إن الإسلام يؤكد على البعد الجمالي في التمتع بمقومات البيئة، وهو إذ يربي هذا الذوق في نفس المسلم يجعله يشعر بالتناسق والانسجام بين المكونات البيئية. وقد حرص الإسلام على أن يجعل من هذا الذوق للجمال البيئي أحد السمات المميزة للشخصية المسلمة، سواء في ذلك الملبس والمسكن وكل ما يحيط به من مكونات البيئة من ذلك الدعوة إلى نظافة البيت وأفنيته.. ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله جميل يحب الجمال، طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، فنظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود"[1]، وهذا الدعوة إلى نظافة أفنية البيوت تدل على أهمية البعد الجمالي في التربية البيئية للمسلمين، وهم بحرصهم على هذا السلوك يخالفون الأمم الأخرى وخاصة اليهود الذين ذكرهم الحديث. وجماليات التربية البيئية في الإسلام تتعدى الأبعاد الفردية، لتصبح حقا اجتماعيا للمجتمع، ولذلك يمنع الفرد من الإٍساءة إلى الذوق العام للمجتمع فليس له الحق أن يبني حماما بين الدور، أو يفتح خبازا بين العطارين[2]، أو يبني بناءا يظلم الطريق ويسد الضوء[3]، كما لا يجوز له أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا، وهو الروشن يكون على أطراف خشبة مدفونة في الحائط وأطرافها خارجة في الطريق سواء كان ذلك يضر في العادة بالمارة، أو لا يضر بطريق الأولى، وهو المستوفى لهواء الطريق كله على حائطين سواء كان الحائطان ملكه أو لم يكونا[4]. فهذا يبين أن حماية البيئة في جانبها العمراني ليس إلا تجسيدا للقيم التي ينبغي أن يدين بها المجتمع المسلم، وفي هذا السياق يروى أن عمر بن عبد العزيز مر بحمام عليه صورة فأمر بها فطمست وحكت ثم قال: "لو علمت من عمل هذا لأوجعته ضربا"[5]، وإنما أمر عمر بن عبد العزيز بطمس الصورة لأنها تتنافى وأخلاقيات الجمال البيئي التي تدعو إليه القيم لإسلامية. ولعل الآيات القرآنية التي تدعو إلى التأمل في الجوانب الجمالية للمكونات البيئية خير شاهد على دعوة الإسلام لترسيخ البعد الجمالي في التربية البيئية للمسلم، يقول تعالى: "اَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالاَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الخُروجُ" [ق، 6-11]، ويقول في آية أخرى: "فَلْيَنظُرِ الاِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الاَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُم" [عبس، 24-32]. إنها آيات مليئة بالجوانب الجمالية التي تحبب للمسلم بيئته، وتجعله حريصا على حمايتها والعناية بها، وتذوق أسرارها التي تربطه بخالقها وخالقه. -------------------------------------------------------- 1. رواه الترمذي في الأدب، باب ما جاء في النظافة. 2. المغني لابن قدامة، ج: 4، ص: 572. 3. المغني لابن قدامة، ج: 4، ص: 552. 4. المغني لابن قدامة، ج: 4، ص: 551. 5. سيرة عمر بن العزيز، ص: 79.