في شهر ماي 2005، زار عدد من قدماء الأسرى المغاربة لدى جبهة البوليساريو الولاياتالمتحدة، حيث قدموا عروضا حول ظروف اعتقالهم في مخيمات لحمادة أمام مجموعة من المسؤولين الأمريكيين وأعضاء البرلمان. كان بين هؤلاء المسؤولين جون ماكين، مرشح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2008، الذي برز وقتها كواحد من الذين عاشوا تجربة الاعتقال خلال حرب الفيتنام. وقد وشح الملك محمد السادس كلا من ماكين وعضو البرلمان ريتشارد لوغار وعضو مجلس الشيوخ لينكولن دياز بالارت بالوسام العلوي، لقاء الدور الذي لعبوه في الإفراج عن العديد من الأسرى المغاربة الذين قضوا أزيد من عقدين من الزمن في سجون البوليساريو. ينتمي جون ماكين إلى أسرة لها باع طويل في العمل العسكري، فقد كان كل من والده وجده ضابطين في البحرية الأمريكية، ويعمل ولداه في الجيش الأمريكي أيضا، أحدهما ضمن الوحدات العسكرية الأمريكية الموجودة في العراق. التحق جون ماكين بالأكاديمية البحرية في الولاياتالمتحدة في أنابوليس في ولاية ميرلاند، وتخرج منها عام 1958 بادئا حياته العملية كضابط طيار في سلاح البحرية الأمريكية وعمره 22 عاما. وجاءت حرب فيتنام لتمثل ذروة التجارب العسكرية للرجل الذي يفخر بتلك الفترة من حياته في خدمة العلم، حيث قضى الفترة من 1969 إلى 1973 تحت الأسر كسجين حرب في شمال فيتنام، وتم إطلاق سراحه بعد انتهاء الحرب ضمن 800 سجين حرب آخرين وفقا لما تم الاتفاق عليه في اتفاقيات باريس للسلام التي أنهت الوجود الأمريكي في فيتنام، ونظمت القضايا العالقة بين الطرفين، بما فيها وضع السجناء. في عام 1976، عين ماكين كمسؤول عن الاتصال في سلاح البحرية في مجلس الشيوخ، وشكل هذا المنصب بالنسبة إليه الحلقة الواصلة بين مرحلتي حياته العسكرية والسياسية، وظل في هذا المنصب حتى تقاعد من البحرية الأمريكية عام 1981 برتبة نقيب، منهيا حياته العسكرية وهي مكللة بإنجازات على أرض الواقع وأوسمة منحت له لتميزه في مجال العمل. وما كادت المرحلة العسكرية في حياة ماكين تنتهي حتى بدأت المرحلة السياسية. ففي عام 1982، انتخب ماكين في مجلس النواب الأمريكي عن ولاية أريزونا فترتين متتاليتين، وتلا ذلك انتخابه عام 1986 في مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا مجددا انتخابه حتى الآن، ويعد ماكين في الوقت الحالي العضو الأقدم في لجنة الخدمات العسكرية لمجلس الشيوخ، وكذلك عضو لجنة التجارة والعلوم والمواصلات ولجنة الشؤون الهندية في مجلس الشيوخ. يعتبر ماكين من المحافظين الجدد المتشددين في الحزب الجمهوري، ويقترب كثيرا من أفكار الرئيس الأمريكي الحالي تجاه عدد من القضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية لواشنطن، وربما هذا ما جعل بوش يدعمه في هذه الانتخابات. فقد كان ماكين عام 2003 يدعم خيار بوش لغزو العراق والإطاحة بنظام صدام حسين، بالرغم من أنه انتقد عدم دخول الولاياتالمتحدة الحرب ضد الإرهاب بالمستوى المطلوب للقوات الأمريكية، وافتقارها إلى خطة موضوعية ومتكاملة لتحقيق النصر فيها. وهو يرى أن الانسحاب من العراق سيعد خطأ تاريخيا ترتكبه الولاياتالمتحدة، لأنه سيزيد من سطوة التطرف الإسلامي الراديكالي، وسيخلق دولة تؤوي الإرهاب في قلب الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تعاظم الحرب الأهلية، مما سيؤدي بالمنطقة إلى صراعات إقليمية عنيفة، من وجهة نظره، كما أبدى مخاوفه من أن يكون الانسحاب من العراق ذريعة لإيران كي تفرض هيمنتها وسيؤدي أيضا إلى هيمنة إيرانية على العراق وانهيار نموذج وليد للديمقراطية. ويرى أنه يجب التصدي بكافة السبل لتطلعات إيران النووية لما تمثله من خطر على أمن إسرائيل والأمن الأمريكي، ويحذر من احتمال تصدير طهران هذا السلاح إلى أحد حلفائها من الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط، كما يؤيد فرض عقوبات سياسية واقتصادية ضد إيران. ويحظى ماكين بتأييد واسع وسط اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة، بالنظر إلى مواقفه المعلنة تجاه إسرائيل والصراع العربي-الإسرائيلي، فهو لا يتردد -كأي صقر من صقور الحزب الجمهوري- في المطابقة ما بين المخاطر التي تواجه الأمن القومي الأمريكي وتلك التي تواجه الأمن الإسرائيلي، موجها أصابع الاتهام إلى حركة حماس وحزب الله اللبناني وسوريا، باعتبارها تشكل خطرا على أمن دولة إسرائيل. وفي محاولة لكسب أصوات اليهود في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، زار ماكين إسرائيل في 20 مارس الجاري، وذلك في إطار زيارة لوفد يمثل مجلس الشيوخ الأمريكي. وتعد زيارة ماكين لإسرائيل سابقة تاريخية، حيث إن أي مرشح ديمقراطي أو جمهوري لم يسبق له أن قام بزيارة الدولة العبرية خلال سنة انتخابية، لكن ماكين خرج عن القاعدة لكونه معروفا بتأييده لإسرائيل إضافة إلى أن أقرب حلفائه هو النائب جوليبرمان المعروف بولائه الشديد لإسرائيل، والذي يسعى نحو منصب نائب الرئيس، بل إن ماكين سبق زيارته لإسرائيل بتصريح داعب به مشاعر الإسرائيليين في العقبة بالأردن، حين أعلن أنه إذا تولى الرئاسة فإنه لن يتردد في تأييد الإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل. ويرى مراقبون أن ماكين يخوض حملته الانتخابية بشعارات متناقضة مع كافة مواقفه وسياساته العملية، فهو مثلاً يعد بجعل التخفيضات الضريبية التي أقرها بوش تخفيضات دائمة، على الرغم من تصويته ضدها في الكونغرس، ويعطي وعودا بأن يرسم للحزب الجمهوري مساراً جديداً في تاريخه الحديث، بينما يظل أسيراً للماضي حتى النخاع، ولا يقدم أي برنامج جديد قادر على إقناع شريحة واسعة من الجمهوريين، ويخوض حملته بتأكيد الاختلاف بينه وبين مرشحي الحزب الديمقراطي، باراك أوباما وهيلاري كلينتون، قائلا: «لست هيلاري كلينتون ولا باراك أوباما».