يعتبر الشيخ محمد بن العربي العلوي رحمه الله من الرواد المغاربة القلائل الذين تميزت حركتهم الإصلاحية بمنهج شمولي، امتزج فيه العلم بالتربية والسلوك والسياسة والعدالة والجهاد، لتشكل جميعها فسيفساء المشيخة الإسلامية التي استحق لقبها عن جدارة على غرار سلف الأمة. وقد كتب الشيخ محمد البشير الإبراهيمي يمهد لمقال الأستاذ علال الفاسي الذي نشرته جريدة "البصائر" -لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين- قائلا: "الأستاذ الأكبر الشيخ محمد بن العربي العلوي إمام سلفي وعالم مستقل واجتماعي جامع. وهو في نظرنا أحق برتبة الإمامة من كثير من خلع عليهم المؤرخون هذا اللقب، ونحن في أخص الصفات التي تربطنا به -وهي السلفية والإصلاح- ونجاوز درجة الإعجاب به إلى الفخر والتعاظم". وتابع الشيخ الإبراهيمي كلامه قائلا: "وهذه مقالة للأستاذ علال تكشف عن بعض نواحي عظمة هذا الإمام، ولعل الأقدار تقيض من يكتب له ترجمة حافلة تكشف عن مواقع الأسوة بذلك الرجل خصوصا في سلفيته وجرأته في تلك السلفية، وهي نقطة التلاقي الحقيقية بينه وبين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"[1]. وهذه الشهادة تضاف إلى شهادة أستاذه وشيخه أبي شعيب الدكالي الذي أجازه إجازة علم وتقدير وقال له فيها: "أنت إما أن تكون قد سبقت زمانك، وإما أن تكون قد تأخرت عنه". وقد كان لشمولية حركة الإمام ابن العربي العلوي الإصلاحية وقوته في الحق، وصلابته في الدعوة إليه، وصموده في أيام الشدائد، وتحديه لسلطات المستعمر، وشوقه إلى الجهاد، وتخليه عن مناصب الجاه والسلطة ما جعله مضرب الأمثال وقدوة المصلحين وعظماء الرجال. وقد قال عنه تلميذه الأستاذ علال الفاسي في المقال الذي نشرته جريدة "الإخوان المسلمون" سنة 1948 بمناسبة إعلان تطوع الشيخ محمد بن العربي العلوي الذي أبلغ إلى جامعة الدول العربية ليكون تحت تصرفاتها للقتال والجهاد من أجل فلسطين: فإذا قدر للنهضة المغربية أن تكتسب يوما تاريخها وأيامها الغر، وتعرف بمجاهديها الأولين وأبنائها العاملين؛ فإنها ستجد في الطليعة الأولى شخصية عظيمة كان لها الفضل الأكبر في وضع الحجر الأساسي لصرح هذه النهضة المباركة وبذر البذور الأولى لهذا الشجر الذي يؤتي ثماره مختلف الألوان في كل نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية(...) فقد كان له الفضل الأول في تكييف الدعوة السلفية التي بدأها من قبله شيخان عظيمان هما السيد عبد الله السنوسي والشيخ أبو شعيب الدكالي بالكيفية التي تلقيناه عنه نحن تلامذته الكثيرون والمنبثون في سائر أنحاء مراكش وغيرها من المغرب العربي. يؤكد عدد من الباحثين في كتاباتهم أن دعوة الشيخ محمد بن العربي العلوي تعتبر من أبرز دعوات المصلحين المغاربة التي قاومت الجمود، وخالفت التقليد الأعمى وتعطيل العقل، وحررت المواطن المغربي من القيود التي كانت تشل حركته، فرفض الاستسلام للواقع، وانطلق في عراك مع أعداء الداخل والخارج، فأنشأ لنفسه ولغيره من العرب المسلمين فلسفة واضحة المعالم، تضرب بجذورها في عمق التاريخ العربي الإسلامي المجيد، وتمتد فروعها لتستشرف المستقبل الواعد التليد. ------------------------------------------------------ 1. نقلا عن مقال ذ.أحمد السراج: الفكر السلفي عند الشيخ محمد بلعربي العلوي، ندوة الحركة السلفية في المغرب العربي، ص: 218-219.