لقد حفلت كتب السنة بالأحاديث التي تتناول قضايا البيئة، وهذه الأحاديث تتعدد بعدد قضايا البيئة، ويمتاز تناول السنة لقضايا البيئة بالتفصيل والتفريغ، وذلك راجع إلى كون السنة بيانا للقرآن، ويمكن التمثيل لقضايا البيئة في السنة بما يلي: 1. الارتياد لمواضع النجاسة؛ 2. النهي عن التخلي في طرق الناس؛ 3. انهي عن قطع الأشجار؛ 4. الدعوة إلى غرس الأِشجار؛ 5. النهي عن قتل الحيوانات لغير منفعة؛ 6. الأمر بإماطة الأذى عن الطريق؛ 7. النهي عن الإسراف في الماء؛ 8. النهي عن تلويث المياه[1]؛ هذه نماذج من القضايا البيئية التي تتناولها السنة وأكدت عليها ورسمت المعالم التي ينبغي أن يسير على هداها المسلم. مكانة البيئة في مقاصد الشريعة إن الشريعة الإسلامية جاءت بمقاصد شرعية غايتها مصالح العباد في الأجل والعاجل. وقد راعت الشريعة الإسلامية هذه المقاصد في تناولها لموضوع البيئة، وإذا كان الكون كله قائما على سنة التوازن والتناسق؛ فإن القرآن الكريم يرشد الإنسانية إلى وجوب الإصلاح، ويحذرهم من الإفساد في الأرض "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الاَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا" [الاَعراف، 55]. ومفهوم الإصلاح شامل لكل فعل أو سلوك تعود ثمراته ونفعه على الأرض بأحيائها، كما أن مفهوم الفساد يشمل كل سلوك أو فعل يضر بالناس أو تعود مفسدته على الأحياء والأرض. ومن هنا نبه القرآن على مكمن الداء ألا وهو السلوك الإنساني، ذلك أن انحراف السلوك الإنساني هو السبب في كثير من الكوارث البيئية، قال تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ اَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يرجعون" [الروم، 40]. فالقرآن أشار إلى أن نتائج الفساد التي تظهر في البر والبحر هي من فعل البشر وكسبهم، وخروجهم عن السنن الكونية التي أودعها الله في هذا الكون. وقد بين القرآن الكريم أن هلاك الحرث والنسل من الفساد في الأرض، والنسل يعتبر من المقاصد الضرورية الخمسة التي جاءت الشريعة الإسلامية للمحافظة عليها، وفي هذا الإطار ذكر المفسرون أن المراد بالحرث والنسل، قوله تعالى: "وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى في الاَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ" [البقرة، 203] محل النماء الزروع والثمار ونتاج الحيوانات التي لا قوام للناس إلا بهما[2] وهذا يدل على أن مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على البيئة بكل مكوناتها، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيقاس عليها كل العناصر التي تتشكل منها البيئة مثل الهواء والماء وغيرها. فالمحافظة على البيئة في كل أبعادها يعتبر من المقاصد الشرعية التي جاءت الشريعة الإسلامية لإثباتها، والتي يشملها المصطلح القرآني الإصلاح، بينما تدميرها يندرج تحت الفساد المنهى عنه. أحكام البيئة في الفقه الإسلامي تناثرت الأحكام المتعلقة بالبيئة في الأبواب الفقهية، كباب النجاسات، والطهارة، والوضوء، والحج وأحكام الضرر وغيرها، إلا أن الفقهاء كانوا أكثر شرحا وتقريرا لهذه الأحكام في باب الضرر، وقد استندوا في ذلك إلى الحديث النبوي الشريف "لا ضرر ولا ضرار"[3] فابن قدامة يقول مثلا في التصرف الذي يضر بالجار: "وليس للرجل التصرف في ملكه تصرفا يضر بجاره نحو أن يبني فيه حماما بين الدور أو يفتح خبازا بين العطارين أو يجعل دكانا قصارة يهز الحيطان ويخربها.. وقد استدل ابن قدامة بقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"؛ لأن هذا إضرار بجيرانه، فمنع منه كالدق الذي يهز الحيطان وينثرها وكسقي الأرض الذي يتعدى إلى هدم حيطان جاره أو إشعال نار تتعدى إلى إحراقها[4]. وجاء في كشف القناع "ويمنع من أن يجعل ساحة له بجوار جاره مرمى للقاذورات والقمامات ومن كل ما يضر بجاره بحفر كنيف أو بالوعة أو إنشاء حمام، أو نحو ذلك فإن فعل كان منعا لما يحدث من ضرر"[5]. ومن القواعد المقررة عند العلماء أن الضرر يزال[6]، فكل ما يحدث ضررا ببيئتنا ينبغي أن يزال إن وقع، أو يمنع ابتداء. وما أحوجنا اليوم إلى صياغة جديدة لموضوع البيئة وأحكامها في الفقه الإسلامي، بمنهج علمي يجمع بين الكليات والجزئيات، وينطلق من ثوابت الشرع مع استيعاب متغيرات العصر. --------------------------------------------------- 1. سيأتي بيان مزيد من هذه الأحاديث في المباحث القادمة. 2. تفسير ابن كثير، ج: 1، ص: 247. 3. هذه القاعدة أصلها حديث نبوي شريف رواه أحمد وابن ماجة وغيرهم، انظر شرح القواعد الفقهية، تأليف الشيخ أحمد الزرقاء، راجعه عبد الستار أبو غدة، الطبعة الأولى 1043 ه / 1983، دار الغرب الإسلامي. 4. المغني لابن قدامة، ج : 4، ص: 572. 5. نقلا عن كتاب الملكية في الشريعة الإسلامية للشيخ علي الخفيف، ص: 125، دار النسخة العربية، بيروت 1992. 6. شرح القواعد الفقهية، ص: 125.