هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص مشاركة الناقد أبو شعيب الكرزابي:في حفل تكريم الشاعر محمد اللغافي في اليوم العالمي للشعر
نشر في المسائية العربية يوم 24 - 10 - 2009

يقول المفكر المغربي عبد الله العروي في الصفحة السابعة من مؤلفه "أوراق" (للقارئ أن يفصل،له الحق أن يختزل الكتاب في أوراق) ويقول في أسفل نفس الصفحة: (ان احدى نتائج الاكثار من الوسائط التضييق على الناقد،لم يعد في وسعه أن يكتفي بالتحليلات الموضوعية أو الشكلية ،سوسيولوجيا المضمون وتحليل الخطاب لأنها مضمنة في النص نفسه ،
فهو مدعو الى الذهاب الى الأبعد والأعمق وربما ألأبسط،الأبسط هو فتح الطريق الى الاستمتاع)
ومن هذا المنطلق أرجو أن تعتبر هاته الورقة، وهذه القراءة مجرد عربون محبة واهتمام ومشاركة متواضعة في تكريم شاعر عصامي بكل ما في العصامية من قوة الاصرار ،شاعر يعبر بالضرورة عن هموم جيل من المبدعين المغاربة الذين انبثقوا كبراعم الزهور من عمق هذا المجتمع المحكوم بقسوة التهميش ومرارة الاقصاء..شاعر يؤسس بوعي للبحث عن حرية الابداع عموما والشعر خصوصا ، تجرف معها كل ما يشوب الفعل الشعري من تشوهات نتيجة عوامل عديدة ليس هذا مجال استعراضها.
ثم انها مجرد قراءة أولية انطباعية وبالثالي فان أقصى ما أطمح اليه هو أن تكون هذه الورقة مجرد مساعدعلى تذوق النص والاستمتاع بجماليته ةالابصار في مضمونه متى كان النص مطوعا وقابلا لذلك.
محاور القراءة
اعترافا بأني لم أتبع منهجا نقديا محددا في هاته القراءة الانطباعية بل كان هاجسي الأول ولا يزال هو تذوق النص وفق معطيات تدخل عادة في حكم القراءة .لذلك اقتصرت في هذه الورقة الانطباعية على تحديد الموضوعات والتيمات التي يضمها الديوان والتي شكلت مجال اشتغال الشاعر اللغافي علما أن تحقيق هذا الغرض لا يتأتى الا باستحضار كل دواوين الشاعر،لكن عذري في ذلك أن هاته الورقة لا تنضبط الا لهذا الديوان ،(الكرسي) أما تأمل باقية الدواوين فهو أمر يتطلب الوقت والدواوين وهو ما سأقوم به مستقبلا ، بحول الله،
((الكرسي)) ديوان شعري يقع في 49 صفحة من الحجم الصغير ضمت 44 نصا شعريا وأول ملاحظة على النص الشعري عند الشاعر اللغافي هو قابلية هذا النص للاستقلالية التي تبرز من شكل النص ..لكن الطروحات والمضامين تكون قابلة للتمدد والدوبان في نص آخر قد يكون سابقا أو لاحقا.
فالقصائد التي حملت أسماء أيام الأسبوع ( الاثنين -الثلاثاء- الأربعاء- الخميس- الجمعة- السبت- الأحد)،تحيل على هذا المعطى اذ نجد قابلية النص للتعامل معه كوحدة شعرية مستقلة موجودة وحاضرة ،فالنص الأول مثلا نستطيع حصره في9 أشطر من الشعر الحر تبدأ من قول الشاعر ( صباح الاثنين البني) وتنتهي في قوله (الأصابع التي أنهكتها غيمات حمقى بمودة ) في نفس الوقت الذي يجوز فيه تأويل أن كل قصيدة ( الاثنين)هي مجرد مدخل للابحار في تلاوين بقية أيام الأسبوع.وأرجو أن نستحضر كلمة (تلاوين)جيدا لأن القارئ لا بد وأن يفاجأ بهاته العلاقة الحميمية عند الشاعر اللغافي مع لألوان ومدلولاتها البصرية واحالاتها النفسية وهنا من حق الشاعر أن لا يجيب عن بعض التلميحات التي يحملها كل لون على حدة .لكن من حق القارئ على الشاعر اللغافي أن يؤول هو الآخر هاته الأوصاف اللونية الدالة وباعتباري مجرد قارئ نهم للشعر ومتعطش لتجليات هذا الأدب الجميل أرى أن اطلاق هذه الألوان على أيام معينة هو بمثابة ذلك الابهار الذي يحدثه الشعر دون قدرة على تفسير أو شرح أسباب هذا الانبهار ،
فالاثنين يوم له دلالة زمنية ووجدانية ودينية.لكن الشاعر اللغافي يقرنه باللون البني (صباح الاثنين البني -ووجه طافح في فضاءات المرآة)
أما الثلاثاءفهو الأصفر وان لم يخبرنا اللغافي هل هو أصفر فاقع أم أصفر باهتولا أعتقد أن شاعرنا لم يضع مثل هذا الاشكال اللوني في حسان الابداع .
أما يوم الأربعاء فهو أسود عند الساعر ،ورغم ما للسواد من دلالة الحزن والألم في المفهوم الأدبي الشعبي فقط أي في الأدي الذي يثور أحيانا على التقعيد والتنميط والتصفيف والتبويب نجد أن شاعرنا اللغافي ألح على اقحام هذا المفهوم حتى في الشعر و هو قمة الأدب العالم أو المتعالم حين جعل السواد لصيقا باعدام الأخطاء ولصيقا بيوم الهزيمة .ولوجارينا الشاعر في جموح الخيال الشعري هذا الحتجنا فعلا الى كل السواد لأن تكرار الخيبات والهزائم أصبح عندنا هو القاعدة .وفي الوقت الذي كنا ننتظر نصا شعريا مطولا في قصيدة( الخميس )التي صبغها الشاعر بلون الأخضر الذي يحيل على الخصب والتوالد والتوليد نجد أن قمة جمالية هذا النص كانت في صغره اذ لم يتجاوز أربعة أشطر كانت قمة البوح والاعتراف ( لأجلك...أخبئ قبلة عنيفة) الذي يحول المتلقي الى رقيب في ذهنية المبدع وهو جانب قوي وهام عند اللغافي الذي لايحيد عن طقوس الابداع الذي يصر على أن يتميز شكلا أ ومضمونا أو هما معابغض النظر عن وقع ذلك على وفي الآخرين .وحده يوم الجمعة المليئ بالاحالات الدينية والتاريخية بقى عند اللغافي طاهرا متطهرا من رجس اللون،هل مرد ذلك الى توقف التصنيف في ذهنة الشاعر بشعور منه ووعي داخلي بأن الجمعة لون هلامي لا يستقر في لون واحد ولا في تداخل وتمازج ألوان أخرى أم أن عدم التلوين فرضه طبيعة مضمون النص الشعري الذي يعني الجمود أو الموت حين يقول الشاعر أو حين يقول النص (عقرب الساعة توقف في منتصف الكأس) أم هي مجرد استراحة من التلوين قصدها الكاتب حين عاد الى ولعه الشعري بتلوين اليوم اذ عدنا الى اللون مع السبت الذي يفرض على( العائد من فوضاه) أن( يسيج في زرقة السبت) أما نص( الأحد) فقد بقي مفتوحا على كل الاحتمالات :احتمال التلوين احتمال التقابل أو ما يسميه علماء اللغة بالتفاضل المقابل ( أصابع الممكن الشرسة-تهريب الأصابع البائسة-لغة الطيش التي تسكن أصابعك)هل تكرار تيمة الأصبع في هذا النص بالضبط مقصودة؟ ..ثم الا يخل تكراركلمة( أصابع ) بتراتبية هذا النص الرافض للتصنيف ؟ أسأل فقط لأن الاجابة قد تتطلب توسل منهجية نقدية أخرى ليس هذا أوانها الآن .خصوصا اذا استحضرنا أن هناك تيمات أو موضوعات تحضر بقوة
وبتكرار ملفت للنظر ،
وعلى سبيل الاستئناس أشير الى أن كل هذه التيمات _الموضوعات تنحصر في :موضوعة الوقت -موضوعة العين -موضوعة الصباح _موضوعة الأصابع- موضوعة الكرسي- التي اكتسب الديوان اسمه وهويته فيها.
موضوعة الوقت:
تظهرفي نص ( لغم يتنفس في الرئة) ص 7 حين يقول الشاعر (الوقت حرج هذا المساء) ثم في نص( أصداء تافهة) ص 9 حين يقول الشاعر ( الليل يتقمص وجه الصبح ) والليل والصبح زمنان أو وقتان .وفي قصيدة (الاثنين )حين يقول (صباح الاثنين البني )وفي قصيدة الثلاثاء ص 14 حين يقول ( أنهكته شساعة الوقت) (والوقت الذي من ذهب )كما تظهر في نص( الجمعة ) ص 15 حين يقول ( عقرب الساعة توقف) ثم تظهر متوارية في نص( الثور) ص 17حين يقول :( الذي راودك ذات ليلة حادة أصبح على يوم عصيب).ونفس الأمر تجده في( الجوزاء) ص 18 وفي نص( العقرب ) ص 21 حين يقول الشاعر ( الأرق الذي يغسل أوقاتك)
ان حضور الوقت في كل هذه النصوص الشعرية جاء معبرا عن انفلاث الزمن وعن حيرة الذهن ازاء تقييم الوقت مما يعني أن التكرار هنا لا ينظر اليه كجانب سلبي ،بل هو اثراء واغناء وتنوع في التناول.
موضوعة العين :
اشتغل الشاعر على هذه التيمة بنوع من الحذر الذي يتوخى عدم السقوط في الابتدال ويتضح ذلك من صياغة الشطر الشعري اذ نجد في قصيدة (أصداء تافهة) ص 9 تزاوج فني بين مجموعة من الموضوعات التي تؤدي وتوصل الى العين ( ذراع مبتورة ..تخترق أصابعها ..عيون النشاز) أما في قصيدة( الحمل) ص 17 فان العين تصبح ساحة لتجسيد فعل معين ( لأجلك..ولأجل حرب الاشاعات المغتصبة في عينيك)وهو نفس السياق الذي حضرت فيه العين في نص( الجوزاء)
ص 18 حين يقول الشاعر يحتضنك ريح المساء ..وقليل من الليل يبيض في عينيك) في بداية النص لنهيم نفس النص بنفس الموضوع ولكن في استفهام جديد.( فهل في العينين متسع للتفريخ ) انالشاعر هنا يتوسل بأسلوب الاستفهام ليقرر واقعا حاصلا في ذهنية الشاعر .نفس الموضوعة تحضر في نص ( السرطان) ص 19 ولكن بصيغة الفاعل والمؤثر بعد أن كانت العين مجرد فضاء لا متناهي يقول الشاعر ( وجهك البليل بندى الحمق ..تجففه أشعة عينيك) ثم يختلف المعنى دون أن يختل المبنى في نص(العذراء) ص 20 والذي أصبحت فيه العين وثنية :يقول الشاعر:( لم حين يعيرك الليل عينه الوثنية..تختلج نوافذ الضوء ) ان السؤال هنا فلسفي أكثر من طبيعته الأدبية .وهو شيئ جميل عند الشاعر اللغافي.
تيمة الصباح:
يوظف الشاعر اللغافي موضوعة الصبح بأشكال متنوعة اذ في الوقت الذي يحضر فيه الصبح كوجه يتقمص الليل كما في نص(أصداء تافهة) ص 9 نجد استعمالا آخر لنفس الاطار كما هو حاصل في قصيدة ( الاثنين) ص 13 حين يتحول نفس الصباح الى امتداد أكبر وأعم ليأخذ نفس الموضوع منحى آخر مثلما توضفه قصيدة ( الدلو) ص 23 التي يحضر فيها الصبح لا يهم الشاعر زمنه ولا مبتداه ولا نهايته بل الذي يهم في الاستمال الثالث هو وصف الصباح بحديدية أعصابه ( تشرق تطلعاتك في صباح أعصابه من حديد )( الدلو) ص 23 وفي نفس الصفحة نجد استعمالا رابعا للصباح حين يصبح مجرد لحظة للفعل وهو هنا تناول بن الصباح مثلما هو واضح من نص ( الحوت) ان اجادة استعمال هاته الموضوعة يظهر الى أي حد يتجاوز الشاعر لعبة الكلمات الماكرة خصوصا في مرحلة رلادة النص ..كما يبرز عناية الشاعر بالنص كوحدة متكاملة لا خطر فيها على المعنى ...الرسالة من ثراء وتنوع اللغة التي قد تتحول عند البعض الى هدف في حين أن اللغة كائن حي قابل للتكيف مع ما يراد طرحه ..وأعتقد أن الشاعر اللغافي يشتغل وفق مفهوم معين من الحداثة الشعرية التي لا تنبني الا بعد هدم وتخريب ما هو سائد من أنماط عفا عليها الزمن وهو ما يطرح على شعراء اليوم اشكالية اللغة الغالبة لاحتواء هذه الحداثة التي لم يعشها الشعر العربي الحديث بل عاش ما وراء مرحلة الحداثة مما يطرح مسألة الأفق الحياتي للشعر كابداع انساني ظل وسيظل ما بقي على وجه الأرض حياة.
موضوعة الأصابع:
موضوعة الأصابع :
هي أكثر الموضوعات حضورا في ديوان( الكرسي) ودليل حضورها القوي هو افتتاح الشاعر للديوان بها. بل انها تحتل الشطر الأول من الاهداء ( الى الأصابع الحالمة _ أصابع بترها مقص النطالة ) ومن هذا ىالهداء تمتد الأصابع في القصيدة الأولى ( لغم يتنفس في الرئة ) الصفحة 8 :( التصق أصبعه الشاهد بزر البندقية ) فالأصبع الشاهد هنا هو جزء من كل (اليد) وهذا الكل يفرض نفسه على الشاعر في نفس النص حين يقول (يد ترقص بعيدا عن جسمها ) نفس الفاعل ( الأصابع )يأخذ اطارا جديدا حين يتحول من الجزء من الكل ثم الكل الذي لا يغيب الجزء نجد أن الأصابع في نص ( رؤيا) ص 12 طرفا أساسيا في معادلة المودة ( بين أصابعي والكرسي ..أكثر من مودة ) ليحل التباعد محل المودة في نفس المكان ( لكن الكرسي في مكان.. وأصابعي في مكان ) ان التضاد مقصود عند الشاعر هنا لأنه جوهر ما يريد الشاعر الوصول اليه ..ومن خلال تصفح قصائد الديوان نجد أن موضوعة الأصابع حاضرة في كل النصوص تقريبا ..لكن هذا الحضور يتأثر بالنص وبطبيعته وبطوله أو قصره مما يوحي بقدرة الشاعر اللغافي الفائقة على نحت المعنى من نفس مكونات الكلمة الواحدة وهاته القدرة لا تتولد من فراغ بل من هاجس دور اللغة في ابراز الأدب ودور الأدب في تطوير اللغة قصد تطويعها وبالثالي امكانية استغلال الأدب والابداع لامكانات اللغة الكثيرةفي تحديد نوعية التعبير والرسالة التي يروم المبدع ايصالها الى المتلقي القارئ.
موضوعة الكرسي:
تحضر هذه الموضوعة في عنوان الديوان مما يوحي للقارئ قبل قراءة الديوان بأن المعنى يتضمن احالة على رمز قد يكون سلطويا أو ماديا يكتسب قوته من سلطة المال ،وقد يحيل على معنى المعرفة والتطلع الى العلم من خلال كرسي الجامعة مثلا ،وقد يعني أشياء أخرى لكن جميل اللغافي في هذا الجانب هو عدم وجود أي نص شعري يحمل نفس العنوان .وهذا الاختلاف عن السائد يحيل مرة أخرى الى ولع الشاعر بالمقامرة وتوسله أحيانا الى الوصول الى المعنى من خلال غموض لا يلبث أن يزول مع تقدم القارئ في سبر أغوار النصوص وقد ترصدت هذا المعطى كل الديوانوقصائده لأكتشف أن الكرسي بكل ما يحمل من احالات ورمزية لا يوجد في كل الديوان المسمى به الا مرتين ،ولكن بشكل مكثف وقوي الحضور ، الأول في قصيدة ( رؤيا ) ص 12 فالقصيدة تتكون من 12 شطرا شعريا يحضر فيها الكرسي ومن خلالها 5 مرات ( تحت الكرسي- فوق الكرسي -ينتفض الكرسي -بين أصابعي والكرسي -لكن الكرسي في مكان ) وأنتم تلاحظون دون شك أن هذا الحضور مختلف من صورة الى أخرى وهي دون شك ميزة شعرية أخرى من مميزات هذا الشاعر العصامي.
الحضور الثاني لتيمة الكرسي تجدها في نص ( الميزان ) ص 21 علما أن هذا النص يخالطه نوع من النثر المشعور أو الشعر المنثور، وفي هذا النص يكون الكرسي مجرد أداة لفضح واقع الوهم يقول الشاعر ( لا أحد ينازع في كون الكرسي الذي أوهمك في لياليك الضالة كان فقط قطعة طبشور في الواجهة ) يحفل الديوان أيضا ببعض المميزات من قبيل تنوع طريقة كتابة الشعر عند اللغافياذ يظهر أنه يتعمد ازالة هاته الفوارق الموجودة فعلا بين الشعر والنثر ،كذلك يترك حرية واضحة للقصيدة في أن تحكم هي على شكلها ومضمونها وامتدادها على صفحات الديوان ..ثم هاته الصور الشعرية التي تطل من وراء الكلمات ، القد استوقفتني طويلا هاته الصورة الشاعرية الجميلة في النص الأول ( لغم يتنفس في الرئة ) حين يكثف المعنى ( حثى طائر السنونو لم يعد في حاجة الى لم حقائبه )فالسنونو ملازم للرحيل والحقائب تحيل أيضا على السفر والاغتراب أو هاته الصورة المعبرة في نص ( أصداء تافهة ) ص 9 حين يقول ( الليل يتقمص وجه الصبح )أو ( الرؤية لم تعد واضحة في هذا الهزيع ...والغسق انفلث من بؤبؤة الضوء) .
هو مجهود طيب ومشكور هو ابداع يفرض نفسه على الساحة ..هو اسهام هام وفاعل في خلخلة الراكد في الحياة الشعرية المغربية ..فتحية ابداع وتقدير لهذا الشاعر الذي يكسر رتابة صمت فكري مطبق يمارس علينا وعلى ضواحي مدننا المهمشة . أخي الشاعر محمد اللغافي دام لك الشعر ، ودمت مبدعا في حوزة الشعر ديوان العرب الأول .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.