إن المحافظة على المصحف الشريف المخطوط بشكل خاص وعلى التراث الوثائقي عامة من كل الآفات الطبيعية مثل الحرائق، والفيضانات والتآكل بفعل التقادم وبسبب الحشرات والقوارض.. إلى آخره، وكذا من تدخل الإنسان عبر اللمس باليد والتمزق وربما حتى السرقة، لن يتأتى هذا سوى بالحفاظ على الأصول من التداول. لهذه الغاية عملت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية منذ عشر سنوات تقريبا على توفير نسختين لكل مخطوط في البداية على الميكروفيلم ومنذ ثلاث سنوات على الحامل الرقمي. النسخة الأولى ذات جودة عالية معدة للتخزين الدائم في مكان آمن، بينما النسخة الثانية والأقل جودة فتستعمل في المناولة. وخلال السنة الجارية ستتوفر المكتبة الوطنية على نسخ رقمية لمعظم رصيدها المخطوط وخاصة بالنسبة لكتاب الله عز وجل الذي يتميز بغناه رسما وزخرفة. وتهدف عملية الرقمنة هاته فضلا عن المناولة المباشرة للمخطوطات عبر شاشات معدة لذلك، إلى تداول ونشر هذه المخطوطات عن بعد عبر وسائط الاتصال الحديثة دون الحاجة إلى التنقل ولفائدة عدة قراء افتراضيين في نفس الوقت. وهي تسمح كذلك في استغلال محتوى النسخة الرقمية في شكلها كصورة أو بتحويلها بواسطة عمليات تكنولوجيا المعلومات والاتصال إلى شكل لوحة فنية أو نص مكتوب أو نص صوتي يمكن التعامل معه بكيفية أو بأخرى. لقد انخرط المغرب منذ مدة ليست بالقصيرة في توفير كل الخدمات العمومية بواسطة الشبكة العنكبوتية، وأصبح بالتالي مشروع "المغرب الرقمي" E-Maroc واقعا معاشا بعد أن كان حلما، وأضحت كل الإدارات والمؤسسات تتنافس في خلق وتطوير مواقعها الإلكترونية وفي تبسيط الإجراءات حتى يتمكن كل مواطن من الوصول إلى المعلومة المرجوة وبالسرعة المطلوبة. وبالفعل انخرطت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية في هذا المشروع منذ بدايته، وأصبحت اليوم رائدة في خدمة روادها من خلال وضع كل الوثائق التي لا تدخل ضمن نطاق الملكية الفكرية، في موقع المكتبة الرقمية المغربية. وتتوزع هذه الوثائق بين ما هو مخطوطات وضمنها المصحف الشريف، وما هو مطبوعات حجرية، وما هو كتب قديمة، وما هو مجموعات متخصصة كالخرائط والصور والتصاميم والبطاقات البريدية، وبين ما هو مجلات وجرائد. المصحف الشريف وخاصة المخطوط منه في حاجة ماسة إلى من يبرز جوانبه المشرقة رسما وزخرفة وما يتضمنه من كنوز معرفية فريدة من نوعها. فالخط العربي المستعمل في كتابة القرآن الكريم، يحتاج منا إلى بدل المزيد من الجهد في تقعيده وتعميق دراسة تطوره التاريخي وتشعباته الشكلية عبر الأزمنة والأمكنة وتنقلاته من ناسخ إلى آخر. هذا فضلا عن تحليل الأشكال الزخرفية الرائقة المرافقة له وما تحمله من حمولة فكرية تعبر عن جوانب مضيئة من الحضارة الإسلامية..