ما حقيقة الأزمة المالية في دبي، كما تناقلتها كبريات صحف العالم، وأحدثت رجة في كبريات العواصم والبورصات العالمية؟ وهل حقا البلد هنا على حافة الهاوية التي لن تبقي ولن تذر؟.. هده بعض من الأسئلة التي حاولنا حملها إلى مصادر الخبر هنا في دبي، سواء في بورصة دبي أو الدائرة المالية العامة للإمارة، وخرجنا بخلاصات كبرى تؤكد أن ما وقع، فيه مبالغة كبيرة من الناحية الإعلامية خاصة من قبل الإعلام البريطاني، خاصة إذا ما استحضر المرء النتائج الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة ككل خلال السنة الجارية والتي تؤكد أن البلد يعتبر من بين الدول القليلة التي لم تتأثر كثيرا بالأزمة العالمية الخانقة، التي تهدد العديد من الاقتصاديات، لعل في مقدمتها هذه الأسابيع الاقتصاد اليوناني والإيرلندي والإسباني. بدليل أن تجارتها الخارجية قد سجلت ارتفاعا بنسبة 24 بالمائة وبلغ عدد سياحها هذا العام حوالي 8 ملايين سائح، وهو رقم قياسي في كل العالم العربي. الخلاصة التي خرجنا بها من لقاءاتنا مع مصادر المال والأعمال هنا بدبي، هي أن ثمة حقائق يراد تغييبها بشكل مبيت، لعل أولها هو تعمد الخلط بين واقع عمل المؤسسات المالية الخاصة وواقع الإدارة المالية الرسمية لإمارة دبي، حيث إن واقع شركة عملاقة مثل « شركة دبي العالمية» التي تعمل تحت إمرتها أكثر من 70 شركة إماراتية قوية وناجحة، مثل شركة موانئ دبي وغيرها، ليست هي شركات القطاع العام التابعة لحكومة دبي. وأن الخلط بينها فيه سوء نية، خاصة من قبل الإعلام الإنجليزي. مثلما أن سحب جزء من الودائع المالية لعدد من شركات دبي من بورصات وأبناك لندن، كمثال، هو الذي أحدث ردة الفعل العنيفة تلك، حتى والقانون ونظم العلاقات الاقتصادية العالمية تحمي ذلك الإجراء، مع التأكيد على أن أكبر شركات القطاع الخاص المتضررة هنا هي شركة النخيل للإعمار بسبب أنها واحدة من الشركات العملاقة العاملة في قطاع العقار، والتي عاشت طفرة هائلة خلال العشرية الماضية، بلغ حد بيعها لمشاريعها العمرانية وهي بعد على الورق في 4 ساعات، وعملا منها على ترجمة التزاماتها العمرانية التجأت إلى القروض من كبريات الأبناك الإنجليزية وغيرها للوفاء بالطلب المتزايد. ومع مجيء الأزمة المالية العالمية تراجع الطلب على العقار فوقعت الشركة في أزمة، مثلما تراجع المشترون، فأصبحت ملزمة بسداد قروضها. والحل الذي اختاره اقتصاديو البلد هنا ليس هو سداد ديون الشركة البالغة 3.5 مليار دولار، بل الإصرار على جدولتها، حتى والمؤسسة المالية الحامية في دبي تتوفر على احتياطي 5 مليارات دولار. الحقيقة الأخرى التي ينبه إليها خبراء المال هنا، هي أن مديونية دبي العامة تصل إلى 80 مليار دولار، مما يمثل حوالي 140 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وهو ليس مقلقا إلى الحد الذي بلغه الأمر في اقتصاديات أخرى مثل إيرلندة وإيسلندة التي تجاوز فيها الرقم 990 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، بل هو حتى قريب من الرقم الأمريكي نفسه البالغ 100 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، و 82 بالمائة بالنسبة لبريطانيا. وأنه في الحالة الخاصة بدبي، فإن الدولة هي الضامنة، خاصة وأن الرئة الاقتصادية للبلد أكثر عافية من غيرها. وعلى هذا الأساس فقد أكدت مصادرنا أن العلاقة مع المغرب، من خلال المشاريع المبرمجة، لن تتأثر كثيرا بتداعيات الأزمة المعلن عنها في الصحف البريطانية، اعتبارا لتميز العلاقات السياسية والاستراتيجية بين أبوظبي والرباط، وأساسا لأنه لا مجال فعليا لتعطيل تلك المشاريع المبرمة. لكن الحقيقة التي يجمع عليها الكثيرون هنا، خاصة في المجال الإعلامي الإماراتي المتخصص في الشأن الإقتصادي، هو أن هناك نية واضحة لتركيع دبي، من خلال الإصرار على إعادة إدماجها ضمن منظومة مالية واقتصادية، لا تمنحها الاستقلالية التي تتوفر عليها حاليا، والتي أساسها عائد ليس فقط إلى قوة شركاتها العاملة ذات الأذرع المتعددة، بل إلى أنها الفضاء الخليجي الوحيد الأكثر تقدما على مستوى الخدمات التي يوفرها للرأسمال الأجنبي، وكذا توفيره لبنية تحتية جد تنافسية وقوية، وأخيرا أنها اختارت انفتاحا ليبراليا واضحا يتماشى وشروط السوق العالمية. الخلاصة الأكبر هنا، هي أن هناك نية للإساءة لقوة دبي الرمزية ماليا واقتصاديا من خلال محاولة التشويش عليها، عبر تضخيم مشاكل قطاعية خاصة، وأن حجم تأثرها بالأزمة العالمية ليس بتلك الصورة الكارثية التي يصورها بها الإعلام البريطاني بشكل خاص.