[قول الصحابي] 4. الترجيح بقول الصحابي يعتمد الإمام مالك في الترجيح بين النصوص على قول الصحابي، وقد نص على ذلك الإمام مالك نفسه وبين وجه ذلك، إذ يقول: "إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان، وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا الآخر، كان في ذلك دلالة على أن الحق فيما عملا به"[1]. وقد يقول البعض أن عمل أبي بكر وعمر يعتبران حجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "…فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ"[2]. فإذن الإمام مالك يأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم ضمنا وليس بقول الصحابي. والجواب أن الإمام مالك يعتمد على أقوال بعض الصحابة الذين لهم مكانة خاصة ومزيد خصوصية، مثل ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم، وكثرة الرواية عنه، ومنزلته الكبيرة من لدن الصحابة الكرام، مثل ابن عمر، حيث برر الإمام مالك ترجيح قول ابن عمر وروايته عن غيره بقوله: "كان ابن عمر من الإسلام مكانه، وقد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر الراوية عنه، وكان معه في صحبته، يدون أفعاله ليفعلها، ويستقريها حتى إن كان ليخرج إلى الحج والعمرة، فيتحرى في بعض المواضع التي عرف مواطئ أخفاف راحلة النبي صلى الله عليه وسلم وعاش بعده ثلاثا وستين سنة، ويرى ما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"[3]. ومثال ذلك التعارض في أحاديث الحج، حيث رجح مالك قول الصحابي جابر بن عبد الله، لأنه الأعلم بأمور الحج[4]. يتبع في العدد المقبل.. ———————————- 1. التمهيد، 3/253- 8/207. 2. أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب العلم، رقم: 329. 3. ترتيب المدارك، 1/225. 4. ينظر، التمهيد، 15/207.