الكفاءات المغربية في دبي تنافس الكفاءات الغربية من أمريكيين وفرنسيين وليس فقط الكفاءات الإماراتية، فهم منتشرون في قطاعات متنوعة، مدراء شركات، أصحاب فنادق، مستثمرون ماليون في البورصة ومستشارون في المال والأعمال، هذا بالإضافة إلى قطاعات الإعلام والسياحة، إلا أن هذه الأطر تعمل في صمت، بعيدا عن ضوضاء الإعلام، الإعلام الذي لا يهتم سوى بالظواهر الشاذة التي تسيء أحيانا إلى سمعة بلد بأكمله. في قاعة الشاي بأحد فنادق مدينة الإنترنت بدبي، حيث يعمل الشاب المغربي فيصل مسؤولا سياحيا، اجتمع الأصدقاء المغاربة حول «براريد» شاي مغربية صغيرة، قطعت آلاف الأميال التي تفصل بين المغرب ودولة الإمارات لتؤنس هؤلاء الأصدقاء في جلساتهم المسائية، التي يجتمعون فيها ليرووا ظمأهم إلى كأس شاي منعنع بالرزة، اعتادوا أن يحمله إليهم نادل هندي ومعه قطعة حلوى «غريبة». من بين الموجودين يسهل التعرف على عمر المخفي، صحفي مغربي ورئيس تحرير نشرة ومقدم الأخبار الاقتصادية على شاشة تلفزيون دبي، كما يسهل التعرف أيضا على أنس بوسلامتي، صحفي سابق بالقناة الثانية المغربية ورئيس تحرير ومنتج حاليا بتلفزيون دبي، الباقون رغم أنهم ليسوا بمشاهير إلا أنهم لا يقلون أهمية في البلد الذي يعيشون فيه عمن يجالسون، فهم يمارسون مهنا حيوية جدا لا يمكن أن يستغني عنها اقتصاد الإمارات. نادي المغاربة بالإمارات في الفترة الأخيرة تتكرر كثيرا اجتماعات هؤلاء الأصدقاء المغاربة، فهم يعدون لإنشاء نادي المغاربة المقيمين بالإمارات. وعن دوافع التفكير في إنشاء هذا النادي يقول عمر المخفي: «الهدف من إنشاء نادي المغاربة بالإمارات هو هدف اجتماعي بالأساس، إذ يوجد في دولة الإمارات ما بين عشرة آلاف وخمسة وعشرين ألف مغربي ومغربية وهؤلاء لا توجد أي هيئة منظمة يمكنهم من خلالها أن يجتمعوا ويحيوا صلة الوطن بينهم»، ويسانده بوسلامتي قائلا: «بالفعل، المغاربة في أمس الحاجة إلى مكان يلتقون فيه بصفة منتظمة، وقد برهنوا على هذه الحاجة الشهر الماضي عندما نظمنا ليلة مغربية اخترنا لها اسم «ميستيك كازابلانكا» تم إحياؤها بالدقة المراكشية والغناء الشعبي المغربي وحضرها أكثر من 160 شخصا من المغاربة الذين ضاقت بهم جنبات القاعة الصغيرة». لدى المغاربة المقيمين في دبي شعور بأنهم وجميع المغتربين في دول الخليج من أبناء جلدتهم منسيون، سواء من قبل السلطات أو من قبل وسائل الإعلام المغربية، فتجدهم يشددون بين الفينة والأخرى على ضرورة الالتفات إليهم وإلى مشاكلهم كما يتم الالتفات إلى مشاكل المغاربة المغتربين في أوربا، وهذا سبب آخر من الأسباب الذي جعلتهم يفكرون في إنشاء هذا النادي. «تحسين صورة المغرب في الإمارات هو أيضا من أهداف إنشاء هذا النادي المغربي» يقول بوسلامتي، ويستطرد فيصل: «التصقت بالمغرب للأسف صورة معينة مصدرها بعض المغربيات اللواتي تورطن في أنشطة لا تشرف، سواء برضاهن أو بغير رضاهن، ونحن نريد من خلال هذا النادي أن نبين أن للمغرب كفاءاته ووجهه الحضاري». ويعلق عمر المخفي: «هؤلاء المغربيات يبقين استثناء، ومن يعمم الظاهرة يكون متخلفا ومريضا، ولن نضيع وقتنا في تصحيح أفكاره». من قتل ابنة آسفي ؟ عندما تكون في دبي، ومع مغاربة دبي، لا بد أن تسمع بقصة ابنة مدينة آسفي التي توفيت مؤخرا في حادثة سير شنيعة في الطريق السيار لمدينة الأبراج الشاهقة دبي. قصة هذه الفتاة باتت نموذجا لظاهرة جشعة استشرت في السنوات الأخيرة تتجلى في استقطاب عدد من السماسرة والوسطاء لمغاربة ومغربيات إلى الإمارات مقابل مبالغ مهمة، ثم استغلالهم أو رميهم في الشارع بمجرد وصولهم إلى الإمارات. كانت ابنة آسفي فتاة جميلة في العشرينيات من عمرها عندما وصلت إلى دبي. قبل ذلك كانت تعمل في مركز للاتصالات الهاتفية بالدار البيضاء بحكم إجادتها للألمانية والفرنسية، ولأنها حاصلة على دبلوم في الفندقة اشترت من أحد الوسطاء تأشيرة إلى الإمارات بمبلغ ثلاثة ملايين سنتيم، ولما وصلت إلى الإمارات وجدت نفسها محجوزة في بيت مجهول، في انتظار أن تنتهي مدة تأشيرتها، فيتم استغلالها في أعمال غير مشروعة تحت طائلة تهديدها بالترحيل إلى المغرب في أية لحظة، غير أنها تمكنت بمعجزة أن تهرب من محتجزيها، حيث ساعدها أحد المغاربة على العمل في مطعم الفندق الذي يعمل فيه فيصل، لكنها وقبل أن تفرح بحياتها الجديدة توفيت في حادثة سير مميتة، ليجمع لها المغاربة هناك بعض الأموال ويبعثوها في نعش إلى آسفي. ويبقى السؤال الملح: من هم المجرمون الذين يقفون وراء شبكات جاءت بهذه الفتاة ومثيلاتها لتموت في دبي؟ دبي ولا مكان غيرها محمد الكحودي، 44 سنة، مغربي من الريف، ولد وتربى في فرنسا، ويعرفها أكثر مما يعرف المغرب، حتى إنه لم يتعلم العربية إلا في سن متأخرة. تخرج سي محمد من جامعات فرنسا بدبلوم عال في الاقتصاد والمالية وعاش في فرنسا إلى غاية عام 2005 حيث يشتغل منذ خمس عشرة سنة في شركة بترول فرنسية أمريكية، سألنا سي محمد: «هل طلبت الانتقال إلى دبي أم فرضت عليك الشركة ذلك؟» فأجاب مبتسما: «لقد كنت أحلم أنا وأسرتي باليوم الذي نأتي فيه للعيش هنا». أشياء كثيرة كانت تنغص على محمد عيشه في فرنسا رغم الراتب المرتفع الذي كان يتقاضاه في شركة البترول، وعلى رأسها السلوكات العنصرية لبعض الفرنسيين، كما أنه وزوجته كانا يريدان لأبنائهما أن يترعرعوا في بلد إسلامي يسمعون فيه المؤذن عندما ينادي إلى الصلاة. وعن دراسة الأبناء قال محمد بعربيته التي هي أقرب إلى الفصحى من الدارجة: «أنا متزوج ولدي أربعة أبناء كبراهم تدرس في الباكالوريا في مدارس البعثة الفرنسية بدبي، وبالتالي ليس لدي أي مشكل في تدريسهم بدبي، خاصة وأن الشركة هي من تتكفل بمصاريف المدارس إلى جانب توفير السكن وتذاكر الطائرة إلى المغرب خلال العطل السنوية». ولكن هل أصبحت دبي قطعة من الجنة بالنسبة إلى سي محمد الكحودي؟ إن لم تكن دبي قد أصبحت كذلك فلسبب واحد وهو أن تكلفة المعيشة قد ارتفعت كثيرا في الثلاث سنوات الأخيرة. «لو فتحت الشركة التي تعمل فيها فرعا بالمغرب هل تنتقل إلى «لبلاد»؟ بلا تردد أجاب سي محمد بعد أن أفرج عن تنهيدة عميقة: «نعم بالطبع، فأولادي يعشقون بلدهم ويقضون فيه ثلاثة أشهر في السنة». لا غربة في دبي الكفاءات المغربية في دبي لا تنشط فقط في مجال البترول بل في مجالات أخرى عديدة مثل البورصة والأبناك، السياحة، الإعلام، التكنولوجيا الحديثة وغيرها. مصطفى الفاروق، ابن القنيطرة، يشغل منصب مدير العقود في شركة كبرى لخدمات الأقمار الصناعية، وهو في الأصل مترجم محترف، هو وزوجته من خريجي مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، حاصل أيضا على «إم بي إي» في إدارة الأعمال. عمل الفاروق في السعودية مدة أربع سنوات ثم ساهم في تأسيس شركة الأقمار الصناعية التي يعمل فيها حاليا في دبي. بالنسبة إلى الفاروق الإحساس بالغربة ينتفي نهائيا في أي دولة عربية وليس فقط في دبي، حيث يقول: «7 في المائة من وقت عملي كان عبارة عن أسفار في أوربا، لكن مهما عاملوني معاملة «في أي بي» إلا أن أوربا تبقى بالنسبة إلي بلاد الغربة». وعن الرجوع إلى المغرب يقول مصطفى: «فكرة الرجوع إلى المغرب تبقى قائمة طبعا، لكني حاليا مرتاح هنا أنا وزوجتي وبناتي الثلاث اللواتي يدرسن في مدارس البعثة الفرنسية وتتكفل الشركة بمصاريف تمدرسهن». ويستطرد الفاروق: «كل شيء في دبي يناسبني، باستثناء أنه في الإمارات لا يمكن لغير المواطنين الحاملين للجنسية الإماراتية أن ينخرطوا في أي صندوق للتقاعد». جنة الإعفاءات الضريبية ما كان للصحفي ورئيس قسم المراسلين بقناة العربية نجيب بن الشريف أن يخالف أصدقاءه الرأي وهو الذي فضل الحياة في دبي على الحياة في لندن. «فرص العمل هنا أفضل منها في أوربا، على الأقل هنا في دبي لا تفرض الحكومة ضريبة على الدخل» يقول نجيب بن الشريف، الحاصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية بالمغرب، والذي عمل في وكالة المغرب العربي للأنباء بالمغرب في أواخر السبعينيات قبل أن يعمل بعدة جرائد مغربية ثم ينتقل إلى عاصمة الضباب ويقضي فيها حوالي ثماني عشرة سنة في العمل الصحفي ما بين هيئة الإذاعة والتلفزة البريطانية بلندن (بي بي سي)، ووكالة أنباء لندن و «إم بي سي». ظل بن الشريف يعمل في تلفزيون الشرق الأوسط «إم بي سي» إلى أن نقل هذا الأخير مقره الرئيسي إلى دبي للاستفادة من الإعفاءات الضريبية التي توفرها دبي. بالنسبة إلى بن الشريف كان الانتقال صحيا، له ولأسرته، فهو اليوم في بلد عربي وإسلامي يمكنه أن يربي فيه أبناءه بكل اطمئنان، لا يعكر عليه صفو إقامته سوى عبء مصاريف المدارس الإنجليزية التي يدرس فيها أبناءه بدبي والتي لم يكن يدفع مصاريفها في لندن حيث التعليم مجاني. بنشريف هو أيضا ممثل الجالية المغربية بدول الخليج في مجلس الجالية المغربية بالخارج. إدريس بلمليح، مغربي آخر في دبي، مكتوب على بطاقته المهنية قائد برنامج ومدير امتيازات»، يعمل في شركة مالية تبيع للبنك حق استعمال الكارت البنكي وهو خبير في تدبير مخاطر المعاملات البنكية. درس بلمليح العلوم المالية في أمريكا، ثم التحق بدبي بعد أن شجعه أصدقاؤه على القدوم إلى دبي وهو ما حصل عام 2000. يقول بلمليح: «لكي أحصل على وظيفة جيدة في أمريكا كان علي أن أحصل على الماستر، أما العمل في نظام فرانكفوني سواء في فرنسا أو في المغرب فلا يناسبني لأنني أجده نظاما بيروقراطيا يصعب تسلق سلمه الوظيفي بسرعة كما هو الشأن هنا، لهذا فضلت الاستقرار في دبي، رغم أن الجو هنا حار جدا صيفا، ورغم التضخم الحاصل مؤخرا». الناس هنا يحترمون من تحترم نفسها ليس الرجال وحدهم من يشرفون وجه المغرب في دبي، هناك نساء مغربيات أيضا يقدمن صورة طيبة عن بلاد الأطلس الشامخ، ولو أنهن قليلات، وهؤلاء مهمتهن أصعب، في ظل الصورة السيئة التي انتشرت حول المغربيات إلى جانب المصريات واللبنانيات والروسيات في دبي. سهام السليماني، 29 سنة، فتاة مغربية مقيمة بدبي منذ فترة ليست طويلة، لكنها تمكنت من الوصول إلى منصب مديرة العلاقات العامة في منطقة الشرق الأوسط ككل، داخل شركة متعددة الجنسية معروفة في مجال إنتاج مواد التجميل. تقول سهام: «أنا من أسرة مغربية متوسطة، لكنني تخرجت من جامعة الأخوين بفضل مساندة مادية من أخوتي». كانت سهام تتمنى أن تصبح صحفية لكن الحظ لم يحالفها، فالتحقت بالجامعة واختارت أن تدرس العلوم السياسية والإعلامية لتتخرج عام 2005. تبدو سهام فتاة قوية الشخصية، وتؤكد ذلك بقولها: «هنا في دبي أهل البلد يحترمون النساء اللواتي يحترمن أنفسهن، ولا يتعدون الحدود»، تتنهد سهام وتواصل: «للأسف أضطر في بعض الاجتماعات إلى الحديث باللغة الإنجليزية وليس المغربية، حتى لا يحكم علي البعض أحكاما مسبقة سيئة انطلاقا من جنسيتي، أصبحت أخجل من أن أقول إنني مغربية، لا أقول إنني مغربية إلا بعد أن يعرفني الناس عن قرب ويقدروا كفاءتي وأخلاقي». أصبحت سهام تشعر بالمسؤولية أكثر من أي وقت مضى وتشدد على ضرورة مخاطبة الآباء في المغرب، «لا يجب السماح للفتيات الصغيرات اللواتي بالكاد حصلن على الباكالوريا بالسفر إلى دول الخليج، أما من لا تحمل سوى مهنا بسيطة مثل خياطة أو «كوافورة» فلتبق في المغرب خير لها لأنها هنا ستقع بسهولة بين براثن شبكات الاستغلال في الدعارة». جاءت سهام إلى دبي بعد أن عملت فترة في بعض الأبناك بالمغرب ثم قضت فترة تدريب في المركز الإعلامي بقناة «الجزيرة» بقطر، التحقت بعده بدبي بناء على نصيحة من زملائها الذين أقنعوها بأن دبي أفضل بالنسبة إليها من الدوحة. «فعلا، وجدت راحتي في دبي، هناك عدد كبير من الجنسيات المختلفة بحيث لا يشعر المغاربة هنا بأنهم أقلية، فسكان البلد أنفسهم لا يشكلون سوى 15 في المائة من مجموع السكان، والجميع هنا يتحدث الإنجليزية أكثر من العربية». سهام تكتب شعرا وتتمنى أن تتمكن قبل نهاية العام من طبع ديوانها الأول، كما تطمح إلى إتمام دراستها العليا بالجامعة الأمريكية بمدينة دبي.