تألمت حينما قرأت في عدد الثالث عشر من مارس الجاري في صحيفة الأهرام المصرية خبرا مفاده أن اثني عشر قطارا من قطارات السكة الحديد في مصر قد تم نهب كل محتوياتها بعد تجديدها وتطويرها بالكامل، وقيام المهندس محمد منصور، وزير النقل، بتدشينها في السادس والعشرين من فبراير الجاري، فقد اختفى من القطارات المجددة زجاج النوافذ، وصنابير المياه في الحمامات وطفايات الحريق، ومقابض الأبواب بعد تكسيرها، وما حدث لهذه القطارات يعكس الحالة التي تعيشها مصر الآن، الكل ينهب من خيراتها في كل الجوانب، وكأن مصر ليست لأحد، فالذي نهب القطارات هم أناس من الشعب، رأوا من هو أكبر منهم ينهب أشياء أخرى فقرروا نهب القطارات ومحتوياتها، بل إنهم يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك، اللصوص الصغار الآن ينهبون كل ما يمكن أن تقع عليه أيديهم دون أي اعتبار لقيمته أو كونه ملكا عاما للشعب، والذي يعجز عن السرقة يقوم بالتخريب، فأغطية المجاري الحديدية تتم سرقتها وأسلاك كهرباء الضغط العالي تتم سرقتها، وحتى قضبان السكة الحديد قليلة الاستخدام يتم فكها وسرقتها، أما عمليات السطو والنهب للبيوت فحدث ولا حرج، وقد ذكرت ذات مرة أن أجزاء في سيارتي سرقت وهي تقف أمام نادي ضباط الشرطة في مدينة المنصورة، وحينما ذهبت للإبلاغ أخبرني نائب المأمور أن سيارته سرقت من أمام قسم الشرطة، وقد أبلغني أحد الأصدقاء أن سكان الشارع الذي يسكن فيه وسط القاهرة أصبحوا يوما فوجدوا أن إطارات السيارات التي تقف في الشارع قد سرقت كلها، وأن السيارات قد سندت على أحجار، وصديق آخر أبلغني أن المرايا الجانبية للسيارات التي تقف في الشارع قد سرقت جميعها أيضا، وأبلغني صديق آخر أن سيارتين يملكهما كانتا تقفان أمام بيته في أحد الشوارع الهامة في حي مصر الجديدة قد سرقتا في يوم واحد، وأبلغني أحد الزملاء الصحفيين أن ابنه الذي لا يزيد عمره عن أحد عشر عاما كان في طريقه لصلاة العشاء في المسجد المجاور للبيت في حي الهرم، فأوقفه طفل في سن قريب من سنه وهدده بزجاجة مكسورة وسرق منه هاتفه النقال ومصروفه وطلب منه بعد ذلك أن يعود إلى بيته دون أن يلتفت، وقبل أسبوعين لم يأت سائقي للعمل ثم اتصل والده فأبغلني أنه تعرض لعملية سطو الليلة الماضية وأن حالته النفسية منهارة بعدما هدده أربعة من اللصوص بالسكاكين واستولوا على ما معه من مال، وكان من بينه راتبه ومبلغ آخر خاص بتجهيزات لشقته، وحينما ذهب ليبلغ لم يجد أي حماس من الشرطي لأن هذه أصبحت أمورا عادية تحدث كل ساعة، أما العلاقات بين الناس في الجوانب المالية فقد أصبحت قائمة في كثير من الأحيان على كيفية نهب بعضهم لبعض، ويكفي أن تطل على صفحة الحوادث في أي صحيفة مصرية أو تذهب إلى أي محكمة لتجد كما هائلا من قضايا النصب والاحتيال والغش والتدليس والشيكات بدون رصيد، وتشعر وكأن الناس جميعا قد تحولوا إلى لصوص، وحينما سألت أحد رجال الأمن عن المشكلة قال: كنا من قبل إذا سرقت سيارة أو بيت أو أي شيء في مكان ما كانت تدور الشبهات حول مشتبه بهم معروفين، الآن لم نعد نعرف من الذي يسرق، لأن كثيرا من فئات المجتمع التي لا يشك بها قد دخلت على الخط وأصبحت تقوم بعمليات السرقة، بل إن هناك عصابات تضم ما يمكن أن يطلق عليهم شخصيات مجتمع، كما أن التفنن في عمليات السرقة أصبح به شيء من الاحتراف والوسائل الجديدة، شيء آخر لم يقله رجل الأمن لكن الخبراء يقولونه بالليل والنهار هو أن الأمن في مصر هو أمن النظام وهو الأمن السياسي، أما أمن الناس وأمن المجتمع فلم يعد أحد يهتم به.