بعد مصادقة البرلمان المغربي على قانون البنوك الإسلامية تحت مسمى البنوك التشاركية ونشره في الجريدة الرسمية واعتباره ساري المفعول، برزت مجموعة من الأقلام والآراء التي أبخست هذا الانجاز العظيم والتاريخي وقللت من أهميته ومن دوره في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية منها، ولبَّست على المواطنين شرعية المعاملات الإسلامية بدعوى أنها لاتختلف عن معاملات البنوك العادية إلا في التسمية، وفي هذا الإطار، ولتوضيح ورفع هذا الحيف الإعلامي، سنحاول في هذا المقال تعريف الاقتصاد الإسلامي والمراحل التي مر بها كذا الخصائص والمقومات التي يمتاز بها والتي تكاد تغيب كليا في الاقتصاد التقليدي، على أن نبسط في مقال قادم إن شاء الله ماهية ومقومات وأساليب التمويل الإسلامي. جوهر الاقتصاد الإسلامي يقوم الاقتصاد الإسلامي على نموذج يمثل العدالة الاجتماعية والاقتصادية ويختلف عن نموذج الاقتصاد التقليدي من حيث أنه وسط بين الرأسمالية التي تعتبر الفرد هو المالك الوحيد لما يكتسب ولاحق لغيره في مشاركته، ومن حقه أن يحتكر من وسائل الإنتاج كل ما تصل إليه يده،يدفعه في ذلك حب الذات والتملك، والاشتراكية التي تعتبر أن كل وسائل الإنتاج كلها مشتركة بين أفراد المجتمع، ولا حق للأفراد بصفتهم الفردية أن يمتلكوها بحيث لا وجود للملكية الخاصة. يهدف الاقتصاد الإسلامي إلى تحقيق الرفاه المادي والأخوة الإنسانية والتوازن والعدالة الاجتماعية وحرمة الحياة والخصوصية والتنمية الاقتصادية المتوازنة والشاملة،معتمدا في ذلك على الأسس والقواعد والأصول الاقتصادية التي جاءت بها النصوص الثابتة في القرءان والسنة. مسار الاقتصاد الإسلامي كان لتأسيس البنك الإسلامي للتنمية الدور الكبير والفعال في تحسيس وإقناع العالم بأهمية الاقتصاد الإسلامي وخاصة في مجال التمويل الإسلامي (وإن كان الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي سابقا لإنشائه)، بالإضافة إلى مجهوداته في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية وفقا لمبادئ ومقاصد الشريعة الإسلامية. مر الاقتصاد الإسلامي بأربعة مراحل: الأولى مرحلة إعدادوبلورة التصورات الأولية والأفكار الإبداعية؛ والثانية مرحلة التأسيس التي وضعت هذه الأفكار في قوالب علمية رصينة؛ والثالثة مرحلة البدء بالتنفيذ وإنشاء المصارف الإسلامية؛ والرابعة هي التي نعيشها الآن وهي مرحلة الإشعاع والتعميم والتطبيق العملي والتي تتوسع يوما بعد يوم لتشمل جميع مكونات الاقتصاد الإسلامي الاقتصادية والاجتماعية وليس فقط المصارف والمؤسسات المالية. مفهوم الاقتصاد الإسلامي قبل المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي كان هذا الأخير عبارة عن مجهودات فردية متشتتة، ولكن أصبح له إطار معترف به على المستوى الدولي كنظام ومنهج لتصحيح مسار الاقتصاد العالمي. عرف الاقتصاد الإسلامي بطرق مختلفة باختلاف المقاربات والمناهج، فالدكتور محمد عمر شابرا في كتابه "ما هو الاقتصاد الإسلامي" يعرفه بذلك "الفرع من المعرفة الذي يساعد على تحقيق رفاهة الإنسان من خلال تخصيص الموارد النادرة وتوزيعها بما ينسجم مع التعاليم الإسلامية، ودون أن يؤدي ذاك إلى تكبيل حرية الفرد أو التسبب في اختلالات مستمرة سواء في الاقتصاد الكلي أو البيئة"؛ بينما يعرفه الدكتور منذر قحف في كتابه "الاقتصاد الإسلامي" حيث يذكر انه "يضم الجانب الفلسفي وهو المذهب وجانب المبادئ والقواعد العامة التي تحدد الشكل العام والإطار الخارجي للفعالية الاقتصادية وهو النظام، وجانب التحليل الاقتصادي الذي يكشف عن كيفية تشكل الاستهلاك والادخار والاستثمار". وهنا ينبغي التأكيد على أنه من الأفيد للاقتصاد الإسلامي أن يستفيد ويستخدم أساليب الاختبار وأدوات التحليل والبحث التي طورها الاقتصاد التقليدي والعلوم الاجتماعية الأخرى وأصبحت من الواقع العلمي المعاش بطبيعة الحال دون أن تتعارض مع البنية والمنهج والتصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان. خصائص الاقتصاد الإسلامي الاقتصاد الإسلامي ليس علما اقتصاديا فحسب، بل هو مذهب وتشريع ونظام يحتوي على خصائص وأحكام تشريعية موافقة لطبيعة ولمصالح البشر، وقد تطرق إليها الدكتور سامي بن ابراهيم السويلموهو من أعلام الاقتصاد الإسلامي ومدير مركز تطوير المنتجات المالية في مجموعة البنك الإسلامي للتنمية في كتابه "أصول التمويل الإسلامي"، يمكننا تلخيصها فيما يلي: نظام أخلاقي، يقوم على الحوافز الذاتية للفرد أولا قبل تدخل الدولة، وهي لا تقتصر على حب التملك الأثرة بل تمتد لتشمل حب العطاء والإيثار وروح الجماعة، عكس ما يطغى على الاقتصاد التقليدي من انتشار للجشع الذي كان من عوامل تضخم الفقاعة الائتمانية في مطلع القرن الحادي والعشرين والتي أدت إلى حدوث الأزمة المالية العالمية. عالمية الاقتصاد الإسلامي، فهو لا يختص بالمسلمين فقط بل يشمل البشر ككل، ولهذا أنكر القرءان الكريم على المشركين اهمال المسكين وترك التحاض والتعاون ونهيهم عن الربا. الرقابة الداخلية، فهو قائم على الرقابة الداخلية قبل الرقابة الخارجية وعلى الدوافع الأخلاقية قبل العقود القانونية، فالتمويل الإسلامي ليس مجموعة من التعهدات والالتزامات القانونية الفارغة من الأهداف، بل هي عبارة عن سياج لحماية القيم والاهداف الأخلاقية. التوازن بين النشاط الربحي وغير الربحي، هذا التوازن ليس عاطفيا فحسب، بل هو مبني على أسس عقلانية واقتصادية، تتجسد في نظام تشريعي محكم من خلال الأوامر الربانية بالتصدق وإطعام المسكين والزكاة. الأخوة، يعتبر الاقتصاد الإسلامي الأخوة أساس العلاقات الإنسانية، وذلك لتواجد قواسم مشتركة بين الإخوة دون نفي التميز والاختلاف والاستقلالية الحاصلة بينهم، وبهذه القواسم تبرز العاطفة التي هي أساس التعاون والتآزر والتكافل والمساواة، وهذا هو مبدأ النشاط غير الربحي. كل هذه الخصائص سالفة الذكر،والقدرة على الاستفادة من العلوم الأخرى تضع مدرسة الاقتصاد الإسلامي في مكانة متميزة عن سائر المدارس الاقتصادية الأخرى، على اعتبار أنهاتنبني على الأسس والقواعد الشرعية الثابتة في القرءان والسنة المطهرة، والتي تخول لها الجمعبين المفاهيم الإسلامية والأدوات العلمية المعاصرة بمنهج لا تستطيع اعتماده النظريات الأخرى. *باحث في هندسة المالية الإسلامية