المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    هولندا.. تحقيقات حكومية تثير استياء المسلمين بسبب جمع بيانات سرية    شبكات إجرامية تستغل قاصرين مغاربة في بلجيكا عبر تطبيقات مشفرة    هولندا تقرر تمديد مراقبة حدودها مع بلجيكا وألمانيا للتصدي للهجرة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    مكناس.. تتويج أفضل منتجي زيت الزيتون بالمباراة الوطنية الخامسة عشر    بنهاشم يقود أول حصة تدريبية للوداد    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة بالعيد الوطني لبلادها    كرانس مونتانا: كونفدرالية دول الساحل تشيد بالدعم الثابت للمغرب تحت قيادة الملك محمد السادس    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    اعتذار على ورق الزبدة .. أبيدار تمد يدها لبنكيران وسط عاصفة أزمة مالية    بنكيران: لا أرشح نفسي لقيادة "العدالة والتنمية" .. والقرار بيد المؤتمرين    انطلاق المؤتمر الوطني التاسع ل"البيجيدي" وسط شعارات تطالب بإسقاط التطبيع    مناظرة تحدد ملامح جمهور المستقبل    المعرض الدولي للنشر والكتاب يستعرض تجربة محمد بنطلحة الشعرية    لقاء يتأمل أشعار الراحل السكتاوي .. التشبث بالأمل يزين الالتزام الجمالي    الشافعي: الافتتان بالأسماء الكبرى إشكالٌ بحثيّ.. والعربية مفتاح التجديد    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    فليك: الريال قادر على إيذائنا.. وثنائي برشلونة مطالب بالتأقلم    مصدر أمني ينفي اعتقال شرطيين بمراكش على خلفية تسريب فيديو تدخل أمني    كيوسك السبت | القطب المالي للدار البيضاء الأول إفريقيا وال 50 عالميا    سيرخيو فرانسيسكو مدربا جديدا لريال سوسييداد    مؤتمر البيجيدي: مراجعات بطعم الانتكاسة    شوكي: "التجمع" ينصت إلى المواطنين وأساسه الوفاء ببرنامجه الانتخابي    المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يبدأ تحضيراته الأخيرة لكأس إفريقيا بمصر    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    فعاليات ترصد انتشار "البوفا" والمخدرات المذابة في مدن سوس (فيديو)    الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    من فرانكفورت إلى عكاشة .. نهاية مفاجئة لمحمد بودريقة    جريمة مكتملة الأركان قرب واد مرتيل أبطالها منتخبون    قطار التعاون ينطلق بسرعة فائقة بين الرباط وباريس: ماكرون يحتفي بثمرة الشراكة مع المغرب    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    مذكرة السبت والأحد 26/27 أبريل    مهرجان "كوميديا بلانكا" يعود في نسخته الثانية بالدار البيضاء    على حمار أعْرَج يزُفّون ثقافتنا في هودج !    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وفي ذلك فليتنافس المتنافسون

فسر العديد من الباحثين الذين تتبعوا ما جرى مؤخرا من إقرار حظر المآذن في عمق الديار الأوروبية على أن هذا السلوك يعتبر وجها قاتما من وجوه الحملات العدائية أو الكراهية التي عرفها العالم الإسلامي بظهوره «فكرة الصراع الحضاري» أو«التحدي الحضاري»، أو ما يحلو للبعض أن يسميه "بصراع البقاء للأقوى".
ومن المفكرين المعاصرين من جعل من هذا "الصراع الحضاري" يتخذ شكلين مختلفين: صراع سلبي وآخر إيجابي. أما السلبي فهو عبارة عن تلك الصراعات العسكرية العدوانية، وهي في جملتها مراحل قلق حضاري قد تزيد من الاختلالات الحضارية الإنسانية.
وأما الصراع الإيجابي فهو الصراع السلمي التوافقي، يتنوع بين الفينة والأخرى، وما حظر المآذن إلا نموذجا من نماذجه المتعددة..
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يمكن أن يكون الصراع سلبيا وإيجابيا؟ وهل يكون سلميا وتوافقيا؟ وما علاقة الصراع بالتدافع الحضاري؟
مهما تكن دلالات مصطلح «الصراع» وحمولاته المعرفية، فلن يكون إيجابيا، أو سلبيا، أو توافقيا، أو تدافعيا، بل إنه يجمع كل النقائص التي تقترن بمعناه الذي إن كان يدل على شيء، فإنما يدل على تضخيم صوت الأنا، وحب البقاء بشتى السبل والأشكال، ولو كان على حساب الآخرين، كرها وبغضا وإقصاء..!
وهذا هو حال من أحوال الحضارة الغربية المعاصرة. ونستشهد هنا بشاهد من أهلها، وهو أحد فلاسفتها وأهل النظر والفكر فيها: "صمويل هنتنجتون"SAMUEL) HUNTINGTON)، الذي كتب بحثا تحت عنوان: (الغرب: متفرد وليس عالميا)، أكد فيه أن شعوب العالم غير الغربية لا يمكن لها أن تدخل في النسيج الحضاري للغرب، حتى وإن استهلكت البضائع الغربية، وشاهدت الأفلام الأمريكية، واستمعت إلى الموسيقى الغربية. واعتبر أن روح أي حضارة هي اللغة والدين والقيم والعادات والتقاليد، وحضارة الغرب تتميز بكونها وريثة الحضارات اليونانية والمسيحية الغربية، والأصول اللاتينية للغات شعوبها، والفصل بين الدين والدولة، وسيادة القانون، والتعددية في ظل المجتمع المدني، والهياكل النيابية، والحرية الفردية.
ويتضح أن «صمويل هنتجتون» لم يكفه ما أثاره من زوبعة فكرية بعد إصدار مقالة «صدام الحضارات» سنة 1993، ليطلع علينا بمقاله (الغرب: متفرد وليس عالميا) سنة 1996، وكل هذا لإحلال العالم الإسلامي محل العالم الشيوعي الشرقي، والاستعداد له ولما يمكن أن يحدثه من مفاجئات غير سارة للغرب وأهله!
إن الحضارة الغربية ركزت على جانب واحد من مقومات الوجود الكوني للإنسان، وذلك حينما أدخلته في صراع ضد الطبيعة وضد أخيه الإنسان للسيطرة عليهما والتحكم فيهما، وبهذا اختصرت مهمته «الحضارية» في المهمة «الاستعمارية».
ويبدو أننا في غنى عن هذا «الصراع» الذي كتب حوله ولا يزال؛ إذ يتبادر إلى الذهن أننا مطالبون بالتجنيد وأخذ الحيطة والحذر على صعيد كافة المستويات المعرفية وغير المعرفية لخوض معركة ضروس قد يحمى وطيسها بين لحظة وأخرى، وغالبا ما ستؤول الغلبة فيها "للمصارع" القوي الذي يملك من القدرات والآليات ما يعجل بالفتك بخصمه وإضعافه وإنهاكه وإنزال الهزيمة النكراء به!
والدخول في «صراع» حضاري كذلك من شأنه أن يعيد بداية نفس الصورة التي كانت عليها الحضارة الغربية، إذ جاءت وليدة فلسفة صراع تاريخي واجتماعي واقتصادي، وهاهي الآن قد وصلت إلى نتائج مهولة لا ترغب فيها..! الشيء الذي يدفع إلى إعادة النظر في مصداقية هذه «الحضارة»، وهل يمكن فعلا تسميتها حضارة، وهل هي صالحة للتمثل والاقتداء..!
من المؤكد أن الغرب يحاول فرض وعيه ومنهجه علينا، وهو يدرك تمام الإدراك أن جل مكونات مجتمع العالم الإسلامي ترفض الإذعان له، سواء بوعي أو بغير وعي، سرا أو علنا، فكرا أو حسا، جماعات أو أفرادا، وبهذا يجد نفسه مضطرا لإعلان «الصراع» ضدنا، مادام يؤمن بفكرة «القوي» و«الضعيف»، ويستحيل في وعيه تواجد قوة –ولو كانت مجرد إشاعات- تناوئه وتناوشه!
وصحيح جدا أننا لا نزال في مرحلة « نُرَى» و«لا نَرَى» كما يقال، ولكن هذا لن يحسسنا أبدا بالدونية وقلة الشأن، مادام الاعتقاد راسخا في أننا كنا يوما أصحاب حضارة إنسانية أعلنت جماليتها وإنسانيتها من أعلى مآذنها ليصل صداها إلى أبعد نقطة في الكون.
واستظل بظل هذا الحضارة الرفيعة لقرون عدة أهلها وغير أهلها، دون تحيز أو تميز. ولازالت آليات هذه الحضارة محفوظة تنتظر من أهلها التجاوز التلقائي للرؤية الضيقة المبنية على النسبية الطبيعية، أو الحتمية العلمية، أو الحركية المادية، أو العبثية –كما هو حال الحضارة الغربية بكل أشكالها إلى تلك الرؤية الواسعة التي تجمع بين المطلق والنسبي، فتؤسس أرضية قاعدتها التوازن الدقيق بين مختلف جوانب الحياة، تؤمّن للإنسان إنسانيته، وتحفظ له كرامته، وترشحه ليكوّن حضارة سامية يمارس فيها دوره المنوط به في الخلافة والإعمار.
إن العالم الإسلامي اليوم مطالب - في إطار استشراف المستقبل الحضاري، التفكير في منهجية فعالة تكون أرضية صلبة «للتنافس الحضاري»، وليس «للصراع الحضاري»، واضعا نصب عينيه أنه لا يسعى لتضخيم صوت الأنا الحضاري في نفسه، ولكنه يسعى لإشراك «الآخر» للخروج من حالة التيه والضياع والتلف الذي أصاب إنسان هذا العصر إلى بر الأمان والاستقرار والطمأنينة والسكينة، وأن الكون سيمنح ثقته الكاملة -في الأخير- «للمنافس» الذي يتمتع بذوق حضاري رفيع وحس إنساني متميز يتناغم ورفعة المآذن وسموها وشموخها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.