تفتقت عبقرية إدارة السجن المركزي بالقنيطرة عن حشر 40 معتقلا من السلفية الجهادية في الحي جيم، ضاربة عزلة عليهم، للحيلولة دون اتصالهم بباقي المعتقلين، سواء من نفس التيار أو سجناء الحق العام، ويتعلق الأمر بمجموعة تضم كلا من يوسف فكري، ورفيقيه عبد المالك بوزكارن ويوسف عداد، إلى جانب عبد الوهاب الرباع ودمير والسليماني والأخوان توفيق وكمال الحنويشي وبوعرفة والانتحاريين الذين لم يفجروا أنفسهم في أحداث 16 ماي محمد العماري وحسن الطاوسي والكتبي. «الشيخ» هو اللقب الذي صار ينادى به يوسف فكري من قبل رفاقه الأربعين المتواجدون معه داخل جناح جيم بالسجن المركزي بالقنيطرة. نال هذا اللقب بفضل إشرافه، منذ مدة، على حلقة علمية أقامها هؤلاء المعتقلون الذين أدين أغلبهم بعقوبتي الإعدام والمؤبد، يلقنهم فيها مبادئ علم أصول الحديث، في حين يتولى عبد اللطيف أمرين، الذي سبق أن تعرف عليه فكري بمدينة طنجة، تلقين أفراد هذه المجموعة دروسا في الفقه والسيرة. داخل هذا الجناح يتواجد أيضا كل من محمد دمير، ذو البنية الجسمانية القوية وأحد أخطر أعضاء مجموعة فكري، إلى جانب عبد المالك بوزكارن ويوسف عداد وعبد الوهاب الرباع والأخوين توفيق وكمال الحنويشي وبوعرفة، والانتحاريون الذين لم يفجروا أنفسهم في أحداث 16 ماي: محمد العماري وحسن الطاوسي والكتبي. يقضي هؤلاء معظم وقتهم داخل هذا الجناح الذي يبعد عشرات الأمتار عن الجناح الذي كان يضم السجناء التسعة الفارين، في تطبيق برنامج علمي مشدد في حفظ القرآن والأحاديث النبوية ومختلف العلوم الشرعية، مع تسجيل ملاحظة أساسية أن تلقيهم لهذه المبادئ يتم وفق المنهج الفكري الذي أدى بهم إلى تبني الأفكار المتطرفة التي حدت بمعظمهم إلى تكفير المجتمع، وترجمة ذلك عبر القيام بأعمال إجرامية بدعوى نصرة الدين. داخل هذا الجناح، ينهمكون في حفظ القران، منهم من أنهى حفظه بالكامل كما هو الحال بالنسبة إلى يوسف فكري ورفيقه يوسف عداد، والغريب أنهما يشتركان في الحلو والمر، حتى إنهما عندما كانا طليقين كانا يخططان معا وينفذان معا. يوميات هؤلاء داخل السجن تبتدئ منذ صلاة الفجر، حيث يستيقظ الجميع للصلاة، وخلال الأيام العادية يؤدون الصلاة جماعة، لكن خلال حالات الطوارئ، مثل التي تعيش على إيقاعها حاليا مختلف السجون المغربية بسبب فرار 9 أفراد منهم بطريقة هوليودية، فإنه يفرض عليهم أن يمكثوا داخل زنازينهم الانفرادية أو الغرف التي لا تتعدى مساحتها أربعة أمتار مربعة وتضم ما بين 3 وأربعة سجناء. يستغل هؤلاء فارق الزمن الذي يفصلهم عن موعد فتح الزنازين عليهم، في الساعة الثامنة من صبيحة كل يوم، في القيام ببعض الأعمال الهامشية كترتيب الغرف أو القيام ببعض الرياضات، ومنهم من يعود مجددا إلى النوم، في حين يختار البعض منهم ممارسة بعض الهوايات التي كانت تستهويهم عندما كانوا بالخارج، كتربية الحمام والطيور، ولم يثنهم عن ذلك قول البعض منهم إن ذلك لا يجوز شرعا. يتكفلون بتدبير أمورهم المعيشية بأنفسهم بعد توزيع الأدوار والمهام فيما بينهم. فهناك فريق مختص في الطبخ والطهي، ومن أجل سد الخصاص المهول الذي يعانون منه في ما يتعلق بالمواد الغذائية، أقاموا مخزنا لجمع هذه المواد أثناء زيارة العائلات، مدركين أن تكلفة القفة التي تتكبدها كل عائلة، تتراوح قيمتها، حسب الحالة المادية لأسرة كل سجين، ما بين 400 درهم إلى حدود 1000 درهم. تضم هذه القفة اللحم بكميات وافرة، والمواد الغذائية المعلبة والشاي والسكر والمربى والمعجنات ودقيق الشعير، أما ما يتلقونه من إدارة السجن من مواد غذائية فتكاد لا تكفي حتى لسد رمقهم ليوم كامل، وهم كثيرو الشكوى من نوعية المأكولات التي تخصصها لهم إدارة السجون، والتي تتكون، في غالبيتها، من القطاني ومشتقاتها، أما اللحوم بأنواعها فتبقى بعيدة المنال بالنسبة إليهم، ولا يستفيدون من حصصها النادرة إلا بعد أن يعطى للمعتقلين المدانين بالإعدام نحو كيلوغرام من اللحم لكل واحد، حيث يتم تخزين تلك الكمية بعد جمعها وجدولة وجبات الأكل. في وجبة الإفطار يكتفون بارتشاف الشاي وأكل الخبز، وقليل منهم يفضل أن يبدأ صباحه بتناول حساء الشعير، ونظرا لظروف العزلة المضروبة عليهم، بحيث لا يسمح لهم بالاختلاط بباقي المعتقلين في قضايا الحق العام أو باقي معتقلي نفس التيار، فإنهم يقضون معظم نهارهم في تطبيق برنامج سطروه مسبقا، يتضمن تلقي دروس في الفقه والنحو وعلوم الحديث ودروس السيرة النبوية، إلى جانب مطالعة بعض الكتب التي لا تخرج عن إطار ما هو ديني صرف. بعد انتهاء الحلقات العلمية، تترك مساحة واسعة لأعضاء المجموعة للترويح عن النفس من خلال ممارسة الرياضات المفضلة لكل واحد، لكن ظروف السجن لا تسمح لهم سوى بممارسة كرة القدم. وفي كثير من الأحيان تنظم دوريات وبطولات، وتشكل الفرق على أساس عقدي صرف: فريق معتقلي الحق العام وفريق معتقلي السلفية، وتنظم هذه البطولات تحت إشراف إدارة السجن. وحسب المعلومات التي تم استقاؤها من قبل بعض عائلات المعتقلين، فإن يوميات معتقلي السلفية الجهادية في باقي السجون الأخرى تكاد لا تختلف عما كانوا عليه في الخارج، حيث تأقلموا مع وضعهم الجديد، بعد أن تفرقوا إلى مجموعات صغيرة، وهم يتعاونون في ما بينهم على ظروف العيش داخل السجن. وغالبية الأوقات يقضونها إما وراء التلفاز لتتبع الأخبار أو قراءة الجرائد، حيث يجدون تسليتهم المفضلة في ملء خانات الكلمات المتقاطعة، في حين يختار البعض الآخر التجول داخل أروقة السجن والانتقال من جناح إلى آخر. بعض سجناء هذا التيار تجاوزوا صدمة اعتقالهم، ولم تمنعهم أسوار المؤسسات السجنية التي يتواجدون فيها من القيام بأنشطة تجارية تدر عليهم دخلا لا بأس به يعيلون به عائلاتهم بالخارج، لكنهم يتضايقون كثيرا خلال حالات الطوارئ ومن حملات التفتيش التي تعصف بمدخراتهم. المعتقلون يتساهلون في غالبية حقوقهم من زيارة وفسحة، لكنهم يتحولون إلى كائنات أخرى عندما يتم التضييق عليهم في ما يخص الخلوة الشرعية، وحصتهم الأسبوعية في الاستمتاع بزوجاتهم وقضاء ساعات حميمية معهن. لم يشهد سجن عكاشة حركة احتجاجية كبرى من قبل هؤلاء إلا بعد أن فكر مدير هذه المؤسسة في إجراء تعديل جوهري على نظام الخلوة الشرعية، فبعد أن كان الجناح المخصص لاحتضان هذه العملية محرما دخوله على غير السلفيين في اليوم المخصص لهم للاستفادة من هذا الحق، أجبرهم مدير السجن أن يستفيد من هذه الرخصة، في نفس الوقت الذين يخصص لمعتقلي السلفية الجهادية، معتقلون من الحق العام، ليمارسوا هم أيضا حقهم الطبيعي، وقد كان هذا التعديل كافيا ليثير غضبهم ويدخلوا في إضراب مفتوح عن الطعام، مطالبين مدير السجن بالتراجع عن قراره، باعتبار أن الخلوة الشرعية عندهم لها آدابها الخاصة قد تفسدها كلمة نابية يتلفظ بها هؤلاء «الدخلاء» من الحق العام في لحظة انتشاء يكونون فيها في أحضان زوجاتهم.