إنني أتمنى أن تتوجه جائزتا الملك عبد الله والملك فيصل إلى المبدعين، مع تفهمي الكامل للظروف التي حالت دون ذلك في الماضي. في أسبوع واحد شهدت الجزيرة العربية نشاطا ثقافيا مكثفا قدر لي أن أتابعه في ثلاثة أقطار، الكويت حيث نظمت دار أخبار اليوم أسبوعا ثقافيا اتسم بالدقة والتركيز، وفي المملكة العربية السعودية حيث أقيم في الرياض معرض الكتاب، وكان ضيف الشرف هذا العام اليابان، وقد ألقيت ثلاث محاضرات في المعرض حيث شاركت في ندوة حول المركز والأطراف في الثقافة العربية وسوف أعود إلى هذه القضية، في نادي جدةالرياضي ألقيت محاضرة عن قاهرة نجيب محفوظ، وفي جامعة الرياض تحدثت عن أساليب السرد في القص العربي من خلال تجربتي الخاصة، في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشهد نشاطا ثقافيا مكثفا افتتح معرض الكتاب وكان ضيف الشرف فيه ثقافات جنوب شرق آسيا أيضا، وهذا يعني الوعي بضرورة الاتصال بثقافات إنسانية عريقة ابتعدنا عنها طويلا، وترافق مع معارض الكتب في الرياض الإعلان عن عدة جوائز مهمة، جوائز الشيخ زايد التي تمنح للعام الثاني وتتصدر الجوائز العربية الآن لتعددها وقيمتها المعنوية والمادية، وجائزة العويس العريقة في دبي، غير أنني سأتوقف أمام جائزتين جديدتين، الأولى في المملكة العربية السعودية والثانية في دولة الإمارات العربية المتحدة. عندما وصلت إلي الرياض فوجئت بدعوتي إلى حفل كبير تعلن وتمنح فيه جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز، والموجهة إلى الترجمة، ربما كان جهلي بها راجعا إلى تقصيري في المتابعة، وربما لعدم التعريف بها بشكل كاف، خاصة أننا في «أخبار الأدب» نتابع بدقة ما يجري في الثقافة العربية انطلاقا من إيماننا بوحدتها وأنها آخر ما تبقى للعرب، الجائزة شديدة الأهمية، وقد طالبت بها مرارا، خاصة الجزء الأهم وهو الموجه إلى أولئك الذين خدموا ثقافتنا في العالم، بغربه وشرقه، كان من الطبيعي أن تقدم الأقطار العربية تقديرا معنويا وماديا لهم، من ناحية أخرى مكافأة الذين نقلوا ثقافات العالم إلى لغتنا العربية. هذا هو جوهر جائزة الملك عبد الله للترجمة، وتلك أول جائزة تحمل اسمه، والرجل يولي الثقافة العربية أهمية خاصة منذ توليه في ظروف عالمية ومحلية صعبة، وهو إنسان مؤمن بالثقافة العربية والعروبة، يتسم بحكمة وإقدام واع، والجائزة تأتي في إطار سياسة عامة تتسم بالتؤدة وتستهدف التطور بالأوضاع في هدوء يخدم العروبة والإسلام والمسلمين، وربما كان هذا دافعي الأول لتلبية الدعوة من الصديق إياد مدني وزير الثقافة والإعلام، بعد اثنين وعشرين عاما من حضوري مهرجان الجنادرية الثقافي عام ستة وثمانين. أسعدني بشكل خاص فوز مستعربين كبار، والدكتور أحمد فؤاد باشا عالم الفيزياء المصري الجليل عن ترجمته العلمية الرائعة لكتاب في علم الكم، الجائزة مهمة وضرورية، غير أن ما ينقصها توجهها إلى الأدب الإبداعي، فلا يوجد فيها فرع موجه للمترجمين الذين نقلوا أدبنا إلى لغات العالم أو في الاتجاه المقابل وهذا ما ينقص أيضا جائزة الملك فيصل والتي أصبحت في العلوم بوابة إلى نوبل، لكن الأدب مازال بعيدا عنها، لم يحصل عليها إلا أديب مبدع واحد هو يحيى حقي، ولذلك تظل ناقصة، لقد تابعت الاحتفال المهيب الذي رعاه جلالة الملك عبد الله وتسلم فيه جائزة فيصل لخدمة الإسلام، وكنت أتخيل الكمال لو أن روائيا عربيا أو عالميا، أو شاعرا، تقدم بين الفائزين، إن الجوائز الأدبية تمنح للمبدعين وليس للأساتذة الأكاديميين، هؤلاء يمكن أن يمنحوا جوائز في الدراسات الأدبية، لكن هل سمعنا عن نوبل لأستاذ أكاديمي في الأدب؟ إنني أتمنى أن تتوجه جائزتا الملك عبد الله والملك فيصل إلى المبدعين، مع تفهمي الكامل للظروف التي حالت دون ذلك في الماضي. الجائزة الثانية التي أسعدتني لعدة أسباب، هي جائزة الرواية العالمية والتي أعلنت في أبو ظبي الأسبوع الماضي، إنها إضافة قيمة إلى الثقافة العربية، والتحية واجبة لكل من أسهم فيها سواء بالإشراف أو التحكيم، أما فوز الروائي الكبير العذب إنسانيا وأخلاقيا وإبداعيا بهاء طاهر فمما يدعو إلى الفرح الحقيقي، وكان من دواعي سعادتي أنني لحقت بالجزء الأخير من المؤتمر الصحفي الذي أعقب حفل تسليمه الجائزة بعد أن تأخرت الطائرة القادمة من الرياض، وقد كنت حريصا على الحضور لتحية بهاء طاهر أحد أكبر الروائيين العرب الآن. من الكويت إلى الرياض إلى الإمارات، حراك ثقافي واع ودقيق، سيعود بالخير على الثقافة العربية كلها، ولا أكون مبالغا إذا قلت إن هذا من أبرز الجوانب الإيجابية في عالمنا العربي الآن، فلم يعد لدينا إلا الثقافة، ولم يعد لدينا إلا مهمة الحفاظ على وحدة الوجدان، أين نحن من ذلك؟ تلك قضية أخرى تستحق الفحص؟! * عن أخبار الأدب