مازال طلبة مدينة العرفان بالرباط، وإلى اليوم، يتداولون في ما بينهم، وبكثير من السخرية، قصة الطالب الشهير المسمى العربي. ولمن لا يعرف قصة العربي هذا، فهو طالب جاء إلى الرباط من مدينة مغربية بعيدة تسمى ورزازات، وكان يدرس بواحدة من الكليات الطبية المعروفة في الرباط، كما كان من الطلبة المتفوقين في الرياضيات والنشاط العلمي، لكن هذا الطالب كانت تربطه دائما علاقة عداوة بيوم الامتحان، فقد كان يهضم كل الدروس وينجح في كل المواد التطبيقية الطبية، لكن لا أحد يعرف أين يذهب يوم الامتحان، ولمدة 3 سنوات متتالية ظل مكان العربي فارغا يوم الامتحان إلى أن اضطرت إدارة الكلية التي كان يدرس بها إلى طرده من مدرجاتها. ما لا يعرفه العديدون هو أن غياب العربي عن يوم الامتحان المتكرر لم يكن بمحض إرادته، ففي السنة الأولى اضطر إلى التغيب بسبب أن صديقه الذي كان يقطن معه بالسكن الجامعي غادر الغرفة باكرا يوم الامتحان، ومن شدة الخوف نسي مفتاح الغرفة معلقا في «السقطة»، ولسوء حظ العربي فقد كان يسكن في الطابق الأخير لإحدى بنايات الحي الجامعي «السويسي1»، وظل يصرخ بقوة ويطلب الإنقاذ والإغاثة طيلة اليوم وفي الأخير اقتنع بسوء حظه وعاد إلى النوم، وكرر السنة الأولى. في السنة الثانية، سيغيب العربي أيضا عن مدرج امتحان آخر السنة، ولكن هذه المرة كان المصاب جللا، فيوما واحدا قبل انطلاق امتحانات آخر السنة سيفقد العربي والدته، التي ظلت تصارع مرضا خبيثا فترة طويلة من الزمن، وهو ما كان يدفع العربي إلى الدراسة بكل ما أوتي من قوة من أجل أن ينجح في اختباراته الطبية في أسرع وقت، لكي يتخرج طبيبا ويستمر في البحث مستقبلا لكي يجد دواء يشفي أمه من المرض الخبيث الذي دمر جسدها، لكن هذه الأخيرة سترحل قبل أن يتمكن ولدها الطموح من تحقيق حلمه بشفائها، وسيكرر للمرة الثانية. في السنة الثالثة سيغيب العربي مرة أخرى عن الامتحان السنوي، وكان ذلك بالضبط سنة 2006، عندما بدأت المواجهات العنيفة بين الطلبة الصحراويين، وبوليس «كرواتيا»، و هي المواجهات التي صادفت «لسوء حظ العربي»، الأيام الأولى للامتحانات، حيث أغلق الصحراويون أبواب الأحياء الجامعية، وبدأت أكياس الحجارة وقارورات البنزين تدخل «السويسي1»، وفي ثاني أيام الامتحانات ستنطلق المواجهات وسيبدأ القصف الصحراوي بالحجارة وستحل جيوش «كرواتيا»، هذه الأخيرة التي سيكون أول ضحايا تدخلها هو العربي «المنحوس»، حيث سيفقد وعيه وسينقل على إثر ذلك إلى المستشفى، فيما كان الطلبة الصحراويون قد استقلوا القطار الأخير المتوجه إلى العيون. ولحسن الحظ أن العربي قد قرر بعد كل هذا الوقت تغيير مكان الدراسة وانتقل إلى الدارالبيضاء، فلولا ذلك لكان كرر هذه السنة أيضا، لأن علاقة العداوة التي تجمعه بيوم الامتحان راسخة رغم الداء والأعداء. ومادام العربي شاباً يحب أن يتوقف أزيز الذبابة من حوله عندما يكون في مرحلة «البريباراسيون»، فإنه لم يكن ليتمكن من الدراسة هذه السنة بسبب السهرات الليلية التي ينظمها مهرجان موازين بالمنصة القريبة من مدينة العرفان، ولأنه يحب ويتني هيوستن وأصالة نصري وصابر الرباعي وفضل شاكر، فمن الطبيعي أنه لن يضيع سهرة واحدة من سهرات هؤلاء. وربما هذا ما دفع، العديد من طلبة مدينة العرفان، منذ يومين، إلى كتابة بيان استنكاري يحتجون فيه على منظمي مهرجان موازين لتنظيمهم هذه الدورة بالموازاة مع فترة الامتحانات، وهو أمر منطقي، فإذا تم وضع امتحان القانون الدستوري في كفة ونانسي عجرم في الكفة الثانية فالأكيد أن نانسي ستكون الرابحة، أما إذا انضاف إلى كفة عجرم كل من هيوستن والشاب بلال ولمشاهب وناس الغيوان وآش كاين، فالأكيد أن مادة القانون الدستوري ستذهب إلى الجحيم وطلبة الطب سيفضلون فيزياء جسد نانسي عجرم بدل اختبار «لاناتومي» الممل. الأكيد أن لا أحد سيهتم ببيان الطلبة لأن المنظمين لن يضحوا ب3 مليارات و200 مليون من أجل بعض الكلمات الطلابية الحماسية، لكن الأكيد أنه لازال بين الطلبة اليوم أشخاص يشبهون العربي «المنحوس»: أشخاص لا يجدون من يفتح لهم الباب يوم الامتحان، وآخرون يكدون بجد من أجل إنقاذ أقربائهم، وآخرون لا يستطيعون الإعداد للامتحان إلا إذا توقف الضجيج حولهم، وحتى صوت الموسيقى. إنه حقهم، فخفضوا الصوت قليلا.