" [الرعد، 2]؛ فما هو مصدر الطاقة الشمسية؟ وما هي تجليات هذه نعمة الربانية على الإنسان؟ تبعد الشمس عن الأرض في المتوسط مسافة 149 مليون كيلو متر تقريبا ويبلغ قطرها 109 مرات قدر قطر الأرض لذلك فحجمها أكبر من مليون وثلاثمائة ألف حجم كوكبنا. تبلغ درجة حرارة الشمس عند سطحها حوالي 6000 درجة مئوية، وتزداد الحرارة كلما أوغلنا داخلها حتى تصل إلى 15 مليون درجة. في كل ثانية تطلق الشمس من الطاقة ما يعادل 4000000 طن من المادة. وبرغم هذه الكمية الهائلة من الطاقة المنبعثة على شكل حرارة وإشعاعات، فعلى مدى قرنين لا تفقد الشمس سوى جزء واحدا من مليون جزء من كتلتها، وبالتالي فإنها ستعمر طويلا جدا قبل أن تفقد جزء محسوسا من كتلتها الضخمة. سر مصدر الطاقة الشمسية كان جوليوس ماير، الطبيب والفيزيائي الألماني، أول من حاول تفسير طاقة الشمس منذ عام 1848م حيث افترض أنها ناتجة عن سقوط النيازك والأجرام عليها.. وفي ذلك الزمان لم يكن هذا التفسير شافيا كما أن الافتراضات المتوالية لم تنجح في إغناء الموضوع إلا بعد تقدم العلوم النووية، ومن خلال النظرية النسبية واكتشاف العلاقة القائمة بين الطاقة والمادة، تبين أن كمية هائلة من الطاقة تحتويها نوى الذرات من خلال ترابط أجزائها بعضها بالبعض. وقد ثبت علميا أن الشمس عبارة عن كرة هائلة من الغازات المتقدة وتشمل في معظمها غاز الهيدروجين وهو أخفها. إن درجة الحرارة الهائلة داخل الشمس تؤدي إلى عملية اندماج أربع نوى ذرات الهيدروجين لتنتج ذرة هليوم واحدة مع تحرير طاقة كبيرة، وهذا ما يعرف بالاندماج النووي. فالشمس هي بؤرة متأججة لقنابل هيدروجينية تتفجر داخلها فتتولد طاقة هائلة ترسل في الفضاء، فلولا هذه الطاقة المنبعثة إلى الأرض لما توفرت الظروف الملائمة لحياة النبات والحيوان والإنسان على هذا الكوكب. نعمة تسخير الشمس قال مولانا الكريم: "وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً وَجَعَلْنَا الليْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً" [النبأ، 9-11]، تدور الأرض حول محورها فينتج تعاقب الليل والنهار. جعل الله سبحانه وتعالى النهار آية مبصرة سخرها لتكون وقتا للنشاط والعمل والحركة، كما جعل الليل وقتا للراحة قال الله عز وجل: "قُلْ اَراَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً اِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَاتِيكُم بِضِيَاء اَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ اَرَايْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً اِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ اِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ ياتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" [القصص، 71-72]. وتدور الأرض حول الشمس دورة كاملة كل 365 يوم وربع اليوم أي عام كامل، فبفضل تعاقب الليل والنهار، ومرور الأيام والسنين تعلم الإنسان الحساب والأرقام قال الله تعالى: "هُوَ الَذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" [يونس، 5]. تلعب أشعة الشمس دورا رئيسيا في دورة الماء، تتبخر مياه البحار والمحيطات تحت تأثير حرارة الأشعة الشمسية ثم تتكون السحب التي تحمل قطيرات الماء إلى عدة مناطق من الأرض فتتكون الأنهار والمياه جوفية بعد نزول الأمطار.. إن ضوء الشمس ضروري لعملية التمثيل الضوئي، فبدونه لا تستطيع الكائنات النباتية تحويل ثاني أوكسيد الكربون إلى مواد عضوية ضرورية للبقاء على الحياة، وبالتالي فضوء الشمس أساسي لتوفير الغذاء للحيوانات والإنسان. تلعب أشعة الشمس دورا هاما في إنتاج الفيتامين "د" في الجلد، فالتعرض لها وقاية من مرض الكساح وهشاشة العظام. كما أن الطاقة الشمسية مطهر طبيعي ضد بعض الجراثيم المنتشرة في الهواء والأراضي الزراعية والملابس.. قال مولانا الكريم "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" [ابراهيم، 36] إن ما ذكرناه من فضائل نعمة وجود الشمس ما هو إلا غيض من فيض لكنني أعتقد أنه كاف لنستقبل القبلة ونسجد لله عز وجل شاكرين له نعمائه وإحسانه سائلين الهداية إلى سواء السبيل. المراجع 1. زياد موسى عبد المعطي أحمد، نعمة وجود الشمس، حراء، العدد 21، 2010. 2. محمد باسل الطائي، صيرورة الكون؛ مدارج العلم ومعارج الإيمان، عالم الكتب الحديث، الطبعة الأولى2010.