إن كتاب الله عند ما يأخذ في عرض آياته الكونية لا يعرضها منعزلة مقتضبة، بل يعرضها مصحوبة بتنبيه سابق، أو تعقيب لاحق ويقدمها للنوع الإنساني محفوفة بأسلوب فريد لا يكاد يفارقها بحال. فهي في نظامه الخاص إما أن تأتي مسبوقة بصيغة الأمر بالنظر "انظروا" أو بما يفيد مجرد الحض على النظر "اَفلا ينظرون" [الغاشية، 17] وقوله عز وجل: "اَو لم ينظروا" [الاَعراف، 185]. وإما أن تأتي متبوعة بالنتائج التي تترتب على النظر، من تفكر وتذكر وتدبر واعتبار "فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحي الاَرض بعد موتها" [الروم، 49]. وإما أن تأتي مسبوقة بالوسيلة التي هي النظر ومتبوعة بالغاية المتوخاة من النظر في آن واحد، ولا شك أن هذه الأساليب كلها تلتقي حول نقطة واحدة هي الإغراء بمحاولة الكشف عن خصائص الطبيعة والتعرف على أثارها ومنافعها واستخلاص العبرة منها. مثال الأمر بالنظر قوله تعالى: "قل انظروا ما ذا في السموات والاَرض" [يونس، 101] ومثال الحض على النظر قوله تعالى: "أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والاَرض وما خلق الله من شيء" [الاَعراف، 185]. وقوله تعالى: "أفلم يروا اِلى على ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والاَرض" [سبأ، 9]. ومثال التنبيه إلى نتائج النظر قوله تعالى "وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب" [ق، 7-8]. وقوله تعالى: "فاعتبروا يا أولي الاَبصار" [الحشر، 2]، وقوله تعالى في آيات متوالية: "اِن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" [الروم، 20]، "اِن في ذلك ءَلاَية لقوم يذكرون" [النحل، 13]. ومثال الجمع بين الوسيلة والغاية النظر أولا والاعتبار أخيرا قوله تعالى: "انظر كيف نصرف الاَيات لعلهم يفقهون" [الاَنعام، 66]، وقوله تعالى: "ويتفكرون في خلق السموات والاَرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك" [ال عمران، 191]، وقوله تعالى: "أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والاَرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي اَفلا يومنون" [الانبياء، 30]. وقوله تعالى: "يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الاَبصار" [النور، 42] وقوله تعالى: "ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته" [لقمان، 30] . وقوله تعالى: "والاَرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب" [ق، 7-8].