خلع وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول عباءته الحزبية المحافظة وأعلن دعمه السياسي للمرشح الديمقراطي باراك أوباما الذي حظي أيضا بدعم صحيفة «واشنطن بوست» وعدد من الصحف الأمريكية المؤثرة. «بلادنا تمر بأسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، وتخوض حربين في جبهتين مشتعلتين ومهمتين في الحرب على الإرهاب، ومنازل الأمريكيين فقدت نصف قيمتها تقريبا... وحملة جون ماكين تتحدث عن علاقة أوباما بالخرافات». هكذا بدأ وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول حديثه في برنامج Meet the press على شبكة NBC قبل يومين قبل أن ينتقد بشدة الحملة الانتخابية «السلبية» التي يقوم بها المرشح الجمهوري لخوض سباق الرئاسة جون ماكين في حق باراك أوباما، ويهاجم المرشحة لمنصب نائبته سارة بيلين. وقال باول إن هذه الأخيرة لا تملك الخبرة الكافية كي تصبح رئيسة للبلاد في حال تعرض ماكين للخطر أو فقد حياته وهو على كرسي الرئاسة داخل البيت الأبيض. لكن أبرز ما جاء في حديث باول كان انتقاده الشديد لمحاولة بعض الجهات المحافظة بالحزب الجمهوري التقليل من وطنية باراك أوباما وولائه لأمريكا عبر التلميح لاعتناقه الديانة الإسلامية بشكل سري، حيث قال باول: «إنه لشيء مخز أن يتهم أوباما بدين لا يؤمن به لأنه مسيحي، لكن الأكثر خزيا من ذلك هو أن يتم التقليل من قيمته لو كان مسلما... ما هي المشكلة في أن يكون الشخص مسلما ويترشح للانتخابات الرئاسية... هل تستطيعون تخيل مدى الوقع الذي تحدثه مثل تلك الأخبار على المسلمين حول العالم؟ أن يكون المرء مسلما أو مسيحيا أو غير ذلك لا علاقة له بالترشح لمنصب الرئيس، لأن الدين يجب أن يبقى بين الإنسان وخالقه... يجب أن نفكر في الأطفال الأمريكيين المسلمين الصغار الذين قد يفهمون أنه ليس من حقهم الحلم بالترشح لمنصب رئيس أمريكا في يوم من الأيام»! وخلفت تصريحات باول ارتياحا كبيرا لدى المسلمين والعرب الأمريكيين والمهاجرين المقيمين داخل الولاياتالمتحدة. وأصدر مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية بيانا رحب فيه بتصريحات باول، وقال إنها أول محاولة رسمية للتصدي لإقحام الإسلام بصورة سيئة في هذه الحملة الانتخابية. كما قال رئيس المجلس نهاد عوض إن تصريحات باول «تمنح الأمل لملايين الأمريكيين الذين جُرحت مشاعرهم بسبب تصويرهم كإرهابيين أو منعدمي الوطنية والولاء لأمريكا». وشكل ظهور باول على برنامج تلفزيوني مباشر يحظى بمتابعة شعبية عالية وانتقاده شديد اللهجة لجون ماكين (الذي يتشارك وإياه في عضوية الحزب الجمهوري) وإعلانه بشكل صريح لا لبس فيه دعمه لباراك أوباما، حدثا سياسيا بالغ الأهمية نظرا للاحترام الذي يحظى به باول في صفوف الجمهوريين والمستقلين وبعض الديمقراطيين، بالإضافة إلى خبرته الكبيرة في المجال العسكري والسياسة الخارجية. وتلقفت وسائل الإعلام الليبرالية الخبر وركزت على رمزيته التي اعتبرتها بالغة الدلالة، مشيرة إلى أن كولن باول كان أول وزير خارجية أمريكي من أصل إفريقي، كما أنه تقلد مناصب مهمة في الجيش الأمريكي. ورفض جون ماكين التعليق على قرار كولن باول دعم خصمه الديمقراطي، لكنه قال في تصريح صحفي مقتضب: «كولن باول رجل عظيم وأنا أحترمه كثيرا وأحترم قراره. إذا كان قد قرر دعم أوباما فأنا أحظى بدعم أكثر من وزير خارجية أسبق». الصحافة تدعم أوباما وحظي أوباما خلال الأيام القليلة الماضية بدعم عدد من كبريات الصحف الأمريكيةكالواشنطن بوست التي نشرت افتتاحية طويلة قبل أيام شرحت فيها أسباب قرارها دعم أوباما وختمتها بالقول: «بإمكان أوباما أن يصبح زعيما عظيما رغم قلة تجربته... كل شيء يدل على أنه سيجتهد للمحافظة على الزعامة الأمريكية للعالم ومواصلة مكافحة الإرهاب وممارسة دبلوماسية قوية تدافع عن مصالح وقيم الأمريكيين». كما أعلنت صحيفتا «شيكاغو تريبيون» و»بوسطن غلوب» تأييدهما لأوباما، فيما قال مراقبون إن عدم إعلان صحيفة «نيويورك تايمز» دعمها الصريح والعلني لأوباما لا يعني أبدا أنها لا تدعمه فعليا، عبر إيلاء عناية خاصة لأخبار حملته الانتخابية على حساب حملة غريمه الجمهوري جون ماكين الذي لا يحظى سوى بمقالات نقدية لاذعة تنتقده بشدة هو والمرشحة لمنصب نائبته سارة بيلين. ويقول المراقبون إن الإعلام الأمريكي لعب دورا أساسيا في ارتفاع أسهم أوباما في بورصة الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الرابع من شهر نوفمبر القادم، بل إنهم يتهمون قنوات مثل MSNBC وNBC وCNN وإذاعة NPR بالتحيز الفاضح لأوباما على حساب جون ماكين الذي تقف خلفه قناة فوكس المحافظة، ويؤكدون أن وسائل الإعلام الأمريكية ستكون هي الناخب الأكبر خلال هذه الانتخابات التاريخية بجميع المقاييس.