مرت تظاهرات واحتفالات واحتجاجات العمال في عيدهم العالمي أمس في أجواء عادية دون تسجيل أي حادث اصطدام مع قوات الأمن أو خروج عن مسار المسيرات السلمية التي جابت شوارع محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس في جل المدن المغربية، هذا على عكس بعض التخوفات التي كانت تخشى من تأثير حرارة حادث احتراق 56 عاملا في البيضاء وحرارة ارتفاع الأسعار على المناخ البارد الذي اعتاد العمال منذ سنوات على أجوائه. لليسار نقاباته، وللإسلاميين نقابتهم، ولليمين نقاباته وللذين اختاروا التعايش تحت سقف واحد نقاباتهم. بدت مدن المملكة وكأنها على موعد مع قبائل نقابية، كل واحدة اختارت مكانا خاصا وساحة بعيدة عن الأخرى حتى لا يقع الاحتكاك أو اختلاط الشعارات واللافتات والرموز. واختارت عائلات ضحايا محرقة معمل «روزامور» بليساسفة بالدار البيضاء مناسبة احتفال الشغيلة المغربية باليوم العالمي للعمال لتعلن عن التحاقها بضحايا سنوات الرصاص وسيرها ضمن طابور المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف في المسيرة التي نظمتها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالدار البيضاء صبيحة أمس الخميس. وحملت العائلات المكلومة صور أبنائها الضحايا وكتبت تحتها عبارة الشهيد. نوبير الأموي الكاتب العام للكونفدرالية، استهل خطابه، بالحديث عن هذه المأساة التي اعتبرها أحد مظاهر الجرائم الرأسمالية في حق الشغيلة المغربية، ووصف الحادث بالمحرقة السادية، معتبرا ما جرى جزءا من محرقة كبرى «كتب علينا وطنيا وقوميا وعالميا أن نتلظى فيها، وإن في ذلك لعبرة لمن يعتبر، وإن الخلاص بأيدينا». من جانبه، قال المحجوب بن الصديق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، إن ثلاثة أرباع أجراء القطاع الخاص بدون تغطية صحية ومحرومون من التقاعد، داعيا إلى الدفاع عن القدرة الشرائية للمأجورين وعموم الشعب. وانتقد الأمين العام لنقابة الاتحاد المغربي للشغل تضييق السلطات الخناق على الحريات النقابية ولجوءها إلى الفصل 288 من القانون الجنائي لتجريم ممارسة النشاط النقابي، مشيرا إلى وجود انتهاكات تطال مدونة الشغل يقترفها أرباب العمل. أما قيادة الاتحاد الوطني للشغل، الجناح النقابي لحزب العدالة والتنمية، فقد وصفت عيد العمال لهذه السنة، ب«عيد النار»، في إشارة إلى محرقة «ليساسفة». وقال إن العمال والمأجورين لم يعودوا يواجهون نار الأسعار فقط، وإنما أصبحوا يواجهون نيرانا أخرى، وهي نيران المعامل التي يروح ضحيتها عمال أبرياء يشتغلون في ظروف لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الكرامة. محمد يتيم، الكاتب العام للنقابة، حرص بدوره، في كلمة مطولة، على أن يترحم على ضحايا محرقة معمل صناعة الأفرشة، لكنه حذر من أن يكون مصير التحقيق في هذه المحرقة مماثلا لمصير التحقيق في حادث عمارة المنال في القنيطرة. وقال في هذا السياق: «لا نريد أكباش فداء صغيرة في معمل صناعة الأفرشة، بل المفروض أن يطال التحقيق كل المسؤولين عن هذه المحرقة بمن فيهم الذين أعطوا الترخيص بتشييد معمل لا تتوفر فيه معايير السلامة للعاملين فيه». محمد بنجلون الأندلسي زعيم الاتحاد العام للشغالين الذي يوجد حزبه في رئاسة الحكومة، قال عن الحادث إنه كارثة بمثابة رسالة إلهية جاءت قبيل احتفالات فاتح ماي لتسليط الأضواء على واقع المقاولات المغربية، كما تطرق إلى الحادثة المماثلة التي وقعت بمحل بحي التشارك بالبرنوصي. وعن الحوار الاجتماعي، استعرض كاتب عام النقابة بعض الجوانب التي قدمت في هذا المجال، وقال إنهم أمهلوا الحكومة مزيدا من الوقت باعتبارها لم يمض على تعيينها سوى 5 أشهر.