تعيش الوحدات الصناعية، بالأحياء الثلاثة الكبرى بأكادير ‘’تسيلا، أيت ملول وأنزا»، غليانا بفعل الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات المتجددة تنديدا بما تسميه الشغيلة الصناعية بالأوضاع الاجتماعية المزرية التي مافتئت تتفاقم من يوم إلى آخر جراء السياسات المنتهجة من طرف أرباب المعامل الذين لا يطبقون، مدونة الشغل، حيث يبقى العمال كالعبيد داخل مصانعهم يقومون بكل شيء مقابل تعويض هزيل. وعزا عبد الله رحمون، الكاتب المحلي للاتحاد المحلي المنضوي تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، هذا الغليان إلى واقع التهميش والإقصاء واللامبالاة، حيث يعرف عمال الأحياء الصناعية داخل المعامل والمصانع ظروفا وصفها بالقاسية، إذ يشتغلون دون أدنى حماية اجتماعية وبأجور هزيلة لا تحترم حتى الحد الأدنى منها. ساعات إضافية مجحفة بمنطقة تاسيلا الصناعية التابعة للدشيرة الجهادية والتي تحوي أزيد من 280 وحدة إنتاج، عبر عدد كبير من عمال المعامل عن تذمرهم من الخروقات والتجاوزات التي تطال مدونة الشغل من قبل مشغليهم، مما ينعكس سلبا على استقرارهم المادي الاجتماعي والنفسي. وصرح هؤلاء المتضررون، بأن العمال سئموا من تمديد ساعات الشغل وعدم تحديدها بشكل انعكس معه ضغطها على حياة المستخدمين، خاصة منهم السيدات اللائي وجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين التزاماتهن البيتية وواجباتهن المهنية. تقول ربيعة، عاملة: «لم أجد حلا لساعات العمل الماراطونية داخل المعمل، مما أجج علي نقمة زوجي الذي طالبني بالتوقف رغم أنه في حاجة ماسة إلى هذا الراتب الهزيل ليسد به على الأقل جزءا بسيطا من فواتير الماء والكهرباء وحاجيات الأبناء. وكشف عمال آخرون بذات المنطقة الصناعية، الذين انتظموا مؤخرا في إطار نقابي للدفاع عن حقوقهم المادية التي اعتبروها مهضومة، عن حدوث تراجعات نعتوها بالخطيرة، مؤكدين أن جشع الباطرونا كان وراء إلغاء عدد من الأعياد الوطنية والدينية من قائمة العطل الإجبارية، بشكل أصبحت معه السيبة والفوضى عنوانا بارزا للعمل داخل هذه المعامل خصوصا مع موجة التضييق والتعسف التي طالت مجموعة كبيرة من العمال، حيث يكون مآلهم الطرد التعسفي بمجرد انخراطهم في العمل النقابي، منددين بالسياسة التي ينهجها المسؤولون من سلطات إقليمية ومفتشية الشغل ومفتشي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بسبب اكتفائهم بدور المتفرج من بعيد على قضيتهم، معللين ذلك بتواطؤ هذه الجهات مع الباطرونا. حصار ظالم حسب إحصاءات رسمية، فأيت ملول تضم 260 وحدة للإنتاج في وضعية اشتغال، وهو ما يمثل نسبة 33 في المائة من مجموع المشاريع المخصصة لهذه المنطقة الصناعية التي تشغل ما يفوق 37669 عاملا، وحسب تقارير نقابية، فإن الأوضاع الداخلية لمعامل ومصانع هذه الوحدة تعيش مأساة حقيقية في غياب التأمين الصحي والتصريح بالعمال بشكل قانوني وما يصاحب ذلك من كثرة حوادث الشغل بدون تعويضات تذكر وتفشي الأمراض المهنية. يقول محمد رنام، أحد العمال بهذا الحي الصناعي: «نمضي أزيد من 14 ساعة يوميا داخل المعامل التي نُجبر على الدخول إليها فجرا في حين لا يكون الخروج منها إلا مع آذان المغرب». وأضاف هذا العامل أن العمل يكون دون توقف ولا يستطيع المرء الخروج إلا للضرورة القصوى بعد أن يكون قد أخذ إذنا من الكابران مشفوعا بتأشيرة من المدير. وحسب رنام، فهذا التعقيد في المسطرة الداخلية هو ما يجعل أغلبية العمال يصرفون النظر عن طلب رخصة الخروج لصعوبة الحصول عليها تحت طائلة الاقتطاعات والتهديدات المباشرة وغير المباشرة بالتوقيف عن العمل، ويواصل رنام حديثه عن إكراهات العمل قائلا: «يحاول رب العمل التخلص من العمال بعد مدة سنتين حتى لا يراكموا أقدمية، كما أنه لا يلتزم بالحد الأدنى للأجور ولا يمتع العاملات والعمال بالتعويضات العائلية ولا يفعّل بنود التغطية الصحية، علاوة على كونه لا يصرح بكافة العمال، وهو ما دفع بالعمال إلى اللجوء، بعد استنفادهم لجميع محاولات الحوار والصلح، إلى تنظيم وقفات احتجاجية قصد تحقيق مطالب تخرجهم من دوامة أوضاعهم المتردية والمتمثلة في التشرد والضياع بعد أن تكون الباطرونا قد استنزفتهم بشكل فاحش مقابل خدمات أفنوا في تقديمها بتفان سنوات أعمارهم لتوسيع استثمار هذه المقاولات اللامواطنة. دفاع ضعيف يحكي بابا عبد القادر عن معاناة عمال المصانع بأكادير وحجم مآسيهم وعن مراحل طويلة من نضالهم واحتجاجاتهم التي اتسمت على الدوام بطابعها الدفاعي، بحيث تأتي غالبا للتنديد بتقليص الأجور أو للتعبير عن رفض سياسات تعسفية. وتأسف هذا المتقاعد من أحد معامل الزيوت بأنزا على كون نضال العمال لم يرتق ليتحول إلى الهجوم وفرض التراجع على السلطات وأصحاب المصانع ورؤوس الأموال، بحيث بقي دور العمال نتيجة هذه السياسات هامشيا، بل إن السلطات وأرباب العمل يتحكمون بشكل سافر في معيشة العمال ومستويات أجورهم وفق مصالحها تحت شتى التسميات والذرائع من قبيل تطوير الاقتصاد الوطني، تطوير مستلزمات الصناعة.. وأضاف الشيخ عبد القادر أن هذه السياسة تمارس لتجميد أو تقليص مستويات الأجور من أجل تحقيق أرباح للرأسماليين من أصحاب المشاريع الخاصة، بل إن كل قوانينها وتشريعاتها تخدم هذا الاتجاه، لأن الباطرونا، في نظره، تمتلك حساسية عالية جدا من أي شكل للتجمع العمالي أو تنامي أي حركة مطلبية، إذ يجد العامل نفسه حتى أثناء مطالبته بأبسط حقوقه يواجه سياسة الطرد.. إفلاس مع سبق الإصرار تعيش أزيد من 180 أسرة من أسر عمال مراخم الجنوب بتاسيلا أكادير، إحدى أكبر الوحدات الصناعية بشمال إفريقيا المتخصصة في إنتاج الرخام، أزمة خانقة منذ أزيد من 6 سنوات مباشرة بعد أن قررت إدارة الشركة وبدون سابق إعلان إغلاق هذه الوحدة الصناعية لتتحول بعد عقدين من الزمن إلى أطلال وخراب، وتظل بذلك العديد من الآليات والمعدات باهظة الثمن رابطة في مكانها يأكلها الصدأ، دون احتساب الأراضي الموجودة بالمعمل وكذا بمختلف المقالع المبثوثة على طول رقعة البلاد، ولم تفلح جملة من الأحكام القضائية التي صدرت لفائدة عدد من العمال المتضررين في حصولهم على رواتبهم ومستحقاتهم، لتستمر معاناتهم حتى إشعار آخر. ولا يختلف وضع 120 عاملا من عمال مطاحن أنزا الذين تشردوا بسبب توقف نشاط المؤسسة السنة الماضية بدون سند قانوني كثيرا عن وضع عمال مراخم الجنوب، ليظل العديد من العمال وأسرهم بمدينة أكادير يجترون معاناتهم في انتظار ما قد لا يأتي..