يجد محمد قاوتي، رئيس التعاضدية الوطنية للفنانين، نفسه في وضع الرامي والمرمى في نفس الآن، بسبب «تعاضديته» الجديدة على ساحة العمل التعاضدي في المغرب، وبسبب كون القطاع الفني في البلاد هو في الأصل قطاع مهلهل وغير منظم ويعاني من ترسبات مرضية يصعب اليوم إيجاد علاج سريع لها.. ثم هناك عنصر الثقة في وليد يدخل مدعوما إلى غابة متشعبة وبلا منخرطين. في هذا الحوار مع قاوتي نقف على بعض من كل. قال محمد قاوتي، رئيس التعاضدية الوطنية للفنانين، في حديث ل«المساء»، إن انطلاق الحملة التواصلية مع الجسم الفني المغربي، من أجل استكمال الانخراطات وأداء الاشتراكات القانونية في التعاضدية الوطنية للفنانين، يدخل في إطار السياسة التواصلية التي ينهجها الجهاز المسير للتعاضدية والتي تم التوافق عليها كخطة عمل في الأمد المنظور، من أجل التحسيس بأهمية تفعيل العمل التعاضدي في إطار التعاضدية الوليدة للفنانين المغاربة. وقال إن اللقاءات التي قامت بها التعاضدية في عدد من المدن المغربية هي سلسلة مترابطة في روزنامة تفعيل العمل التعاضدي، في أفق تحقيق تواصل أكبر وعن قرب مع جميع الفنانين المغاربة. واعتبر أن المؤتمر التأسيسي، الذي حضره 2200 من المشاركين من الفنانين المغاربة، يؤشر على أهمية الفعل التعاضدي بالنسبة إلى 11 مهنة من مهن الثقافة والفنون، والتي تستقطب في صفوفها رقما مهما من الممارسين في المجال الإبداعي. وأكد أن هؤلاء يحتاجون بشكل استعجالي إلى تغطية صحية لهم ولعائلاتهم، وأنه لا مجال اليوم لإهمال هذا الجانب من قبل الفنانين مهما كانت الذرائع والتبريرات، لأن الأمر يتعلق في حقيقته بمستقبل عائلات وأسر وبوضع لا يمكن إهماله أو تجاوزه تحت أي سبب من الأسباب. ووصف محمد قاوتي هذه اللقاءات التواصلية بالمهمة، لأنها توضح بعض الأمور التي ساهمت جهات معينة محسوبة على القطاع الفني في الترويج لها ولشائعات مغرضة مضرة بالتعاضدية، وقال: «نحن لم نكد ننطلق بعد حتى لاحقتنا الشائعات، وبدأ نوع من جلد الذات الفنية يظهر في العديد من التعبيرات ومن طرف بعض الفنانين أنفسهم، وهذا يدل على محاولة البعض خلق التباس مقصود وجر هذه المحاولة الأولى في تاريخ المغرب الفني إلى الجدار، وذهب إلى أنه لا يحب أن ينخرط في مهاترات من هذا النوع ولا الدخول في معركة لا معنى لها مع حاضر غائب. ولم يوضح قاوتي طبيعة الجهات التي تتحرك ضده وضد التعاضدية، غير أنه أكد أن هذه الشائعات لا يمكن أن تنال من شرف المحاولة الكبيرة التي تنجز في مغرب اليوم والتي ستكون لها نتائج مهمة على صعيد الجسم الفني في البلاد بعد أكثر من خمسين سنة من الإهمال واللامبالاة. وأشار قاوتي إلى أن المكتب المسير وضع خطة محكمة عمادها الانكباب على الانخراطات وتوسيع دائرة المنخرطين، لأنه لا يمكن أن تقوم لأي عمل تعاضدي قائمة بدون منخرطين مهما كان حجم الدعم الرسمي أو الخاص المقدم إليه، وقال: «لقد وضعنا استراتيجية للتواصل مع سائر الفنانين والمبدعين، في عموم التراب الوطني، من أجل تعبئتهم وتحسيسهم بأهمية هذا الإنجاز، وتحفيزهم على المساهمة والمشاركة الفعالة لإنجاحه وضمان ديمومته. وفي هذا السياق، يقوم المكتب المسير، بمساهمة سائر المناديب، بتنظيم جولات تواصلية في مختلف جهات المغرب للتواصل المباشر مع المعنيين بالأمر، ويتعلق الأمر بالفنانين والمبدعين المنتمين إلى المهن التالية: الفنون الدرامية وفنون الموسيقى والفنون الشعبية والفنون التشكيلية والتصوير الفني والرقص والآداب والسينما، وفنانو السمعي البصري والتقنيون المرتبطون بمهن الفن والثقافة والمستخدمون المرتبطون بمهن الفن والثقافة». وقد شمل الشطر الأول من الجولة التواصلية مدن مراكش والصويرة وأكادير في أفق تغطية كل جهات المغرب، وستليها في الأسبوع الأول من الشهر القادم لقاءات في كل من مدينتي الرباطوالدارالبيضاء. واعتبر قاوتي أن السقف الأدنى لكي ينطلق العمل التعاضدي بشكل موفق هو توفرها على 2000 منخرط، وفي هذه الحالة يمكن أن تقف التعاضدية على رجليها، كما قال قاوتي. وأشار إلى أن توقع تحقيق هذا الرقم في السنة الجارية ممكن طبعا، وقد باشرت التعاضدية منذ الآن سلسلة إجراءات منها تجهيز المقر الاجتماعي للتعاضدية، ويوجد في الدارالبيضاء، حتى يكون في أتم الجهوزية، وهو مقر مستأجر، على أساس أن تتوفر التعاضدية في القريب على مقر في ملكيتها، وقد تقدمت في هذا الشأن بطلب إلى الجهات المختصة. وحول ما إذا كان شركاء التعاضدية أوفياء لالتزاماتهم، أكد قاوتي أن «مساهمة كل من وزارة الثقافة ووزارة الاتصال ماتزال قائمة، ونسعى إلى توسيع دائرة المساهمين أو الداعمين للعمل التعاضدي الخاص بالفنانين». وتوصلت تعاضدية الفنانين بحوالي 10 ملفات صحية لفنانين وفنانات مغاربة، أمراضهم تدخل في إطار الحالات الصحية المؤمن عليها، وإن كان التأمين الصحي التعاضدي يؤمن على جميع الأمراض بما في ذلك السوابق الصحية دون اشتراط حد أدنى للسن، ووصف قاوتي تعاضديته بالتعاضدية المناضلة. وحول التخوفات التي يبديها البعض من أن تبور أموال التعاضدية، قال قاوتي إن كل التخوفات مشروعة، غير أني أطمئن الجميع إلى أنه من الصعب تماما، أن يتم العبث بأموال التعاضدية بسبب وجودها تحت طائلة الرقابة المالية لوزارة المالية، وهي رقابة بعدية، زيادة على الرقابة القبيلة التي يمثلها المجلس الإداري، والذي يخول له القانون أن يقيل المكتب المسير أو يدعو إلى جمع عام يتم فيه تصحيح ما يراه انحرافا في العمل التعاضدي. وقال قاوتي: «إن الهدف النبيل الذي نسعى إلى تحقيقه، والمتمثل في الحرص على استفادة الجسد الثقافي والفني ببلادنا من تغطية صحية لائقة بالقيمة الاعتبارية التي يحظى بها المبدعون، جعلنا نتخذ اختيارات ثابتة وحاسمة في ما يتعلق بمسألتين أساسيتين قلما نجدهما في تجارب أخرى، ويتعلق الأمر هنا ب: أولا: التعاضدية الوطنية للفنانين لا تشترط حدا معينا ولا سقفا محددا في الجانب العمري للمنخرط، بحيث من حق أي فنان أو فنانة الانخراط في التعاضدية مهما كبر سنه ومهما بلغ من العمر عتيا، لأن المبدع لا يفارق الحياة الإبداعية إلا إذا فارق الحياة بيولوجيا. ثانيا : تتحمل سلة المعالجات في تعاضديتنا سائر الأمراض مهما بلغ حجم خطورتها وصعوبتها، ولا نشترط على المبدع أن يكون خاليا من أي مرض قبل الانخراط، فالتعاضدية تستقبله بسوابقه الصحية. من ثمة، يحق لنا أن نسمي تعاضديتنا بالتعاضدية المناضلة، لأن قيمة النضال ستظل حاضرة كعنوان رئيسي لاشتغالها، فهي تعاضدية مناضلة لأنها تتمثل خصوصيات الفنان والمبدع والمثقف وحساسيته المرتبطة أصلا بكينونته وطبيعة اشتغاله ونمط عيشه؛ وهي تعاضدية مناضلة لأنها جاءت بفضل تضافر جهود مجموعة من المناضلين المكتوين بالهم الثقافي والفني ببلادنا.. مناضلون وجمعيات ونقابات مهنية تحالفوا في إطار ائتلاف وطني مؤسس على قاعدة هدفية مدققة وواضحة المعالم، ومن بينها الرعاية الصحية لنساء ورجال الفن والإبداع. فبفضلهم تحقق هذا الإنجاز الحضاري الرائع، وبفضلهم أيضا ستنمو هذه التعاضدية وستستمر متألقة لتكون في خدمة الجميع.