وقفت كثيرا أمام خزانة ملابسي وتساءلت: كم من حيوان و كم من نبتة و شجرة يسكنون هذه الخزانة؟ المعاطف الجلدية تكاد تخور، مئات اليرقات تسرح فوق الأقمصة الحريرية ، بياض القمصان القطنية يغمز لشعاع الشمس المسافرة من أقاصي التاريخ إلى خزانتي و يتابع معي المحلل الاقتصادي في نشرة الأخبار يسهب في وصف الأزمة الاقتصادية العالمية. لماذا تلبسين هذا القميص؟ أرتدي قميصا أعرف أنه لا يصلح للنزهة بل لتناول فنجان شاي. البيت الذي كنت أمرّ بمحاذاته يقبع وحيدا على جنب الطريق. منزل بسيط تحيط به حديقة صغيرة مهملة من دون باب، سورها عبارة عن سياج من خشب و أسلاك شائكة كأنه خرج للتو من فيلم قديم بالأبيض و الأسود. خلف نافذة الغرفة الأمامية تقف امرأة مسنة منحنية على علبة سوداء. القطع النقدية التي كانت تحصيها لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. أخرجت كذلك ثلاث كييسات لذلك النوع من الشاي الذي يوضع في كأس ماء محلّى، نظرت إليها مليّا ثم أعادتها إلى مكانها في سواد العلبة. غادرت البيت و هي تتلمّس بحنان قطعتين نقديتين. كادت تتعثر في خطواتي المرتبكة. حييتها مبتسمة و بلغة جديدة اخترعتها للتو أسميتها لغة القلب هي خليط من الحركات و الإيماءات و كلمات اسبانية منطوقة بلسان فرنسي و كلمات انجليزية منطوقة بلسان عربي حاولت أن أشرح لها أني أبحث عن مطعم في الجوار. هزت المرأة رأسها، أدركت أنها عاجزة عن مخاطبتي بنفس لغتي، أشارت إليّ أن أتبعها. قادتني في الطريق الذي أتيت منه فعرفت أنها ستقودني حتما إلى المطعم الذي مررت بالقرب منه قبل قليل جنب الكنيسة التي تحنّ جدرانها المتهالكة إلى صلوات لم يعد يؤمن بها أحد. هل عرفت أني سأدعوها للدخول و تناول وجبة معي كي نتعارف أكثر و أنها في البداية سترفض خجلا أو خوفا مني؟ هل عرفت أني سأبتسم في وجهها ابتسامتي البريئة التي لا تقاوم و أننا سنتناول طعامنا سويا في هذا المطعم و أنها ستحتفظ بكييس الشاي إلى فرصة أخرى. كييس الشاي الذي جعلني أخجل من خزانة ملابسي و من حيرتي أمام نوع القميص الذي عليّ أن أرتدي للخروج في نزهة.