يبدو أننا فهمنا خطأ الحكم الباهظ الذي حكم به علينا القاضي العلوي، واعتقدنا أن مبلغ 600 مليون ضد «المساء» سيساهم في إعطاء صورة سيئة عن المغرب في الخارج. والحال أن الحكم من شأنه أن يساهم في تحسين صورة المغرب عبر العالم، فهناك اليوم أكثر من مدير مؤسسة إعلامية في أوربا وأمريكا يتأمل المبلغ المحكوم به علينا ويقول في نفسه أنه لم يكن يتصور أن المغرب غني إلى هذه الدرجة، بحيث تحكم محاكمه على المقاولات الصحافية بهذه المبالغ الخيالية. وإمعانا في تلميع صورة المغرب أكثر في الخارج، لم يقنع نائبان من نواب وكلاء الملك بالقصر الكبير بمائة وخمسين مليون للرأس التي حكم بها لهما العلوي، وقررا أن يستأنفا الحكم ويطالبا بثلاث مائة مليون لكل واحد منهما. ونحن الصحافيون مخطئون عندما نؤاخذ بعض القضاة الذين يحاولون جاهدين أن يعطوا عن المغرب في الخارج صورة البلد الغني الذي تدفع مقاولاته الغرامات الباهظة بدون مشاكل. وما دام المغرب يحتل الرتب المتأخرة في التعليم والصحة والتنمية البشرية، فعلى الأقل، بفضل هذه الأحكام، يحتل المغرب رتبة مشرفة. بالإضافة طبعا إلى الرتبة المشرفة التي احتلها ضمن ترتيب الدول الأكثر غباء في مجال تقنية المعلومات، بعد الحكم على المهندس مرتضى بثلاث سنوات سجنا. ومن يدري، ربما يساهم هذا الحكم التاريخي ضد «المساء» في تلميع صورة المغرب في الخارج، عكس ما نتصور نحن الصحافيين السوداويين والمتشائمين دائما. هكذا سيعتقد السياح أن المغرب ليس دولة فقيرة كما تقول تقارير البنك الدولي ومنظمة اليونيسكو وسائر المنظمات العالمية الحاقدة على المغرب ورخاء عيشه. والمغرب يفعل ما بوسعه لمحو صورة الفقر العالقة بمحياه. ولذلك يعلن أن شركة «أونا» حققت أرباحا تقارب المائة بالمائة سنة 2007 مقارنة بالسنة الماضية. وبنوكه جميعها حققت خلال السنة نفسها أرباحا خيالية، بحيث أن البنكة «العيانة» ربحت مائة مليار، أما شركات الاتصالات فليست بينها واحدة لم توزع أرباحا سخية على مساهميها. أين هو الفقر الذي نتحدث عنه. حسب المندوب السامي للتخطيط، فالفقر غير متفشي في المغرب. رغم أن عدد الفقراء في المغرب وصل إلى خمسة ملايين فقير لا يجدون قوت يومهم، إضافة إلى وجود سبعة عشر بالمائة من المغاربة في وضعية هشاشة. والهشاشة تعني أن المواطن المصاب بها يكون واقفا فوق طبقة اجتماعية هشة، بحيث أنه مهدد في كل وقت بالسقوط نحو الأسفل حيث طبقة المزاليط. ولعل المرء يستغرب هذه المفارقة المغربية العجيبة التي يعجز أكبر المحللين الاقتصاديين عن شرحها، وهي أنه كلما ضاعفت الشركات الكبرى والمؤسسات المالية في المغرب أرباحها الصافية كلما تضاعف عدد الفقراء واتسعت مساحة الهشاشة الاجتماعية. وكلما زاد عدد الأحياء الهامشية حول المدن كلما زادت مساحات المساكن الراقية والفيلات حولها أيضا. في تناغم وتعايش لا يوجد مثيل له حتى في البرازيل. ويكفي لكي يعرف العالم بأسره أن المغرب توجد به، بالإضافة إلى الزبابل ديال الزبل، الزبابل ديال الفلوس، أن يعلموا بأن شركة عقارية (كا إل كا)استطاعت أن تبيع، فوق الورق، بمراكش شهر دجنبر الماضي 560 شقة و300 فيلا في يوم واحد. كل فيلا يتراوح ثمنها بين 300 و500 مليون سنتيم. وهذا رقم قياسي عالمي في البيع العقاري حققه المغرب فالخرجة ديال مراكش دون أن ينتبه إليه أحد. ومباشرة بعد بيع كل هذا العدد الهائل من الشقق والفيلات بدأت الشركة تجهيز الشطر الثاني من المشروع، والذي قد يكون بيع عن آخره منذ اليوم الأول هو أيضا. وقد حطمت هذه الشركة الرقم القياسي الذي كان بحوزة شركة «ليراك» التي استطاعت أن تبيع في شارع محمد السادس بمراكش سنة 2006 حوالي 200 فيلا ثمن الواحدة منها يبدأ من 260 مليون سنتيم، في ظرف خمسة أيام. كما حطمت الرقم الذي حققته الشركة البريطانية «بروبري لوجيك» بالسعيدية عندما باعت في ظرف يومين 25 فيلا فخمة بمليار سنتيم للفيلا بمنطقة «حديقة الزهور» السنة الماضية. وإذا كان ابن الوز عوام كما يقولون، فلكم أن تسألوا ابن رجل الأعمال الثري محمد العمراني صاحب بابورات الصيد في أعالي بحار طانطان، عن الطلبات التي تتوصل بها شركته المتخصصة في صناعة سيارات اسمها «العراقي» تحت الطلب، تساوي كل سيارة من ماركة «العراقي» حوالي 400 مليون سنتيم. كما يمكن مراجعة مبيعات شركة رونج روفر للسيارات الكات كات في المغرب، وكيف مرت مبيعاتها من صفر سيارة سنة 2004 إلى 150 سيارة سنة 2007. وللإشارة فالرونج روفر يصل ثمنها إلى 300 مليون سنتيم لا غير. وفي الوقت الذي ينتظر فيه ملايين المغاربة داخل طوابير البنوك الاستفادة من قرض الليزينغ لشراء سيارة اقتصادية تعفيهم من جحيم المواصلات العمومية، ينتظر أيضا نوع آخر من المغاربة دورهم للحصول على يخت خاص يساوي أرخصه حوالي 700 مليون سنتيم. وحسب الشركة المتخصصة في صناعة اليخوت الراقية التي فتحت أبوابها في القنيطرة قبل سنتين، فمكتب الاستقبالات يغرق في الطلبات. فهناك يخوت قيد الصنع طلبها مغاربة، وهناك حوالي 1400 طلب لأشخاص يريدون الحصول على معلومات بخصوص أثمان اليخوت التي تصنعها شركة «ليك سيمون». وبعد أشهر قليلة عندما سيتم الانتهاء من مارينا واد أبي رقراق، سيكون بمستطاع المغاربة القادمين إلى الرباط من سلا وسيدي موسى وبو القنادل، متزاحمين مثل السردين داخل الحافلات، أن يمتعوا أعينهم بمنظر اليخوت الراسية في مارينا واد بورقراق. وهكذا لن يكون على المغاربة الذين يريدون رؤية اليخوت الباهظة الثمن أن يذهبوا إلى كابونيغرو أو مارينا أسمير بالشمال، بل فقط أن يجلسوا في حديقة صومعة حسان ويخضروا عيونهم بمنظر يخوت مارينا بورقراق، التي قضت على مارينا المزاليط، تلك التي كانوا يستعملون فلوكاتها لعبور الواد ذهابا وإيابا بين سلاوالرباط بعشرة ريالات للرحلة. والعجيب في أمر المغرب الذي نجهل الكتابة عنه ليس هو أن هؤلاء المواطنين وحدهم هم الذين يعيشون في الرخاء والنعيم، بل حتى الحيوانات تعيش مثلهم. أقصد تعيش في النعيم مثلهم. والدليل على ذلك هو التوضيح الذي قدمه أحد الموظفين في حديقة حيوان تمارة، بمناسبة وفاة زرافتين في ظروف غامضة. وقد كانت بعض «ألسنة السوء» قد اتهمت أشغال الحفر والبناء التي تقوم بها شركة الضحى في أحد جوانب الحديقة، بوقوفها وراء إصابة الزرافتين بحالة اكتئاب حادة نتج عنها موتهما. أي أن الزرافتين ماتتا بسبب الفقصة. لكن توضيح موظف الحديقة لإحدى الأسبوعيات المتخصصة يؤكد أن الزرافتين ماتتا بسبب الحجر فالكلاوي. ولكي تقطع إدارة الحديقة الشك باليقين فقد أرسلت جثتي الزرافتين، على سعدها ووعدها، إلى فرنسا من أجل التشريح الطبي. وقد أكد الأطباء الفرنسيون أن الزرافتين لم تموتا فقط بالكلاوي، بل إنهما عاشتا أكثر من اللازم. وكان عليهما أن تموتا قبل خمس سنوات على الأقل. فمعدل حياة الزرافة هو خمس عشرة سنة، بينما زرافتانا عاشتا عشرين سنة. وما يجهله هؤلاء الأطباء الفرنسيون أن معدل الحياة في المغرب لعشرات الآلاف من الأطفال لا يصل إلى هذه السن، بسبب موتهم المبكر. لكن المثير في ما قالته إدارة حديقة الحيوان بتمارة للأسبوعية هو أن وضعية الحيوانات المعيشية عندهم أحسن بكثير من الوضعية المعيشية لكثير من حدائق الحيوانات العالمية. والدليل على ذلك حسبه هو أن أسود الحديقة تأكل وجبتي لحم يوميا، بينما في الحدائق العالمية الأخرى فالأسود لا تأكل سوى وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة. والظاهر أن إدارة الحديقة تجهل أن بعض حيواناتها توشك أن تنطق بسبب الجوع لكي تطلب من الزوار مدها بالخبز وبشكيطو الذي تعودت على أكله رغم أنفها. وهناك أحد الدببة في الحديقة أصبح لاعبا محترفا في الجمباز يقفز بخفة ملوحا بيديه للأطفال لكي يرموا له بالأكل. حتى أنه أصبح يسير على قدمين مثل الإنسان تماما. وحسب إدارة الحديقة فشركة الضحى لم تنقل الحيوانات كلها من مكان إلى مكان آخر، وكل من شملتهم الحركة الانتقالية للشركة العقارية هم بعض الضباع والثعالب (ما عطا الله غير هوما فهاد البلاد) وبعض الكلاب المتوحشة التي تكفلت شركة الضحى بإسكانها على حسابها في أقفاص جديدة أكثر راحة من الأقفاص التي كانت فيها، والتي لا علاقة لها طبعا بتلك الأقفاص التي تبنيها للمواطنين الراغبين في الاستفادة من السكن الاجتماعي. وهكذا فالوضعية الاجتماعية والاقتصادية في المغرب مريحة ليس فقط للمواطنين، وإنما حتى للحيوانات. وكل ما تسمعونه أو تقرؤونه حول الفقر والهشاشة والترتيب المتأخر للمغرب عالميا في التنمية الاجتماعية والتعليم ما هي إلا محاولات لذر الرماد في العيون. وعين الحسود فيها عود.