اعتاد الإنسان على هذه البسيطة ظاهرة كونية سخرها له الله عز وجل ألا وهي ظاهرة تعاقب الليل والنهار. ولم يتكلم أحد، قبل بعث سيد الخلق نبينا الأكرم عليه أزكى الصلاة والتسليم، عن ما يقع خارج كوكبنا الأزرق في الفضاء الكوني الواسع. لقد نزلت آيات قرآنية سبقت علماء الفلك منذ قرون تصف بدقة بعضا من حقائق وأسرار الفضاء، لتكون حجة وبرهانا على صدق ما دعانا إليه الصادق الأمين. من بين الحقائق الكونية التي استطاع الإنسان أن يتعرف إليها بفضل التقدم العلمي ظلام الكون الشديد. ففي آواخر القرن العشرين اخترقت أول سفينة فضائية الغلاف الجوي لتسبح في الفضاء، ورغم أن المركبة انتقلت في النهار فما إن اخترقت طبقات الجو حتى أصبح ركابها في ظلام حالك وكأن النهار انقلب ليلا. قال الله سبحانه وتعالى: "ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت اَبصارنا بل نحن قوم مسحورون" [الحجر، 14-15]. تحمل هاتين الآيتين الكريمتين إشارات علمية تُعجز العقل البشري. فقد نبأنا الله عز وجل منذ أربعة عشر قرن على أن اختراق السماء لا يكون إلا عبر خطوط منحنية وهو المعبر عنه بالعروج ثم إن العين لا تستطيع البصر لشدة ظلام الكون. إن من بين فضائل الله عز وجل وبديع صنعه أن خلق للأرض غلافا جويا يحيط به؛ فهو سقف محفوظ كما سلف ذكره في عدد سابق، كما أنه يلعب دورا رئيسيا ليجعل من أشعة الشمس المنبعثة إلى الأرض نهارا جليا، قال الله سبحانه وتعالى: "والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها" [الشمس، 1-4]. ترسل الشمس أشعتها الضوئية، وهي عبارة عن فوتونات تصل إلى الغلاف الجوي للأرض فتصطدم بالذرات المتواجدة به. تمتص هذه الأخيرة قدرا من الطاقة التي توفرها تلك الفوتونات ثم تحوله إلى حرارة وتعكس الباقي مما يجعلها ذرات عاكسة للضوء. تتم عملية الانعكاسات الضوئية بين ذرة وأخرى حتى تصبح جميع ذرات الغلاف الجوي منيرة. تنعدم ذرات الهواء والغازات والغبار في الفضاء لذلك لا تجد أشعة الشمس ما يشتتها ويبعثرها لكي تصل إلى العين، لهذا السبب فراكبو المراكب الفضائية لا يرون النور المنعكس لضوء الشمس بل تبدو لهم ككرة ملتهبة تميل إلى الاصفرار، وليس حولها ضوء أو نهار. كما أن النجوم تبدو ساطعة بضوئها في ظلمة السواد الدامس. إن المؤمن بخالق هذا الكون يدرك مدى عجزه عن تصور عظمة خالق كل ما يدور من حوله. فقدرته عز وجل تجلت في كل الأشياء مهما كبر حجمها كالفضاء الكوني الشاسع أو تناهى في الصغر كالذرات والفوتونات وغيرها... لقد سخر الله سبحانه وتعالى كل ذلك لخدمة الإنسان فما ذا يفعل هذا المخلوق المكرم لخدمة مولاه؟ المراجع 1. ماهر أحمد الصوفي، الموسوعة الكونية الكبرى؛ آيات الله في خلق الكون ونشأت الحياة في السماء الدنيا والسماوات السبع، المكتبة العصرية صيدا - بيروت، 2008م. 2. نادية طيارة، موسوعة الإعجاز القرآني في العلوم والطب والفلك، الجزء الأول، اليمامة دمشق-بيروت، الطبعة الأولى، 2008م.