قال الله عز وجل جلت قدرته: "اِذ اَوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا ءَاتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من اَمرنا رشدا" [الكهف، 10]. الآية سيقت في مقام مقالي يتعلق ببيان مقصد أساسي من مقاصد سورة الكهف. يتعلق الأمر بالجواب عن سؤال فتية أهل الكهف. ولهذا سبقت بقوله تعالى: "اَم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من ءَاياتنا عجبا" [الكهف، 9]. وهكذا بدأ السورة في عرض ما حصل لهم ابتداء من هذه الآية وما سيأتي بعدها لقوله تعالى: "فضربنا على ءَاذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" [الكهف، 11-12]. لما رأى هؤلاء الفتية شيوع الكفر والباطل لقومهم وتعذر عليهم مواجهة ذلك قرروا الانزواء إلى خلوة الكهف فأووا إليه تجنبا لمخالطة الكفر وأهله. وما أن أووا الكهف حتى بادروا بالابتهال إلى الله تعالى والتضرع إليه بهذا الدعاء: "ربنا ءَاتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا". طلبوا الرحمة والرشد في الأمر. الرحمة التي يتحقق بها أمنهم على دينهم وعقيدتهم وأنفسهم. وقد تم تنكير كلمة الرحمة الإلهية لتتناول أكثر من جانب من جوانب الحياة الإنسانية. وفي هذا المضمار قال الرازي: "أي رحمة من خزائن رحمتك وجلال فضلك وإحسانك وهي الهداية بالمعرفة والصبر والرزق والأمن من الأعداء"[1]. كما طلبوا من الله عز وجل الرشد في الأمر أي الخير والصلاح والهداية إلى الاستقامة على الصراط المستقيم. يبدو من هذين المطلوبين مبلغ حاجتنا الماسة والشديدة إلى الارتباط بالله تعالى فنطلب وباستمرا عونه وتوفيققه؛ فهؤلاء الفتية على الرغم من أنهم يعيشون أوج الكمال العقلي والجسدي والعاطفي والروحي فإنهم ظلوا يطلبون أن يكون كمال فتوتهم[2] معضدا بالرحمة الإلهية ومسنودا بالمدد الإلهي. والحق أنه لا بد من هذين المطلوبين حتى يكون كل أمر نقدم عليه أمرا راشدا بقدر ما فيه من العلم النافع فيه أيضا من العمل المسدد والمؤيد بالنصر الإلهي. ——————————————- 1. الرازي، مفاتيح الغيب ج: 21، ص: 76. 2. ذكرهم الله تعالى بوصف الفتوة للإيماء إلى ما في هذا الوصف من اكتمال خلق الرجولية المعبر عنه بالفتوة. وهو وصف جامع لمعاني السداد في الرأي والثبات في العمل. ينظر ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير ج: 15- ص: 266.