أجمع المتدخلون في ندوة نظمتها مؤسسة علال الفاسي، يوم السبت 18/12/ 2010 بالرباط، على إسهام علال الفاسي كأديب ومفكر في وضع لبنات ثورة فكرية وثقافية جديدة ساهمت في التطور الفكري والأدبي الذي عرفه المغرب خلال القرن العشرين. وأوضح المشاركون في الندوة الخامسة المنظمة تحت موضوع «التطور الثقافي والأدبي بالمغرب خلال القرن العشرين ومساهمة علال الفاسي فيه»، التي تندرج ضمن سلسلة من الندوات الثقافية والفكرية التي تنظمها مؤسسة علال الفاسي طيلة السنة الجارية احتفاء بالذكرى المائوية لميلاد الزعيم الراحل علال الفاسي، أن هذا الأخير شكل أحد أبرز مثقفي المغرب الذين أسسوا لفكر ساهم في تحدي الاستعمار ورسم معالم مستقبل جديد لما بعد عهد الحماية. واعتبر السيد عبد الكريم غلاب، رئيس اللجنة الثقافية لمؤسسة علال الفاسي في كلمة افتتاحية، أن القرن العشرين اقترن بعهد الحماية، غير أنه شكل من جانب آخر، قرن الانتصار بالنسبة للمغرب لما عرفه من انطلاقة حقيقية بفضل المثقفين الذين أسسوا لثورة فكرية جديدة تحدت الاستعمار وعملت على إخراج المغرب من ويلاته وحققت تطورا غير مسبوق في مختلف المجالات . وأشار إلى أن علال الفاسي كان أحد أبرز رواد الحركة الوطنية لأنه كان «يستند على إعمال الفكر في التعاطي مع قضايا المغرب بعيدا عن الاندفاعية»، مما ساعده على إرساء أسس نهضة فكرية جديدة لما بعد الاستقلال. وبعد أن ذكر بالمجالات التي تطرق إليها علال الفاسي كأديب وشاعر، أبرز السيد عبد الكريم غلاب نضال هذا الأخير من أجل بناء البلاد على أسس ديمقراطية من خلال مطالبته بصياغة دستور وطني يضع اللبنات الأولى للتدبير الديمقراطي للمغرب. في كلمة الروائية المغربية خناتة بنونة في الندوة الخامسة لمؤسسة علال الفاسي : مادامت الأمة الإسلامية لم تأخذ بفكر علال الفاسي فلن تقوم لها قائمة - أيها الحضور الكريم - أيتها العيون المشرعة على كل ما هو جميل وكل ما هو خلاق وكل ما هو وفي للأبطال والبطولة - أبي وسيدي علال الفاسي - يا أب الخيارات الصعبة، فهل أنت تختصر عصرا، أم أنت تشكل تاريخا أم أنك تنتصب رمزا، أم أنك الكل في الكل، خصوصا حينما يقرر التاريخ أن يقف عند قدميه، ليقول رحم الأرض لبيك، فتكون أنت بطل الأبطال وأنت توزع حركتك ووعيك وتضحياتك وتوجهاتك وكلامك القوي لا على الجهات الأربع لهذا الوطن الحبيب، بل وعلى كل جهات المجروحة أو التي تقف خارج أسوار العالم. أريد أن أقول لوالدي الروحي، والد اختياراتي وطريقي ومواقفي، والد إبداعي وصمودي ووالد مقاومتي حتى ألقى الله، وهو يأخذ علي عهدا في بيت خالي المرحوم سيدي العربي الإدريسي الذي كان يقول عنه المرحوم سيدي علال الفاسي، إنه يعتبر بمثابة الجنرال للجناح العسكري للحركة الوطنية. ونحن في غداء في بيت خالي، قال آخذ عليك عهدا أن تحكي للمغاربة كتابة وكلاما، ماذا عانيت في إصدار أول مجلة ثقافية نسائية بالمغرب، وقد أصدرت إحدى نسخها مع ثلة قليلة والتي يرجع الفضل أيضا في إصدارها لسيدي عبد الكريم غلاب وللمثقف المناضل، المبدع عبد الجبار السحيمي. هذه المجلة هي نسائية تعنى بشؤون المرأة والفكر، وكانت إدارتها في بيت والدي بمدينة فاس وكان الممول لها هو والدي. هذه المجلة كنت سأعتقل بسببها نظرا لرفضي للعروض الكثيرة التي أمطرت علي والله يشهد على ما أقول، وكان الرسول آنذاك الذي بيني وبينهم في الحوار هو الأستاذ عبد الوهاب بن منصور، وحينما رفضت قررت أن أناضل وسرق ملفها لأعتقل ولولا تدخل والدي الروحي سيدي علال الفاسي لكنت في المعتقل آنذاك، وبعدما استدركنا ووضعنا ملفا آخر بفضل سيدي عبد الكريم غلاب. وكان عبد الجبار السحيمي هو الذي يخطط لنا المجلة وكانت أول مجلة ثقافية نسائية صدرت بالمغرب. وقد صدرت آنذاك مجلة «ELLE» الفرنسية وتتضمن عنوان هو المرأة المغربية وعلامة استفهام في الصفحة كلها بما يعني أنه ليس هناك وجود للمرأة المغربية. وفي هذه الفترة بالذات أعلنت الصحافة أن خناتة بنونة تعمل على إصدار مجلة ثقافية، وإذا تصفحتموها، فلن تجدوا ما هو يهم المرأة، بل استقطبت هذه المجلة كل الأقلام الأدبية الثقافية في الساحة آنذاك. وكنت في كل تحركاتي أذهب عند سيدي علال الفاسي، حين يكون في بيت الحاج احمد مكوار، بيت الأمة آنذاك، وكأنه بيت سعد زغلول في مصر. وأتذكر آخر مرة وهو يودعني والله على ما أقول شهيد ويقول لي يا بنيتي استمعي واستوعبي كلامي، كان يجب ألا توجدي في هذه الحياة إلا بعد مائة سنة، حينما يتطور المغرب ويستطيع تحمل أحلامك هذه، فلهذا أنا أترجاك أن تتوقفي، وقلت له وأنا في الباب والجدار الفسيفسائي أمامي، والله ولو أن هذا الجدار الذي أمامي هو المستحيل نفسه لظللت أضرب رأسي عليه حتى أموت أو أصنع منه كوة، تصنع منا الأجيال الآتية بابا للمستقبل، لأكون جديرة بأبوتك أو أموت دون ذلك، فما كان منه إلا أن عانقني ودمعت عيناه وبقي يقول لي، أومن بك أومن بك، وهكذا قاومنا المستحيل وصدرت المجلة. فأنا أقول لوالدي الروحي وللروحه التي ترفرف على هاته القاعة وترفرف على هذا المغرب وعلى كل الشرفاء في الكون وفي العالم إني وفيت القليل على هذا الحضور الكريم. ويقي أن أقول ونحن في بغداد في مؤتمر، وكنا في المتحف الإسلامي وجلست أنا وجاك بيرك، وسألني من أن أكون ومن أية أسرة وقلت، من آل بنونة، وطال الحديث بيننا إلى أن وصلنا إلى سيدي علال الفاسي، وقلت له إنه والدي الروحي، وقال لي مادامت الأمة الإسلامية لم تأخذ بفكر علال الفاسي فلن تقوم لها قائمة. إن علال الفاسي هو الشجرة الوارفة، الصفصافة التي يستظل بها المغاربة عبر التواريخ كلها، فصدرت أول مجموعة ليسقط الصمت» وقد بعت من أجلها بعض مجوهراتي وعلم هو بالخبر، فكانت رواية «النار والاختيار» ستطبع وقرر أن يطبعها هو رحمة الله عليه، ووضع لها مقدمة تعتبر مرجعا أدبيا رائعا في تلك المرحلة. عبد الحميد عقار الأستاذ الجامعي: كتابات علال الفاسي مرجعا لا غنى عنه في الثقافي المغربية الحديثة قال عبد الحميد عقار الأستاذ الجامعي في مداخلة قدمها في الندوة الخامسة لمؤسسة علال الفاسي حول «تطور الثقافة المغربية خلال القرن العشرين ومساهمة علال الفاسي فيه» إن علال الفاسي شخصية متعددة الاهتمامات والآفاق، عميقة الإيمان بالتطور وبالنضال من أجله؛ مؤكدا أن علال الفاسي واسع الاطلاع والمعرفة، بعيدُ النظر، ملتزم، ذو مبادئ ورسالة اضطلع بها بكفاءة عالية، وفي مثابرة الى آخر رمق من حياته، وتحلى دوما برحابة الفكر وسعة الصدر وقوة التساؤل وصفاء الحوار مع الآخرين، ممن يقاسمهم الهوية والثقافة واللغة ومشاغل الفكر والوطن، أو مع من ينتسبون لثقافات ولغات أخرى، يلتقي معهم في المشترك الإنساني، وقد يختلف مع الإثنين أحيانا، في التأويلات ووجهات النظر، وفي تفسير الوقائع، وتصور الآفاق أو البدائل. وأعتبر كتابات علال الفاسي ومواقفه ومناظراته، تشكل مرجعا لاغنى عنه للثقافة المغربية الحديثة والمعاصرة، وتنهض بدور الريادة في مجالات المعرفة، والوطنية والديموقراطية، والمغرب العربي، والسلفية المستنيرة، والهوية، والإسلاميات، وهي الموضوعات التي كانت مدار انشغاله ومحتوى تأليفه. دور الريادة هذا، يستمد مصداقيته ونفاذ تأثيره، من قوة شخصية علال الفاسي الفكرية والنضالية والوطنية، ومن تميز إنتاجه بجملة من الصفات والملامح التأليفية والفكرية منها:غزارة إنتاجه الفكري والأدبي، وانتظام عادة الكتابة والنشر لديه دون انقطاع، رغم انشغالاته المذهبية والسياسية والنضالية والصحفية المتعاقبة والمتصلة في حياته، بالإضافة إلى موسوعية التناول والمقاربة، وشمولية النظرة، في حرص واع على التجانس في مناحي التأليف والكتابة، وفي اللغة أسلوبا واستدلالا ومتابعة حفرية واستقصائية للموضوع أو القضية المدروسة؛ هذا التجانس رغم تباين مجالات التأليف والتناظر، يهم بالأساس، النظرة المؤسسة على ثوابت متحركة المضامين والمنهجيات، ويهم الأهداف المتوخاة من التأليف، ويهم الالتزام بالبرهنة وتوافر شروط الإقناع، ويهم مصالح المغرب وشروط نهوضه وتقدمه. وتحدث عقار عن مؤلفات المرحوم علال الفاسي موضحا أنها تحقق تلك الجدلية الصعبة، بين الالتزام الوطني والمذهبي والسياسي، وبين إنتاج المعرفة والثقافة في شتى المجالات والأبعاد والتخصصات، بحيوية وانتظام، لاينضب لهما معين، ولاتعرف الكلل، دون إسهاب ولاتكرار أو اجترار. هذه الجدلية تجعل من علال الفاسي، مثالا حيا وناصعا للمثقف الوطني الموسوعي، أو المثقف الكبير ذي الألمعية، المثقف الذي تبلورت صورته مغربيا، فيما بين الثلاثينيات والستينيات من القرن العشرين، حيث كان المنتسبون إلى حقل الثقافة في غالبيتهم، هم قادة العمل الوطني، يمارسون في نفس الآن السياسة والنضال والتثقيف، ويؤلفون في مجالات معرفية متعددة متباينة أحيانا، وذات مرجعيات مختلفة؛ ويزاولون فضلا عن ذلك، العمل الصحافي، تدبيرا وكتابة ومسؤولية. إن المغرب، والإسلام، والتربية والتعليم، والمغرب العربي الكبير، وفلسطين، وإيديولوجيات العصر، والتاريخ الوطني، وقضايا الاستعمار والوحدة الترابية، وقضايا الحرية والإصلاح والديموقراطية، كل ذلك يحظى لديهم وفي كتاباتهم وانشغالاتهم بحيز متناغم هام، إن لم يكن بالأولوية. علال الفاسي نموذج هذا المسار. وأضاف أن مؤلفات علال الفاسي وبحوثه ومناظراته، تنتج المعرفة، وتؤسس الوعي المستقل بالأنا وبالآخر، الوعي المشدود إلى الإنسية المغربية والحرية والعقل والعدل في دائرة الإسلام المستنير؛ وهي أعمال تفتح آفاقا جديدة للبحث، ولمواصلة النظر والتفكير والتعبير، من لدن باحثين آخرين، وأجيال أخرى من المثقفين والمفكرين وبمقاربات مستجدة. وذكر أن علال الفاسي، واحد من بناة النهضة الثقافية والفكرية بالمغرب خلال الثلثين الأولين من القرن العشرين بحضوره الدائب، والمشع، والمتعدد الآفاق؛ ثم بعد وفاته، بآثاره الباقية، سواء أسعفه الحظ لينشرها في حياته المليئة بالحركة والمنى، أم التي تسهر على نشرها بعناية وحدب وتدقيق مؤسسة علال الفاسي. إنها آثار باقية، وستظل منارات تضيء العقل والوجدان والذاكرة، وتثري المكتبة المغربية بما يستجيب لفضول الباحثين والقراء على السواء، فضولهم المعرفي ويرى عقار أن إسهام علال الفاسي في تطور الثقافة المغربية كان قويا خلاقا؛ وكتاباته تترجم بالدرجة الأولى صوته واقتناعاته، وصوت المرحلة والمجتمع اللذين ينتمي إليهما، وصوت ثقافته الموسوعية، وصوت القيم التي آمن بها وناضل من أجلها. لذلك، سيظل في الذاكرة الثقافية المغربية علامة بارزة على حيوية الثقافة وتدفقها في القرن العشرين، لاسيما في الثلثين الأولين منه، وعلى تشابك العمل الفكري والأدبي والصحافي بالعمل الوطني السياسي، لايكاد أحدهما ينفصل أو يتعارض مع الأخر. ثقافة علال الفاسي في تنوع تجلياتها، قوامها المعرفة ومنهجها التحليل والمقارنة والمراجعة طبقا لمعايير العقل ومعطيات التاريخ والواقع؛ وازعها الوطن باستقلال وسيادة تامين، وبحدود غير منقوصة الأطراف والثغور، جنوبا وشرقا وشمالا؛ وبإنسانيته المتفتحة المتعددة المكونات؛ وطن حمله علال في قلبه ووجدانه وفكره، وسخر له عقله ونضاله. لقد عاش تنوعه الثقافي والمعرفي في انسجام، مصدره وحدة الإحساس، ووحدة معايير التفكير والنقد، ووحدة المقاصد. وبخصوص الثقافة المغربية خلال القرن العشرين، قال عقار إنها شهدت تحولات هامة، دالة وخصبة. هذه التحولات، همت أشكال إيداع هذه الثقافة وتجلياتها الفكرية والأدبية والفنية، مثلما همت مضامينها ومحتوياتها والقضايا التي كانت مادة لها؛ ملثما همت النظرة وطرائق التفكير والمقاربة والتعبير ومنهجيات التأليف. هذا التطور بقدر ما حققه من تراكم كمي متنام متنوع المجالات والأبعاد، بقدر ما أتاح تقدما نوعيا في الأفكار والإبداعات والمقاربات. ومهدت ثقافة القرن العشرين وأعدت المناخ الفكري والتاريخي والحقوقي للشروع في تحقيق المصالحة مع الذات ومع المحيط ومع التاريخ، تلك التي تم الإقرار بها رسميا في السنوات الأولى من الألفية الجديدة، بعد أن كان الوعي بها وبضرورتها متوافرا لدى النخب الوطنية منذ مدة، ولاسيما النخب المثقفة والعاملة في الميدان الثقافي والفكري والسياسي والحقوقي والأكاديمي. ثقافة القرن العشرين بالمغرب، رغم الشكوك ورغم تنوع المفارقات التي تخترقها، تمثل إسهاما عميقا متواصلا في ترسيخ الإبداعية في الفكر وفي الفن، باعتبارها قيمة في ذاتها، وفي تعميق وتجذير سؤال المعرفة، وسؤال النقد المزدوج للأنا واللآخر، وفي تعزيز التوازن في المرجعيات، بين التراث بوصفه ملكا جماعيا وذاكرة جماعية للمغاربة، وبين الانشداد المعقول ولو بتفاوت وتباين الى قيم التحديث والعقلنة والديموقراطية. ووقف عند ملامح التطور في ثقافة القرن العشرين وقال عقار إنها بلورت صوراً وأنماطاً عديدة للمثقفين أو المنتجين للخبرات الرمزية. واستحضرمن هذه الصور، المثقف الوطني الموسوعي الذي يتشابك لديه العمل الفكري والأدبي بالعمل الوطني والسياسي، ولا يكاد أحدهما ينفصل عن الآخر. إنه «مشارك» بالمعنى التراثي للكلمة له مساهمات وتأليف وحضور في حقول الثقافة المتباينة، وله شعور حاد بأن له رسالة يضطلع بها وانخراطاً إيجابياً في الدينامية المجتمعية ككل، وكتاباته ومواقفه وسلوكاته تترجم بالدرجة الأولي قناعاته وصوته وصوت الجماعة التي ينتمي إليها أو يتحدث باسمها؛ من هنا يأتي الطابع الشمولي والمجتمعي لإنتاجه ولمشروعه. من أمثال الرواد المؤسسين عبد الله كنون، أبو بكر القادري عبد الكريم غلاب، محمد عزيز الحبابي، عبد العزيز بن عبد الله، عبد الهادي التازي، المختار السوسي، إبراهيم حركات، عبد الله ابراهيم، محمد المنوني... ومن هذه الصور ذكر المثقف الأكاديمي الذي يشتغل في حقول فكرية وثقافية وتخصّصية متجاورة، وتتبادل التأثير وفعالية الإضاءة والتفسير للموضوع، أو الظاهرة، أو الشخصية المدروسة؛ هذا المثقف له مشروع فكري يقترن به ويكون علامة عليه، هذا الصنف مثل سابقة يؤمن بأن له رسالة يؤديها عبر التثقيف وبناء الوعي وتجديده،ن وتمثيل الآخرين ممن لا صوت لهم؛ إنتاجهم، رغم موسوعيته، يتسم بالنّسقية وبالتخصص، عبد الله العروي «التاريخانية»، محمد عابد الجابري »نقد العقل العربي«، عبد الكبير الخطيبي »فكر الاختلاف والمساواة الثقافية«، فاطمة المرنيسي »إعادة بناء فضاء الخطاب والكتابة النسائيين« محمد شفيق »الثقافة الأمازيغية«، حاييم الزعفراني »اليهودية التاريخية والثقافية المغربية...«. وللمرأة المغربية حضور لافت في هذا الدور الثقافي، رغم قلة عدد النساء المنشغلات بميدان الثقافة والفكر، وإذا تجاوزنا الأديبات والفنانات، نستحضر تمثيلا فقط جهود وآثار السيدات الباحثات، مالكة الفاسي، زهور الأزرق، فاطمة المرنيسي، فاطمة الجامعي الحبابي، سمية النعمان جسوس، حليمة فرحات، غيثة الخياط، رقية المصدق، أمينة المسعودي... وأكد أن هناك جهود فردية نهض بها مثقفون وباحثون مختصون من ذوي المشاريع الفكرية المتماسكة، فاتجهوا ضمن اهتمامهم نحو كتابة تاريخ المغرب والمغارب بأفق شمولي تركيبي مجمل وبمنهجية نقدية فكرية وعلمية للمصادر والمراجع والوثائق، بل وللأحكام والتصورات. إنها جهود تندرج في نطاق إعادة كتابة تاريخ المغرب. واستحضر عقار منها، تاريخ المغرب العربي الكبير لعبد الله العروي؛ صمود وسط الإعصار، محاولة لتفسير تاريخ المغرب الكبير لعبد الله إبراهيم؛لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرناً من تاريخ الأمازيغيين، محمد شفيق؛ ألفا سنة من حياة اليهود بالمغرب، تاريخ، ثقافة، دين، حاييم الزعفراني، ترجمة أحمد شحلان وعبد الغني أبو العزم؛ قراءة جديدة في تاريخ المغرب العربي، عبد الكريم غلاب؛ وثلاثة أجزاء، صدر الجزء الأول منها سنة 1996. إسماعيل الحسني أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية بمراكش: ما يجمع الوطنيين المغاربة بسلفية المشارقة هو مقصد التحرر حدد إسماعيل الحسني أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية في بداية العرض الذي قدمه في ندوة مؤسسة علال الفاسي مفهوم السلفية الإصلاحية ، موضحا أنها النسبة إلى السلف وتأخذ شرعيتها وتستمد إجرائيتها عند علماء الإسلام، لا من مجرد الدلالة الزمنية والشحنات العاطفية، وإنما تكون الشرعية وتبنى النجاعة بمدى التزام المتسلف بمنهجية تجعل المصالح المقصودة في الإسلام هي ما يحدد قبلته ويرسم وجهته وفي طليعة تلكم المقاصد مقصد الحرية فلا يخفى أن المقصد من ترسيخ عقيدة التوحيد في الإسلام هو تحرير الإنسان من كل القيود التي تكبل فكره وتأسر عواطفه وتعوقه عن التمتع بثمرات كسبه المادية والمعنوية. وأضاف الحسني في مداخلته التي كانت حول « السلفية الإصلاحية والحركة الوطنية» أن الاقتصار على عبادة الله وحده وإفراده بالعبودية دون سواه تحرير له من أفكار وأشخاص وأشياء كثيرة وضعها البشر ليستعبد بعضهم بعضا إما فكريا أو ماديا أو عاطفيا وهو ما يمثل عماد أي نظر وأي عمل وأي تحرك أدرك ذلك قديما الصحابة الأوائل رضوان الله عليهم فبعد أن وجه رستم إلى الصحابي الجليل ربعي بن عامر سؤاله قائلا ماجاء بكم؟ قال «الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام» ومهما يمكن أن يقال في شأن استعمالات «ص ل ح» في اللغة العربية فإن الإصلاح، كما نبهنا الإمام بن عاشور رحمه الله «علم يراعى فيه إصلاح حال الناس واعتقادهم إصلاحا مستمرا لا يتغير» وليس المهم في علم الإصلاح المنسوب إلى السلفية مجرد محتوياته ومعلومات موضوعاته، وإنما المهم والأساسي فيها بناؤه المنهجي وانطلاقا من هذا البناء ندرك البعد المنهجي لمفهوم السلفية لأن معيار الإصلاح المنسوب إلى السلفية لا يتجسد في انتمائها إلى هذه المرحلة أو تلك من المراحل الزمنية المباركة أو غير المباركة التي مرت منها الأمة الإسلامية. وذكر الحسني أن معيار الإصلاح في مفهوم السلفية متجسد في نوع ودرجة الالتزام بمنهجية متحررة في الفهم وفي التنزيل منهجية متحررة أولا في الفهم الدقيق للدين الإسلامي ولواقع المسلمين، ومنهجية متحررة ثانيا في التنزيل السديد لمقتضيات الفهم ومنطلقاته المختلفة على نازلات الواقع ومستجداته وهنا تبرز قوة وحقيقة قوة الربط بين السلفية والإصلاحية، إذ تبدو في مدى استناد السلفيين إلى قواعد منهجية تراعي المصالح المقصودة في الشرع، سواء في فهمهم للشريعة، أو في فهمهم لواقعهم، أو في تنزيلهم لما فهموه من الشريعة ومن الواقع النازلات المستحدثة ولعل أقوى هذه المقاصد هو مقصد الحرية الذي يجعلهم متحررين من الإرث السلبي للماضي ومن كل القيود السلبية ومن أنواع الانتكاسات التي وضعتها الأجيال والعصور الماضية. وقال أيضا إن السلفي الحق ينظر إلى الإنسان الذي جعله الله تعالى خليفة له في الأرض من زاوية أنه إنسان متحرر ومسؤول عن حريته وتحرره هذا أثر من آثار عقيدة التوحيد في الإسلام، فالمبدأ العام فيها أن الاقتصاد على عبادة الله وحده يحرر الإنسان من أشياء كثيرة وقيود متعددة استعبد من خلالها الإنسان أخاه الإنسان وحدد الحسني المقصود من تعبير الحركة الوطنية وقال مع أستاذه سعيد بنسعيد العلوي «يطلق تعبير الحركة الوطنية في المغرب على حركة التحرير الوطني التي خاضها الشعب المغربي في القرن العشرين من أجل استرجاع سيادته والحصول على استقلاله» وذكر في هذا السياق أن الحركة الوطنية أفادت من المقاصد الإصلاحية التي استهدفها أقطاب الدعوة السلفية سواء كانت من جنس سلفية محمد بن عبد الوهاب أو من جنس سلفية الأفغاني ومحمد عبده أو من جنس سلفية كثير من الأفذاذ والشيوخ المغاربة من أمثال أحمد بن خالد الناصري، والسوسي السملالي، ومحمد بن عبد الكبير الكتاني، ومحمد بلعربي العلوي، وأبي شعيب الدكالي ومحمد بن جعفر الكتاني، وعبد الحي الكتاني، وأحمد بن الخياط، وأحمد البلغيتي، ومحمد السائح، وغيرهم من الأقطاب، والرموز الفكرية والسياسية في مغرب العقود الأولى من القرن العشرين، وأضاف إنه إذا سلمنا مع الأستاذ سعيد بنسعيد بهذا القرار المنهجي تبين لنا ضرورة الإقرار بالأثر المشرقي في الفكر المغربي وهكذا فإننا نقع، بدون هذا الإقرار، في شرك الكتابات الاستعمارية التي قضت على المغرب الأقصى بانعزاله عن الغير ومن ثم لا يستغرب الدكتةر الحسني بعد هذا أن يعترف المشارقة بالنبوغ المغربي الحديث وعلى الرغم من هذا التعاطف لايصل ترحيب السلطان المولى سليمان بالمرامي الإصلاحية للدعوة الوهابية درجة الإذعان التام لكل مقالاتها وهكذا لم يقبل منها تكفير من يتوسل، ولا استحلال دمه. وأكد أن هذا لم يثن السلطان المغربي مخالفته للوهابين في أمثال هذه المسائل من القبض على الدلالات والمقاصد الإصلاحية لعقيدة التوحيد التي حاولت الدعوة الوهابية التركيز عليها دلالات ومقاصد تتمحور حول إصلاح العقول وتحرير الذهنيات من الأوهام ومن الخرافات المناقضة لمقتضيات العقل المستنير وهذا واضح مثلا في محاربته لما سماه «أوصاف الرذائل والنقص» التي يحدثها الناس في المواسم وهو أوضح في ما كتبه علال الفاسي في الأربعينيات عندما اعترف قاتل «من الحق أن نعترف بأن للحركة السلفية التي علمت فجر نهضتنا فضلا عظيما في إزاحة كثير من هذه الحجب، وفي توجيه العقول إلى النظر والبحث، وفي الثورة على عديد من الخرافات ورجالها وذكر الأستاذ الحسني أن ما يجمع الوطنيين المغاربة بسلفية المشارقة هو مقصد التحرر المقصود من عقيدة التوحيد في الإسلام، فهذه العقيدة تستهدف في المقام الأول مصلحة تحرير الإنسان من كل القيود التي تكبل فكره وتأسر عواطفه وتعوقه عن التمتع بثمرات كسبه المادية والمعنوية : وانطلاقا من هذا المقصد المصلحي يمكن أم نتفهم تعريف علال الفاسي للسلفية بصفة عامة بأنها «حركة تتناول نواحي المجهود الفردي لإصلاح المجتمع، وتتطلب فتح الذهن البشري لقبول ما يلقى إليه من جديد، وقياسه بمقياس المصلحة العامة لإرجاع المجد العظيم الذي كان للسلف الصالح» وقال الحسني إن الأستاذ علال الفاسي عاش حينا من الدهر وسط هذا المناخ الفكري والجو السياسي فالسلفي والفقيه والمجتهد وكما قال علال الفاسي نفسه «لايمكن له أن يتحرر من الجو الذي هو فيه، والظروف التي يعيشها» وأكد أن اختيارات كل من السلفيين المغاربة ورجالات الحركة الوطنية في مواجهة الضغوط الأجنبية العامة، وفي مواجهة سياسة الحماية الفرنسية وممارستها الفاسدة خاصة إبان تقديم بيان 11 يناير 1944 م لم تكن دائما متناغمة ومتسقة لقد سادها التآلف وتارة ثانية ميزها التصارع فمن حيث التحرر السياسي لئن تآلفت مع سلفية الشيخ محمد بلعربي العلوي، فإنها تصارعت مع سلفية الفقيه والوزير التاجر محمد بلحسن الحجوي الذي ظل متشبثا باختياره الاستعماري، وعلى الرغم من هذا التصارع السياسي والنضالي فإنها متآلفة مع مقصد التحرر الفكري للسلفية الإصلاحية عامة وذكرأن هناك فكرة نجدها عند علال الفاسي وكانت من الأعمدة التي بنى عليها كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها «ليس هناك في الإسلام أصل ديني فوق العقل، أي يستحيف في العقل تصوره، على عكس ما في المسيحية اليوم، كما أنه ليس هناك عقل فوق الدين، كما يزعمه بعض المعتزلة وإنما هناك دين مطابق للعقل وعقل مساعد الدين وليس هناك دين معارض للعلم، وإنما هنالك علم مساعد لاكتشاف حقائق الكون ودلالتها على خالقها» وما ميز علال الفاسي عن صاحب الله السامي الحجوي هنا أنه طور الفكرة نفسها ليربطها بنظريته النقدية في «التجديد المطلق» الذي يحتاجه البناء المغربي، تنظيميا أو فكريا فهذا التجديد يتطلب العمل بمقتضيات العقل بدون تحفظ لأننا لسنا مكلفين لا بإنكار ما وصل إليه العلم في العصر الحاضر، ولا بالتفريط أيضا بالإيمان بصدق ما جاء في الدين الإسلامي» ومن ذلك فكرة النظام المتغير في الشريعة الإسلامية التي بنى عليها السلفي المغربي تصوره الإصلاحي للمجتمع فهي الفكرة نفسها التي عبر عنها علال الفاسي، وسماها ب»مبدأ التطور المطلق» الذي أسس عليه كل هذا البناء الفكري القوي لكتابه المشهور، والرائد في الفكر الإسلامي المعاصر في المغرب، ويعني الحسني كتابه النقد الذاتي.