يوم 17 يناير 2008 تم الإعلان عن تأسيس «حركة لكل الديمقراطيين». نشر بيان صادر عن الحركة، وقعته، إلى جانب فؤاد علي الهمة شخصيات سياسية ووزارية سابقة وحالية، ونشطاء حقوقيون. وبعد حوالي شهر ونصف عن إعلان ميلاد الحركة، نظمت هذه الأخيرة ندوة صحافية، في منتجع، ضواحي الرباط، عاصمة المملكة، قدمت فيها نص أرضيتها، النهائي، كما صودق عليه في اجتماع 06-02-2008. تتخذ الأرضية لنفسها عنوانين: «من أجل حركة لكل الديمقراطيين» و»المغرب غدا». فهل تجاه مسار لحركة لكل الديمقراطيين يتوخى استبدال مجتمع الرعايا، بتدشين عصر الحداثة، مغربياً، غدا؟ ما هي المنطلقات؟ وما هي تمثلات «الحركة» للمغرب الآن والمغرب غداً؟ وهل ترانا إزاء إنتاج أو تفعيل حركية اجتماعية وسياسية ديمقراطية، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون بمثابة إعادة إنتاج لحلقة أو دائرة تبحث عن كائناتها «الديمقراطية» المفقودة؟ أهي حركة لكل الديمقراطيين أم هي دائرة للديمقراطيين المفقودين، في حالة دوران، في سديم الفراغ والسكون؟ تستند الحركة إلى أوليات أو منطلقات: - تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة (التقرير الختامي، المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، 2006، الرباط، المغرب) وتقرير الخمسينية (المغرب الممكن، 2006، الدارالبيضاء، المغرب) بعد مصادقة الملك عليهما. - على خطاب الدولة من حيث هو إجراءات وقرارات ودينامية إصلاحية تتوخى ترسيخ الاختيارات الديمقراطية وتعزيز أسس دولة الحق والقانون. بناء على ما تحقق (التقريران)، حيث الرؤية واضحة، يحتاج الأمر فقط إلى حوار وطني يغني الخطوات الهامة المحرزة على درب بناء المجتمع الحداثي الديمقراطي. ما بين الأوليات و»المغرب غدا» قامت ورقة «الحركة» بعملية توصيف لواقع المغرب الآن، حيث اعتبرت أن الإقصاء ورفض الآخر، إرهاصات الإرهاب والفقر والبطالة والرشوة والهجرة.. هي سمات الواقع الاجتماعي. كما أن المجتمع، سواء بنخبه أو هيئاته السياسية والنقابية والمدنية، قد أبان عن نزوعات مرضية باستعماله المال الحرام إبان الحملة الانتخابية، وضعف الحوار، وبلقنة الحياة السياسية، كما برزت أزمة الديمقراطية الداخلية ضمن الأحزاب السياسية، وبالتالي حدوث تصدعات داخلها. أما الدولة، فقد نزعت، لحظة انتخابات 7 سبتمبر 2007، نحو النزاهة والشفافية في الممارسة. فإذا كانت الدولة قد احترمت إرادة الناخبين، فإن جمهور الناخبين، في المقابل، عاقب تلك الهيئات السياسية بعزوف أغلبيته عن المشاركة في استحقاقات 7 سبتمبر. بداية تاريخ بتوصيف استنكاري، وبعلامتي تعجب تختتم أرضية «من أجل حركة لكل الديمقراطيين»، مقالها «بعزيمة لا تكل»رافضة كل ما عداها، بما فيه حتى نتائج سنوات الرصاص التي هي عنوان تقرير(ها) عن الخمسين سنة الماضية. بعيدا عن كشف الحقيقة، وبالأحرى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.. تسارع الجماعة إلى تدشين بداية التاريخ، بدءا من «تحقيق شروطها الذاتية الضرورية»، وبعدها مباشرة، تبشر الجماعةُ المغاربةَ، بإعادتهم إلى حلبة التاريخ، وبصفة لا رجعة فيها.. إنه الفتح العظيم؟ إنها، محض استعارة لاصطلاحات باهتة بالأبيض والأسود: الخير/الشر،العصر الجاهلي/العصر الحداثي-النوراني، المخزن/السيبة، الفوضى، الاستبداد؛ تم توصيف تاريخ المغاربة، الذي ظلت أزمنة طويلة منه مظلمة، عاش فيها الناس بين الفوضى والاستبداد، أشقياء ومضطهدين أو يائسين متمردين... حتى وإن ظلت الاستعارة تتمركز في منعطف كل مسارات المعارف والعلوم الدقيقة منها والإنسانية، فإن الإبيستيمولوجيا بحسها النقدي ظلت، كذلك، تتابع تخفيات وانكشافات العلماء والمعارف والخطابات بواسطة الانزياحات الاستعارية، نحو أسطرة (الأسطورة) الموضوعات الطبيعية-الفيزيائية أو الإنسانية. من هنا كان التماهي في الاجتماعي-الإنساني والسياسي مع المفارق الغيبي، من حيث هو واحد، أحد، قوي، جبار، متكبر... يستملك الإرادة والقدرة كلها في صنع الأشياء والإنسان والحيوان، بل وحتى التاريخ في تفاصيله الجزئية المتعددة. غير أن جماعة لكل الديمقراطيين، تسعى إلى استعادة تماهي التاريخ الاجتماعي-الإنساني والسياسي مع ذلك الواحد المفارق المغيُوب. فهي تلحُّ على أنه فقط، منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي، حدث وأن تجاوز النزاع حول شرعية المؤسسات، وبدله (أي النزاع)، كان تكريس الإجماع حول الثوابت الأساسية للأمة المغربية والدولة الوطنية، في إشارة إلى الشعار الخالد: الله، الوطن، الملك. لحظتها حدث انتقال نوعي من موقف المقاومة ورد الفعل إلى موقف الفعل الإرادي والمبادرة، في اتجاه ترسيخ المشروع الحداثي-الديمقراطي، الرسمي المغربي، وكأن الحداثة هي معطى أصولي يمكن استحضاره أو استبداله، بين اللحظة والأخرى؟ بلا، إن الحداثة هي انبناء الذات الإنسانية في مركز العالم، هي انبناء سيرورة المعرفة، هي صيرورة الأفهوم وهو ينبني على المجهول حتى صار استكشافا وتفكيكا وتحليلا مستمراً، يستمر في السير في كل الطرق والشعب بلا كلل. أما بيان/أرضية «من أجل حركة لكل الديمقراطيين»، فحتى عندما يشير إلى معين الشرايين الفكرية الأساسية التي كانت تروي عالم الأمس، فيغالبُه كسل التسطيح الدوغمائي للوهلة الأولى، إذ يقرر أن ذاك المعين قد نضب أو يكاد، أفليست الغلبة للإيمان؟ إن تلك النظرة التبخيسية والتكفيرية التسطيحية لحال معين الشرايين الفكرية الناضبة، قد تشير إلى ممارسة نرجسية متماهية مع السلطة المخزنية المقدسة، العتيقة، في دلالاتها الخطابية الأسطورية المنبنية على المغيوب المفارق- المقدس، أو الله. لكن نفس النظرة التكفيرية لا يمكن أن تحايث المجهول الإنساني والأرضي. إنها لا تستقيم وكونية وشمولية حقوق الإنسان، ولا منظور الحداثة؛ فالقداسة تنسكب في شرايين السلطة لتمنع كل مساس بها، من الشيخ (أحمد ناصر، بلغ من العمر 95 سنة، أدين بثلاث سنوات سجنا نافذا و1000 درهم كتعويض، توفي في السجن الفلاحي: عين على مومن) إلى الأنترنيت (المهندس فؤاد مرتضي، أمير الفايس بوك: ثلاث سنوات سجنا، نافذا. وفي 19 مارس2008 سيتم العفو عنه بقرار مقدس). الحركة/الدائرة قد يشير مصطلحا: «الحركة»/»الدائرة»، في الحقل السياسي والاجتماعي إلى دلالات متناقضة: فاسم الحركة يشير إلى مسار أو صيرورة في أبعاد، متعددة منفلتة، قد تكون لا نهائية... أما الدائرة، فإنها الخط المنغلق على ذاته، المنكفئ والمنطوي على مركزه. إن تعدد نقط الدائرة لا يمكن أن تحيل على ذاتها، أو توهم بإشعاع، بدورها كما هي نقطة المركز، بقدر ما هي نقط متكررة، تتجه نحو بعد واحد، نحو داخل فضائها أو مركزها. تماما، كما هو أمر المنمنمات في التصوير الزخرفي الإسلامي، في أسقف القصور أو المساجد، فهي تتكرر بأشكال وألوان متماثلة، كما الأسماء (لا غالب إلا الله)، عبر مدار الجدار. الحركة في الحقل السياسي والاجتماعي اسم، يشير إلى دينامية جدلية تتغذى من نبض المجتمع أو المجتمعات، بصيغة مرام وبرامج لتسييد قيم العدالة والحق والجمال. كما يشير الاسم في دلالاته التاريخية الحديثة، أيضا، إلى أشكال الممانعة والمقاومة (حركات التحرر الوطني، القرن العشرين)، ضدا على استراتيجيات الإمبرياليات الرأسمالية التي ظلت تستقوي بتمركزها على ذاتها وحضارتها، على تخوم جغرافية ما دونها باستغلالها واستهلاكها. أما الاسم «الحركة»، في صيغته المعاصرة، فلعله يحيل على مناهضة عولمة الرأسمال، الذي يصير الآن، في تفاصيل العلاقات الاجتماعية والسياسية، إشاعة الصورة المرئية، بتشبيحها وتلميعها عبر الفضائيات المنتشرة فوق رؤوسنا من أجل تخطيف الصورة والرؤية، معاً وسريعا لتفعيل الانجذاب من أجل الاستهلاك أكثر. إن تخطيف الصورة وتلميعها يفقد رؤية الذات الإنسانية انبناءها المستقل وإمكانية تمعينها في سبيل اكتساب حقوقها الأساسية وبالأحرى احترام الآخر، والدفاع عن حقوقه، هنالك بعيدا في إفريقيا، العراق، غزة... لقد استبدلت عولمة الرأسمال كونية حقوق الإنسان كيوطوبيا، بشرت بها قيمة الحداثة التنويرية، ممكنة لكل الناس، بذواتهم وأجسادهم وبعلاقاتهم المعيوشة، من أجل كرامتهم، فكانت الحركة الكونية المناهضة للعولمة. غير أن الاسم «الحركة» الذي ظل يستملك القوة، للتحكم في دلالاته واستعمالاته الأصلية أو الأصيلة، سرعان ما سينزاح، في الحقل السياسي المغربي المعاصر إلى قوى معاكسة لاستراتيجيات التغيير أو التثوير، فكانت «الحركات الشعبية» بكل تمظهراتها الشعبوية والارتدادية. وأما «الحركة لكل الديمقراطيين»، فإنها، إذ تستعير مشروعيتها من خطاب المقدس السياسي-الديني-المخزني، المغربي باقتباسها بداية التاريخ ورسم حدود نهايته؛ فإنها تنغلق على ذاتها وتنكفئ على مركزها، المقدس الواحد الذي منه وإليه تعود الشرعية الدينية أو التاريخية.. إنها بالأحرى تتخذ لنفسها شكل دائرة الديمقراطيين المفقودين، ليس بالمعنى الذي تمثلته دائرة الشعراء المفقودين، (بيتر وير) عندما عانقت مجموعة من الطلبة الحالمين، الممانعين، درس الشعر الذي يبعث الروح النقدية وحس الحرية التي هزت أعتى التقاليد المحافظة التي مثلتها أكاديمية Welton، إحدى المدارس الأكثر انغلاقا، سنة 1959 بالولايات المتحدةالأمريكية، بل هي انجذاب إلى حالة الاطمئنان السعيد، وهي تسبح على مشارف الأعتاب الشريفة. إنها دائرة الديمقراطيين المفقودين، بعيدا عن سيل وتوتر الحركة الاجتماعية... فهل نوجد، مثلا، تجاه حركة سريالية؟ يوجد على رأسها وزير داخلية، فؤاد علي الهمة، رفقة مسؤولين ظلوا يمسكون بمقود المغرب، وكان يجب أن يحاسبوا على تدبير الشأن العام، فإذا بهم يستبقون اعتلاء عرش التقييم للتمييز في التاريخ بين الجهالة والنور؟ أهو تكتيك، مقدمة لاستراتيجية: ثورة بيضاء، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون ارتجالا وانتهازية مؤلمة، تعشق معانقة الفراغ والبؤس؟ لعله البؤس...