بنك المغرب يفند محتوى إعلامي كاذب يستخدم هويته    مسلسل معاوية التاريخي يترنح بين المنع والانتقاد خلال العرض الرمضاني    بنك المغرب يفند محتوى إعلامي كاذب يستخدم هويته    ألباريس: العلاقات الجيدة بين المغرب وترامب لن تؤثر على وضعية سبتة ومليلية    الركراكي يوجه دعوة إلى لاعب دينامو زغرب سامي مايي للانضمام إلى منتخب المغرب قبيل مباراتي النيجر وتنزانيا    الاستئناف يشدد عقوبات مدافعين عن ضحايا زلزال الحوز    تفكيك شبكة إجرامية خطيرة تضم مشتبه فيه "68 عاما" متورط في الاختطاف والمخدرات    تقنيو المغرب يعلنون عن إضرابات مستمرة طوال شهر مارس احتجاجا على أوضاعهم المزرية    مجلس جهة الداخلة وادي الذهب يعقد دورته العادية لشهر مارس 2025    أسعار الأكباش تنخفض 50%.. الكسابة يحذرون من انهيار القطاع في جهة الشرق    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    فعاليات مدنية بالقدس تشيد بمبادرات جلالة الملك للتخفيف من معاناة الساكنة المقدسية خلال شهر رمضان    ترامب يوقف جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية بالقدس الشريف    الاتحاد العربي للجولف يطلق سلسلة بطولات تتضمن نظام تصنيف رسمي ومستقل    المغاربة المقيمون بالخارج.. تحويلات تفوق 9,45 مليار درهم خلال يناير    مبادرة تشريعية تهدف إلى تعزيز حقوق المستهلك وتمكينه من حق التراجع عن الشراء    بنك المغرب يحذر من محتوى احتيالي    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    الصين تكشف عن إجراءات مضادة ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    إسرائيل تطالب بنزع السلاح في غزة    أسباب تضارب أسعار اللحوم الحمراء والأسماك والدواجن والبيض..    جمع عام استثنائي لنادي مولودية وجدة في 20 مارس    فنربخشه يقرر تفعيل خيار شراء سفيان أمرابط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    ‬ما ‬دلالة ‬رئاسة ‬المغرب ‬لمجلس ‬الأمن ‬والسلم ‬في ‬الاتحاد ‬الأفريقي ‬للمرة ‬الرابعة ‬؟    الصين تفرض رسوما على سلع أمريكا    تصعيد نقابي في قطاع الصحة بجهة الداخلة وادي الذهب.. وقفة احتجاجية واعتصام إنذاري ومطالب بصرف التعويضات    فينيسيوس: "مستقبلي رهن إشارة ريال مدريد.. وأحلم بالكرة الذهبية"    تأجيل قضية ناشط في طنجة توبع بسبب تدوينات حول حرب غزة إلى 10 مارس    قمة عربية في القاهرة لمناقشة خطة بديلة لمشروع ترامب في غزة    الزلزولي يعود إلى تدريبات ريال بيتيس    الصين: افتتاح الدورتين، الحدث السياسي الأبرز في السنة    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    بتعليمات ملكية.. ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأميرة للا خديجة يشرفان على انطلاق عملية "رمضان" لفائدة مليون أسرة مغربية    دوري أبطال أوروبا .. برنامج ذهاب ثمن النهاية والقنوات الناقلة    ساكنة الجديدة تنتظر تدخل العامل ومحاسبة المتسببين في مهزلة الأزبال    فرنسا تفرض إجراءات غير مسبوقة لتعقب وترحيل المئات من الجزائريين    بطولة إسبانيا.. تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول بسبب الأحوال الجوية    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    مباحثات بين ولد الرشيد ووزير خارجية ألبانيا للارتقاء بالتعاون الاقتصادي والسياسي    سينما.. فيلم "أنا ما زلت هنا" يمنح البرازيل أول جائزة أوسكار    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    3 مغاربة في جائزة الشيخ زايد للكتاب    المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة لرفع نسبة التغطية إلى 90%‬    أحمد زينون    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    حوار مع صديقي الغاضب.. 2/1    وزير الثقافة الإسرائيلي يهاجم فيلم "لا أرض أخرى" بعد فوزه بالأوسكار    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    ناقد فني يُفرد ل"رسالة 24 ": أسباب إقحام مؤثري التواصل الاجتماعي في الأعمال الفنية    مسلسل "معاوية".. هل نحن أمام عمل درامي متقن يعيد قراءة التاريخ بشكل حديث؟    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوانب من الحركة العلمية بجامع القرويين.. (3)
نشر في ميثاق الرابطة يوم 31 - 01 - 2014

لقد أدرك علماء المغرب منذ البذور الأولى للحضارة الإسلامية بالمغرب أن العلوم التطبيقية تشكل المدخل الرئيس لفهم الكون وسنن الطبيعة، وهذه كما هو معلوم مسألة ثاوية في المنهج المعرفي الإسلامي الذي ينطلق من كون النص الديني المؤسس معادلا موضوعيا لحركة الكون والوجود.. فليس غريبا أن نرى ترابطا جدليا بين علوم الدين وما يرتبط بها من علوم نقلية وعقلية، وبين علوم الطبيعة من تراب وحيوان ونبات، إضافة إلى علم الأبدان والأذهان..
وقد قامت جامعة القرويين منذ تأسيسها باحتضان العلوم التطبيقية وإشاعتها، فنبغ علماؤها في الطب والفلك والحساب والنبات والكيمياء حسبما اقتضته فلسفة الدين وطبائع العمران، وسنحاول في هذه المقالة المكثفة أن نلم ببعض جوانب هذه الحركة العلمية في مجال العلوم التطبيقية التي ازدهرت في رحاب جامع القرويين المبارك..
لقد شهدت فاس منذ القرن الرابع الهجري نشاطاً ثقافياً وعلمياً كبيرا وكانت، زيادة على الدراسة الإسلامية، مشهورة بدراسة العلوم التطبيقية، فقد جاء في كتاب "طب الإنسان بالمغرب"، لجورج ألو، أن في القرن الرابع الهجري كانت بفاس مدرسة طبية زاهرة. واشتهر في العصر المرابطي علماء كبار مثل ابن السّكاك الفاسي المتوفى (سنة 500ه)، كما في "جذوة الاقتباس" لابن القاضي.. وخلال هذا العصر نبغ علماء في الطب لعل أشهرهم أبو العلاء بن زهر المتوفى (سنة 503ه)، وقد ألف كتباً مهمة في الطب واكتشف عدة علاجات لكثير من الأمراض منها "كتاب الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد"، ألفه للأمير المرابطي إبراهيم بن يوسف بن تاشفين، توجد منه مخطوطة في المكتبة الوطنية بباريس و"كتاب التيسير في المداواة والتدبير" توجد مخطوطة منه في كل من الرباط وباريس وأكسفورد، والمتحف البريطاني بلندن و"كتاب الأغذية" الذي توجد مخطوطة منه بباريس.. أما الكتب التي ذكرت في المصادر منسوبة إلى عبد الملك بن زهر وتعتبر في حكم المفقود فهي: "كتاب الزينة" و"تذكرة في أمر الدواء المُسهِّل" كتبها لولده الطبيب أبي بكر محمد الذي سمي فيما بعد بالحفيد و"مقالة في عِلل الكلى" و "رسالة في علتي البرص والبهق"، و"تذكرة في علاج الأمراض" كتبها أيضا لولده الطبيب أبي بكر الحفيد.. ويعتبر كتاب "التيسير في المداواة والتدبير" أهم مؤلفات ابن زهر على الإطلاق، صنفه في أوائل عهد الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي؛ يقول الباحث الفرنسي كولان Colin في دراستهAvenzoar, sa vie et ses œuvres "ونجد في آثار ابن زهر، لا نظريات أصيلة فحسب، ولكن نجد أيضاً ابتكارات مستحدثة لم يسبقه إليها أحد، كوصفه للأورام التي تحدث في الغشاء الذي يقسم الصدر طولاً، أو قرحة الحجاب الحاجز، وقد عرف طريقة التغذية الصناعية عن طريق البلعوم والشرج.. "[1]، وقد بلغت دروس ابن زهر في القرويين شهرة كبيرة جعلت الطلبة والعلماء يقبلون عليها، نذكر منهم ابن الزبير صاحب "صلة الصلة"؛ ونذكر من علماء هذا العصر أبو الحجاج يوسف بن فتوح القرشي المتوفى (سنة 561 ه) كما في "صلة" ابن بشكوال، ومعاصره أبو العباس أحمد القيسي الإشبيلي..
وقد تميز عهد الموحدين بظهور كتب تناولت مختلف العلوم والفنون، فدرست من مؤلفات المغاربة في الجغرافيا نزهة المشتاق للشريف الإدريسي، وفي الرياضيات جامع المبادئ والغايات في علم الميقات لأبي الحسن المراكشي.. ومن بين ألمع الأسماء التي عرفتها جامعة القرويين خلال العصر الموحدي الفيلسوف الشهير أبي بكر ابن الصائغ المعروف بابن باجة الذي لم يكتف بالجمع بين عدة علوم فحسب، بل سعى إلى بناء فلسفته على العلوم الطبيعية التي خبرها ومارسها خصوصا علمي الطب والحساب وعلم الحياة، وهو يعتبر بذلك من الأوائل الذين بنوا فلسفتهم الكونية على معطيات العلوم الطبيعية.. وكان ابن باجة قد هاجر من الأندلس، وارتبط اسمه بالقرويين، وتوفي بفاس؛ ومن أشهر علماء الكيمياء في هذا العصر أبو الحسن علي الأنصاري السالمي الجياني المعروف بابن النقرات، ترجمته في "تكملة" ابن الأبّار و"جذوة الاقتباس" لابن القاضي، وذكروا عنه أنه نزل بفاس وتصدر للإقراء بها، وولي الخطبة من جامعة القرويين منها. وقد نسب لابن النقرات "شذور الذهب في الإكسير" وهو كتاب نفيس قيل فيه "إن لم يعلمك صناعة الذهب علمك الأدب"[2].
ونذكر كذلك الفيلسوف أبا بكر ابن طفيل الذي سيصبح الطبيب الخاص للسلطان الموحدي أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، كان ذلك (سنة 558ه)، لقد كان طبيبا وكاتبا رسميا ومثقفا كبيرا، لكن شهرته تجلت أساسا في ميدان الفلسفة والنظر العقلي عبر طرح أسئلة الوجود الكبرى من خلق ونشوء وارتقاء، واهتم بقضية العلاقة بين الفلسفة والدين، وبذل في سبيل إبراز الأبعاد المعرفية الكونية لهذه العلاقة جهدا عقليا تأمليا ونظريا، مستعملا في كثير من الأحيان تعبيرات صوفية عميقة تستلهم من ماء الكون ومعتمدا على ثقافته الطبيعية.. وكتب ابن طفيل أرجوزة طويلة في الطب توجد نسخة منها خطية بخزانة القرويين بفاس، ومن خلال هذه الأرجوزة نتعرف على مدى سعة ابن طفيل بعلم الطب وعلى معرفته بلغة الإغريق.. ولابد هنا أن نشير إلى فلاسفة مدرسة ابن طفيل كالبطروجي. واشتهرت في الطب أسرة أبناء زهر، وعبد الملك الزهراوي، وإذا كان جل هؤلاء الأعلام ممن درس بالأندلس ووفدوا على المغرب، فإن عبقريتهم تجلت في ربوع القرويين، وتفتحت إلهاماتهم تحت سمائه. ويذكر الدكتور رينو Renaud في بحثه "أنه لا يمكن الفصل بين دراسة الطب في المغرب ودراسة حياة العلماء الذين أنجبتهم الأندلس أو تكونوا في مدارسها ثم صاروا في أعقاب ملوك المغرب من إشبيلية أو قرطبة أو فاس أو مراكش أو أغمات، فللمغرب الحق إذا تبنى ابن باجة وابن طفيل وابن رشد.. "[3].
ومن أعلام الطب خلال العهد الموحدي سعيد الغماري، وكان فاضلا في صناعة الطب والهندسة وعلم النجوم، وله كتاب "ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة"، وله "شرح الفصول لابقراط"؛ ونذكر أيضا يوسف بن فتوح القرشي المري، كان قاضيا بمدينة فاس، وكانت له معرفة واسعة في علم النبات[4]، ومن أطباء العصر الموحدي الذين عرفتهم رحاب القرويين أبو جعفر الذهبي نقيب الطلبة الأطباء في عهد الموحدين و معاصره أبو بكر بن بقي السلامي..
ويناقش العلامة الحسن السائح في كتابه "الحركة العلمية بجامع القرويين"[5]، رأيا للمؤرخ نقولا زيادة حول الروايات العديدة التي تقول "أن الطب درّس في الأزهر، وأن الفلك تحدث عنه العلماء في القرويين والزيتونة" وقد علق نقولا زيادة على ذلك قائلا: و"الذي يمكن أن يُقال بعد فحص هذه الأخبار القليلة، هو أنه قد يكون ثمة شيخ أو مدرس له بعض المعرفة بالطب أو الفلك فيدور الحديث عندها حول مثل هذه الموضوعات؛ لأن مثل هذين الموضوعين -ويمكن أن تضاف الهندسة إليهما- لا يمكن أن يُعلّم في حلقة حول اسطوانة، فكلها تحتاج إلى القيام بتجارب واختبارات، وهذه لم تكن متيسّرة في الجوامع.. ". ويعلق الحسن السائح على المؤرخ زيادة بقوله: و"يبدو أنه قد فات هذا المؤرخ، أنه كان ثمة مدارس ملحقة بالجامع ومخصصة لتدريس مثل هذه المواد، إذ تشير بعض المصادر إلى أنه كان بها – والكلام هنا حول القرويين- في أواخر القرن الرابع الهجري مدرسة صغيرة للطب.. ".
يتبع في العدد المقبل..
———————————————————–
1. منشورات كلية الآداب، الجزائر العاصمة، مجلد 44، باريس 1911.
2. المنوني، العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، ط2، 1977، ص: 131.
3. الطب القديم بالمغرب، منشورات معهد الدروس العليا.
4. المنوني، العلوم والآداب.. ص: 134.
5. منشورات الإسيسكو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.