يمكن القول إن نظام التمويل الإسلامي بهذه الضوابط يستطيع أن يضع نفسه كمنافس للنظم التمويلية التقليدية وفى إطار الاقتصاديات الحديثة، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال الأزمة المالية المعاصرة والتي قدمت فرصةً كبيرةً لمعرفة ما إذا كان نظام التمويل الإسلامي يمكن أن يكون قابلا للتطور أم لا، وهل يمكن أن يكون بديلاً مالياً عالمياً أفضل في المستقبل من النظام القائم على سعر الفائدة، والتحليلات التي وضعت لتفسير الأزمة المالية التي عصفت بالعالم اليوم تعددت في جوانبها، وبعضها اتجه إلى إجراء مقارنات في تأثير الأزمة حسب نوعية النظام التمويلي المتمثل بالنظام المصرفي التقليدي. ويرى كثير من الباحثين[1] أن عدم اعتماد النظام التمويلي الإسلامي على الإقراض بسعر الفائدة جعله أكثر استقراراً، وأقل عرضة لتأثيرات الأزمة[2]، هذا من جانب الوقائع العملية، أما من جانب التحليلات النظرية فإن الأمر لا يختلف، فقد اتجهت التحليلات الخاصة بالنظام المالي العالمي الحالي إلى التأكيد على أن النمو الكبير في مستوى الاقراض من النظام المالي العالمي لم يقابله أساس في الإنتاج بالقدر الكافي؛ بمعنى اختلال العلاقة بين حجم الإقراض وحجم الإنتاج المتولد منه، حيث إنّ الأول أكبر من الثاني بنحو أربعين مرة[3]، كما أن هنالك اتفاقاً عاماً بضرورة وجود توازن بين حجم التمويل عن طريق الإقراض وحجم الإنتاج. وفي المقابل فالنظام التمويلي الإسلامي له المقدرة على مواجهة هذا التحدي الذي يؤثر على الاستقرار المالي العالمي، نظراً لأن أساس هذا النظام يقدم ربطاً محكماً بين التدفقات المالية والإنتاجية، وأنه يعتمد على تقاسم المخاطر والعائدات غير الثابتة من خلال إحلال التمويل بالمشاركة محل التمويل بالإقراض، والذي يجلب معه عنصر الحافز في بذل مزيد من العناية والاهتمام في تقييم المخاطر والرقابة على استخدام الأموال من قبل المقترضين، وهذا التقييم المزدوج من الممول والمنظم يؤدي إلى انضباط في النظام ويساعد على توسيع قاعدة الملكية وتحقيق العدالة في توزيع الدخل والثروة، وينعكس بدوره على ضبط الإقراض وزيادة الإنتاج بشكل عام، مشكلاً فرصةً كبيرةً للاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية[4]. فقد وضع الإسلام من الأصول والقواعد العامة والاقتصادية، ما يكفل تحريك هذا النظام في كل عصر بما يناسب طبيعته ويحقق مصلحته، فإن اقتضى الأمر إظهار الاتجاه الجماعي فيه، في عصر ما للقضاء على جشع الفردية الطاغية، فللدولة الإسلامية أن تفعل ذلك باتخاذ ما ترى مناسبًا من الخطوات، وإن رأت في عصر آخر أن الوقت مناسب لتوسيع دائرة حركة الجهود الفردية أطلق العنان لذلك حسب المصلحة، وفي داخل دائرة المصلحة العامة التي تبقى دائمًا الركيزة الأساس، وبذلك يطلق الإسلام حرية الحركة، ولا يحصر المسلمين عبر العصور في داخل أنظمة جامدة، يزعم أصحابها أنها مفصلة على العصور جميعًا، وأنها قدر الإنسان في كل وقت. يتبع في العدد المقبل ————————– 1. بلوافي، أحمد مهدي: "البنوك الإسلامية والاستقرار المالي: تحليل تجريبي، مناقشة نتائج ورقة عمل صادرة عن صندوق النقد الدولي"، الأزمة المالية العالمية أسباب وحلول من منظور إسلامي. منشورات مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جدة، مركز النشر العلمي، الطبعة الأولى 2009، ص: 111. 2. باسردة ياسر محمد قاسم، الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها على البنوك الإسلامية. الجزائر، معهد العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، 2009، ص: 7. 3. النوري محمد، الأزمة المالية أسقطت نظرية ألوهية السوق، مركز الراصد المالي الإسلامي، مرجع سابق، ص: 216. 4. شابرا محمد عمر، "النظام النقدي والمصرفي في اقتصاد إسلامي". مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، المجلد 1، العدد 2- 1984، ص: 11.