[قول الصحابي] من أدلة الإمام مالك المعتمدة عنده قول الصحابي، يقول بن أبي كف رحمه الله في منظومته المشهورة: وقول صحبه والاستحسان وهو اقتفاء ما له رجحان[1] قال محمد يحيى الولاتي: "وقول صحبه" يعني: أن القول المروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدلة مذهب مالك، يعني أنه حجة شرعية عند مالك، سواء كان الصحابي إماما أو مفتيا أو حاكما، وسواء كان قولا أو فعلا"[2]. ومصطلح "الصحابي" اختلف فيه المحدثون والأصوليون، فذهب المحدثون وبعض الأصوليون إلى تعريف الصحابي بأنه: "من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ومات على إسلامه"، أما جمهور الأصوليين يشترطون في الصحابي طول المجالسة[3]، من هنا نرى أن المحدثين وبعض الأصوليين يوسعون من مدلول الصحابي بخلاف جمهور الأصوليين. والإمام مالك اختار مذهب المحدثين في تعريفه للصحابي وهو ما يؤكده ابن تيمية حيث نقل عن الإمام مالك تعريفا للصحابي بأنه: "من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو شهرا أو يوما أو رآه مؤمنا به فهو من أصحابه له من الصحبة بقدر ذلك"[4]. * تعريف قول الصحابي: أما تعريف قول الصحابي: فقد ذكر محمد يحيى الولاتي بأنه: "رأيه الصادر عن اجتهاده"[5]. وهذا التعريف يرد عليه اعتراضين، أولهما: أن مفهوم الرأي يقصر قول الصحابي على القول فقط دون الفعل، وإن كان الولاتي نفسه يذكر قبل التعريف أن القول المروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدلة مذهب مالك سواء كان قولا أو فعلا. وثانيهما: حصر قول الصحابي في اجتهاده، أما قول الصحابي الذي لا دخل للرأي فيه أو المخالف للقياس، لا يدخل في هذا التعريف، وإن كان أغلب العلماء يعتبرونه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، "والظاهر أن من ذكر ذلك التعريف لم يقصد أن يخرج منه قول الصحابيى المخالف للقياس؛ لأنه يدخل في مصطلح قول الصحابي"[6]. وعرف مصطفى ديب البغا قول الصحابي بأنه: "هو ما نقل إلينا وثبت لدينا عن أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتوى أو قضاء، في حاثة شرعية، لم يرد فيها نص من كتاب أو سنة ولم يحصل عليها إجماع"[7]. وهذا التعريف ينطبق عليه من الاعتراض مثل ما انطبق على الأول؛ لأن الفتوى والقضاء صادران عن اجتهاد ورأي، دون اعتبار الأفعال، كما أن قول الصحابي لا يقتصر فقط على ما لم يرد فيه نص شرعي، بل يمكن أن يكون في مقابلة النص على وجه التخصيص أو التقييد، كما في مخالفة الراوي لما رواه مثلا. ولعل التعريف المناسب هو تعريف بابكر محمد الشيخ الذي عرف قول الصحابي بأنه: "ما أثر عن أحد الصحابة من قول أو فعل في أمر من أمور الدين"[8] لأنه سليم من الاعتراضات السابقة. يتبع في العدد المقبل…. ——————————– 1. إيصال السالك، 46. 2. المصدر السابق نفسه. 3. المعتمد، 2/666، المستصفى، 1/165. 4. مجموع الفتاوى، 20/298. 5. إيصال السالك، 46. 6. أصول فقه الإمام مالك أدلته النقلية، 1/1109. 7. أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي، 339. 8. قول الصحابي وأثره في الأحكام الشرعية، رسالة ماجستير، 23.