سأتناول في هذا الجزء الخامس من هذه القضية ثالث الأنظار التي يُستعانُ بها على فَهْمِ كلام الذهبي عن قلة الحديث بمدائن المغرب، فلِذلكَ الكلام سبَبٌ مضى بيانه، ومتعلق سبق شرحه، وظرف زمان وهو الذي خصصت له هذا المقال. إنَّ العلم شبيه بالعمران من حيث ما يَعْتَوِرُه من قوة وانتشار، أو ضعف وانحسار؛ فإن العمران يعلو له شأن، و ترتفع له رايات في أمصار حتى يجر أهلها وَارٍفَ أثواب الحضارة، ثم تذبل نضارته ويَجْزُر بعد مَدّ. ويرتد القهقرى، بل إن الخراب قد خيم ببعض البلدان التي كانت من أعمر الأمصار، حتى يظن الآخر كأن لم يكن بها رائح ولا غَاد، ثم كم من أرض كانت قفرًا في وقت ثم حَطت بها الحضارة في آخر. والشأن في العلوم كالشأن في الحضارة، وقد ولع الذهبي رحمه الله تعالى برصد هذه الظاهرة، وكثيرا ما يربط قوة أمر العلوم أو ضعفها بزمام الزمان، وهذا مشعر بأن للزمان الدَخل العظيم في الحكم على شأن علم من العلوم ببلد من البلدان قوة وضعفا. ولما كانت نصوص الذهبي في الباب لا يتسع لها حيز هذا المقال؛ فإنني سأتركها وهي شواهد هذه القضية إلى الجزء السادس إن شاء الله تعالى.