أن يلتقي رفيقان في مهنة المتاعب بعد أن فرقت بينهما ظروف الحياة لعشرين سنة، وباعدت بينهما بسبب احتجاز الواحد منهما في الجزائر وانشغال الثاني بعمله في صحيفة وطنية، وأن يلتقي أستاذ بتلميذ له في السنوات الأولى من السبعينات حين كان الأول أستاذا للرياضة البدنية والثاني يومها تلميذا بالثانوية نفسها التي يُدَرِّس بها الأول بعد أن خاضا تجربة مهنة المتاعب، فذلك كله من التوفيق والموافقة الإلهية، فما بالك أن يلتقي هؤلاء جميعا على غير ميعاد، وفي أقدس بقعة، أي في جوار بيت الله الحرام. وما بالك أيضا إذا كان هؤلاء جميعا لا يخطر على بالهم أنهم حاجون بيت الله وما كان أحد منهم قد رتب للحج أدنى ترتيب.. لقد كان وقع مكالمة موظف السفارة السعودية عليهم جميعا قويا. كانوا يفكرون في كل شيء، إلا في أنهم سيكونون من ضيوف الرحمن وحجاج بيته، بل إن كثيرا منهم كان قبيل أيام يستوصي أصدقاء له أو أقارب قصدوا بيت الله الرحمن، فإذا بهم يجدون أنفسهم أمام بيت الله الحرام طائفين وساعين بين الصفا والمروة وواقفين بجبل عرفات مع الواقفين ملبين مع الملبين محرمين مع المحرمين. تجربة إيمانية قوية وهزة روحية مزلزلة لا يمكن إلا أن تترك أثرها في كل نفس مسلمة، فما بالك إذا كان المعني بها نخبة من الصحفيين الذين قطعوا شوطا كبيرا في مسار حياتهم المهنية واقترب البعض منهم من سن الستين وجاوزه بعضهم بقليل. كانت الرحلة أيضا فرصة كي يقف الصحفيون المغاربة على مقصد كبير من مقاصد الحج بعد ذكر الله كما قال تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معدودات)، وهي منافع كثيرة، ومنها لقاء الصديق بالصديق بعد طول فراق، ولقاء الأستاذ بتلميذه بعد رحلة طويلة لكل منهما في عالم الصحافة أو السياسة، ومنها أيضا تعارف أكبر بين أسماء صحفية، واقتراب أكبر، أنتج رحلة كان عنوانها الأكبر الأخوة والتآلف رغم اختلاف المشارب والمنابر. «التجديد»واكبت هذه الرحلة المباركة من خلال الأستاذ محمد يتيم، مستشار التحرير، والذي سرعان ما أسندت إليه مهمة مفتي الجماعة. هكذا لقبه الزملاء الصحفيون ملاطفة وتكريما، ولكن أيضا لكونهم اعتبروه أكثرهم دراية في المسائل الفقهية ذات الصلة بالحج. ومما زكى ذلك ما قاله موظف السفارة السعودية حين أبدى بعضهم قلقا بشأن تفاصيل المشاعر فطمأنهم قائلا: لا عليكم مادام في صحبتكم الأستاذ يتيم. «التجديد» استطلعت انطباعات وخواطر الصحفيين المكونين للوفد بشأن تجربة الحج والطواف والوقوف بعرفات فكان التقرير التالي: شكر وتنويه أجمع الصحفيون المكونون للوفد على أن يعبروا عن شكرهم لله تعالى الذي يسر أسباب الرحلة فقد: «كانت هذه الحجة مفاجأة كنت أتمناها ولم أكن أنتظرها»، يقول السيد محمد باها من رسالة الأمة، ويضيف في تأثر: «أشكر الله على أنه أنعم علي وهيأ لي الأسباب لوصول هذا المكان. ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، إذ لا بد أن أتوجه بالشكر لشخص لا أريد أن أذكر اسمه هو الذي سهل علي الوصول إلى هذا المقام». كما أجمعوا على شكر خادم الحرمين الشريفين والسيد وزير الثقافة والإعلام والسيد سفير المملكة العربية السعودية في الرباط على الدعوة الكريمة، كما وجهوا الشكر للسيد وكيل وزارة الإعلام وموظفي الوزارة الذين هيأوا أحسن الظروف كي تمر الرحلة في أحسن الظروف. كما أجمعوا على التنويه بالجهد الكبير الذي تبذله السلطات السعودية في خدمة الحجاج، وبالتطور الذي عرفه الحرمان الشريفان وأشغال التوسعة والإعمار المتواصل في البنايات والطرقات، وفي مجال تحسين الخدمات للحجاج: «ومن فضل الله على هذا البلد، يضيف السيد حسن أربعي، مدير جريدة أصداء، أنه أفاض عليه من خيراته، إذ رغم أن عدد الحجاج يزيد على ثلاثة ملايين يجتمعون في بقعة صغيرة وفي زمان محدد، لم نلمس نقصا، وذلك من فضل الله أولا، ثم بفضل جهود خادم الحرمين الشريفين وحكومته». لقاء وطيب رفقة بعد طول فرقة بالإضافة إلى المعاني والتجليات الروحية التي تحدث عنها الصحفيون المغاربة الحجاج، كانت للرحلة نكهتها الخاصة: «إننا نريد بالمناسبة أن ننوه بالمطوف، الأستاذ محمد يتيم، الذي أضاف حضوره معنا نكهة خاصة، حيث كنا نرجع إليه كلما استشكل علينا أمر من أمور الحج، ناهيك عن أن وجوده معنا سهل علينا أداء المناسك، سواء في الطواف وأدعيته أو في ما يتعلق بالخطوة الموالية، وكيف ينبغي أن نتصرف»، يقول الأستاذ كمال لحلو، مدير أسبوعية لاغازيت دي ماروك، «والمفاجأة الأخرى السارة هي أنني ألتقي به بعد فراق طويل، أي منذ سنوات السبعينات، حينما كنت حينها أستاذا للرياضة البدنية وكان هو تلميذا في الثانوية نفسها، أي ثانوية مولاي عبد الله بالدار البيضاء». أما الأستاذ حسن أربعي، فحين سألناه أن يلخص لنا أهم ما يمكن أن يحتفظ به من هذه الرحلة في كلمة واحدة، أجاب قائلا: الرفقة. ثم استطرد موضحا: «التقيت في هذه الرحلة بالأستاذ يتيم وكنت أعرفه وأتابعه منذ مدة طويلة وأعتز اليوم بالتعرف عليه عن قرب»، ويضيف الأستاذ حسن: «(وأما بنعمة ربك فحدث)، لم تكن هذه الحجه واردة، ولم أكن أفكر فيها ولا في برنامجي، ولم أكن مستعدا للتغطية المادية لرحلة الحج. النعمة الثانية هي أني كنت أتخوف من الرفقة وأتهيب من الواحد والاثنين، الرفقة ممتازة. أعتز بمفتينا (يقصد كاتب هذا التقرير) وأستاذنا وأعتز بمعرفته المباشرة، أعرف الأستاذ كرئيس لتحرير «التجديد» ومناضل، ولم يسبق لي أن احتككت به، وفزت من خلال هذه الرحلة بمعرفته. تربطني صداقة مع الأستاذ كمال لحلو ولم يتيسر لنا من قبل أن نقضي وقتا ثمينا مثل هذا الوقت. هيأ الله الأسباب لنجاح هذه الرحلة وكان النجاح بسبب هذه القلوب المتآلفة». اللقاء والصحبة والتعارف كان أهم معنى وقف عنده الزملاء الصحفيون: «فقد كانت الرحلة بالنسبة لي مناسبة للالتقاء بصديق عزيز باعدت بيني وبينه سنوات طوال، يقول السيد محمد بها. المفاجأة الكبيرة هي أنني فوجئت بوجود الأخ محمد البهي، وأنا أعرفه منذ ثلاثين عاما»، لم يكمل السيد بها كلامه حتى قاطعه محمد البهي بروحه المرحة، التي لم تفارقه حتى في أكثر لحظات المناسك خشوعا، وموجها إليه سؤالا مرحا: «هل كانت مفاجأتك بلقائي من جديد، أم لأنك استكثرت علي أن أحج بيت الله الحرام». ويضيف الأستاذ محمد البهي (صحفي كان محتجزا في الجزائر 9 سنوات دون أن تفارقه روحه المرحة): «السفر يتطلب رفقة طيبة. عندما نكون في المغرب نكون شعوبا وقبائل، ولكننا هنا أصبحنا عائلة واحدة، واختيار الرفقة في الحج بالخصوص مسألة مهمة، ووجب أن تكون الرحلة عبرة وقدوة، وأحمد الله أن أتممت فرائض الإسلام بالحج، وحين يحقق الإنسان الفرائض الخمسة يصل إلى الصدق والشفافية مع الله». شعائر ومشاعر شعائر الحج تحرك المشاعر وتهز الإنسان وتهبه ولادة جديدة: ليس ذلك غريبا، فمن الجبال الصلدة لأرض الحجاز، ومن بين أوديتها حيث لا زرع، انبعثت حياة جديدة، أمة جديدة قد غدت أرق قلبا وأصدق فؤادا. في تلك الأودية لا يزال آذان خليل الله إبراهيم يتردد صداه ويصل إلى كل فج عميق ليأتي الناس رجالا وركبانا ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معدودات. أول تلك المشاعر جاءت على لسان السيد أحمد بلغازي، مدير مجلة مجالس، والذي تولى تدبير الشؤون الزمنية كما وصفه البعض مازحا، في فصل واضح بين هذه الشؤون والشؤون الروحية، التي تولاها الأستاذ يتيم، كما قال بعضهم مازحا. يقول بلغازي: «أهنئ نفسي وإخواني في الله، لأن الله سخر لنا المجيء لهذا المقام ونقف هذه الوقفة وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والصلوات في بيت الله الحرام، وهذه مفخرة وتشريف». ويضيف السيد بلغازي: «لقد من الله علي بأداء سبع عمرات، وها أنذا أختمها بحجة وفي رفقة طيبة، أما شعوري فهو شعور روحاني ووجداني عظيم، خاصة عند الوقوف أمام الكعبة، وأتمنى لكل مسلم أن يزور هذا المقام الشريف، وخصوصا الإخوة الإعلاميين، أتمنى أن يتوجوا بهذه الزيارة لأنها تجربة عظيمة في حياة كل إنسان مسلم، ولقد تشرفت بأن أخدم الإخوة الصحفيين في الأمور الإدارية، واجتمعنا في هذه الرحلة بوجوه خيرة». أما الأستاذ كمال لحلو فيصف مشاعره كحاج قائلا: «أول شيء نتعلمه في الحج هو أن نملك زمام أنفسنا، إذ لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. أتمنى أن يعيش كل مسلم هذه التجربة. الفرق بين العمرة والحج هو الوقوف بعرفة، وقد أكرمني الله بالوقوف من جديد بعرفة هنا، حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنا حيث ألقى خطبته العظيمة خطبة الوداع التي هي من أول الوثائق التاريخية في مجال حقوق الإنسان». «رحلة الحج هي فرصة كي يعيش الإنسان معاني قوله تعالى: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، يقول الأستاذ حسن أربعي، فلا فرق بين الكبير والصغير ولا بين الغني والفقير ولا بين الأبيض والأسود. غير أننا نلاحظ للأسف الشديد بين الشعوب الإسلامية تفاوتا من نوع آخر، أي في درجة التعلم والنظام، حيث نلاحظ في هذا الصدد شعوبا إسلامية على درجة عالية من الانضباط والنظام، ونجد أخرى لا تزال تعيش في التخلف». و»أتمنى، يعقب الأستاذ كمال لحلو، أن أرى قبل الموت الشعوب الإسلامية قد التقت في تحضرها حتى لا نرى بعض المظاهر المؤسفة مثل قلة النظافة رغم الجهود الجبارة التي تقوم بها السلطات السعودية من أجل ضمان النظافة وصحة الحجيج». الأستاذ محمد البهي يؤكد أن الحج يتطلب مجهودا كبيرا للصدق مع النفس: «نحن مسكونون يضيف بالمغريات والفتن والتخلص منها صعب في ظرف يوم أو شهر، وحين يبكي الحاج فهو يحاول أن يتخلص، وأنا لا أستطيع أن أدعي أنني قد تخلصت. ولا أظن أن شخصيتي ستتغير مائة بالمائة، خاصة وأنها تكونت بتناقضاتها عبر عشرات السنين. ما أتمناه هو أن يرتفع إيماني». وحين سألنا الأستاذ حسن أربعي عن شعوره وهو يواجه الكعبة، رجع بنا في ذاكرته إلى الوراء ليكشف حقيقة يفصح بها لأول مرة كما قال: «منذ سنوات أتيحت لي فرصة للعمرة، وقد جئت في تلك العمرة من أجل غرض واحد، هو أن أدعو في الكعبة على شخص أساء إلي لأنني كنت أعتبر الدعاء مجابا في هذا المكان المقدس، وكنت أسوأ ما هو موجود في الكتابة الصحفية، لكنني وأنا أعتمر، وجدتني أتغير رأسا على عقب، ففرضت على نفسي رقابة ذاتية كلفتني ثلاثين بالمائة من المبيعات. ومنذ ذلك التاريخ لم أنقطع عن أداء العمرة». بعض الصحفيين كانت لهم وجهة تأملية أخرى في مواجهة الكعبة والسعي بين الصفا والمروة، رجعت بهم إلى التاريخ السحيق للمكان ولأصل الشعائر: «كان في خيالي الكعبة القديمة والبيت في حالته الأولى. ولما سعيت بين الصفا والمروة كنت أتخيل السيدة هاجر وهي تسعى بين الصفا والمروة من أجل البحث عما به تنقذ ولدها. أما كل واحد منا فإن في معنى سعيه سعي لإنقاذ نفسه. وكنت أستحضر سيدنا إسماعيل وقد تركته أمه هاجر وهو يعبث في الأرض وانبثاق ماء زمزم من بين يديه وكان يتأكد لي أن الكعبة هي نقطة ارتكاز البشرية». بعض الصحفيين اختاروا طريقة أخرى كي يجيبوا على سؤالنا المتعلق بشعورهم في مواجهة الكعبة. فقد قص لنا السيد محمد البهي قصة وقعت له مع أحد أصدقائه ممن يمكن أن يعتبر من أكبر الخارجين عن الطريق، «فحينما دخلت مع صديقي ذاك يقول البهي وما أن واجه الكعبة حتى بدأ يبكي، ولم تعد قدماه تحملانه، ولم يعد قادرا على المشي مما اضطرني إلى مساعدته للخروج خارج الكعبة». الصحفي بعد تجربة الحج وحين سألنا الزملاء الصحفيين عن توقعهم في ما يخص تأثير تجربة الحج على حياتهم وعلى عملهم المهني كان هناك اتفاق على أن «على كل حاج لبيت الله الحرام أن يبدأ حياة جديدة والتزاما جديدا، كما يقول الأستاذ لحلو، فأنا لا يهمني أن ألقب بالحاج ولا أحرص على ذلك، ولكنني سأحاول أن أكون رجلا جديدا بعد الحج. ومن أراد أن يسيء إلي فليفعل، وسأسعى أن أبقى متعاليا عن رد الإساءة. ذلك أن ربي أكرمني وجاء بي عنده ووقفت بجبل عرفات». «إن مسؤولية الإعلامي حين يقف أمام الكعبة، يقول حسن أربعي، تتمثل في استحضار الروح التي كان يتحرك بها داخل الكعبة في عمله، أي التواضع والنصيحة، وهي أخلاق مفتقدة في كثير من الأحيان في مهنة المتاعب». في حين رأى السيد بها أن تجربة الحج ليست سوى محطة في حياة الإنسان، و»شخصيا، يقول محمد بها، حاولت أن أكون مستقيما في حياتي، والكمال لله، لأنني بشر أحمل نقاط ضعف كثيرة، قد تدفعني للخروج عن الجادة، ولكنني كنت أقاوم دوما نفسي، وأستحضر دوما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قل آمنت بالله ثم استقم»، وأسأل الله أن أكون أكثر استقامة في حياتي المستقبلية». أنهينا تحرير هذا الاستطلاع في وقت متأخر من يوم التروية وكنا قد سبقنا إلى عرفات ليلا بترتيب من وزارة الإعلام، بينما فضل بعض الإخوة الصحفيين الآخرين المبيت بمنى عملا بالسنة، ولذلك لم يشملهم استطلاعنا. ليلتها كان الإخوة الصحفيون لا يزالون تحت خيمة بعرفات يتجاذبون أطراف الحديث. تكلموا في كل شيء من شؤون السياسة المغربية: من الحسن الثاني والمهدي بن بركة وعبد الله إبراهيم واليوسفي والعفورة وشؤون الصحافة ومشاكلها ومغامراتها. وكان الحديث يستدرجهم من حين لآخر لإثارة مواقف وقضايا ترتبط بأشخاص، لكنهم سرعان ما كانوا يكفون خشية أن يكونوا قد دخلوا في منطقة ممنوعة في هذا المقام، إذ لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. وما أسهل أن يستدرج الإنسان إذا لم ينتبه إلى شيء من ذلك. في حفل تكريم الوفود الإعلامية المشاركة في تغطية حج سنة 1426ه.. الأستاذ محمد يتيم باسم وفود إفريقيا والمغرب العربي الحج ولادة جديدة للإعلامي والمثقف ومسؤوليتهما كبيرة في بناء ثقافة الحج دعا الأستاذ محمد يتيم الإعلاميين ورجال الثقافة والفكر المسلمين إلى الإسهام في بناء ثقافة الحج، ودعاهم إلى الاستفادة من هذه الولادة التي تمثلها تجربة الحج المبرور من أجل الاضطلاع بمسؤوليتهم في هذا المجال تقديرا لمسؤولية الكلمة الملقاة على عاتقهم. وكان الأستاذ يتيم يتحدث مساء يوم الجمعة في الحفل التكريمي الذي أقامه الأستاذ إياد بن أمين مدني لرؤساء وأعضاء الوفود الإعلامية من ضيوف وزارة الثقافة والإعلام الذن أسهموا في نقل شعائر الحج هذا العام باسم الوفود الإعلامية والثقافية القادمة من إفريقيا ومنطقة المغرب العربي. وكان الأستاذ محمد يتيم قد نوه بالجهود الجبارة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في تنظيم شعيرة الحج وبالتطورات المتواصلة التي تعرفها البنيات الأساسية والعمرانية والتنظيمية من أجل تسهيل مهمة ضيوف الرحمن، وتقدم بالدعاء لخادم الحرمين بأن يجازيه الله خيرا على ما يقوم به في هذا الصدد وإلى عهدة الأمير سلطان بن عبد العزيز، كما تقدم بالشكر للسيد وزير الثقافة والإعلام وإلى مساعده الأمير تركي بن سلطان بن عبد العزيز على الدعوة للمشاركة في حج هذا العام مع نفر من الإعلاميين والمثقفين الذين جاؤوا من عدة أقطار عربية وإفريقية وإسلامية وأوروبية . وتوقف الأستاذ محمد يتيم عند بعض المعاني والمنافع التي يلمسها الحاج من خلال تجربة الحج، ومن بينها أن يذكر المسلم ربه أياما معلومات. وتوقف عند دلالة ورمزية الحركة في شعيرة الحج حتى يمكن وصف هذه الشعيرة بأنها عبادة قائمة على الحركة وعدم الاستقرار وذكر الله خلال ذلك كله. والملفت للانتباه يقول الأستاذ محمد يتيم بأن الحاج يأتي إلى الحج بعد سفر طويل وما أن يصل حتى يكون مطالبا بطواف القدوم أو طواف العمرة والسعي بين الصفا والمروة. وما أن يستقر الحاج بعد هذه الشعائر حتى يكون عليه أن يصعد يوم التروية أي يوم الثامن من ذي الحجة إلى منى ليبيت بها ليلة ثم يكون عليه بعد صلاة الفجر أن يتحرك نحو عرفات، حيث يقضي يومه إلى غروب الشمس، ثم يقفل عائدا إلى المزدلفة من جديد ليبيت بها بعد أدائه لصلاتي المغرب والعشاء جمعا وقصرا، حيث لا يمكث بها إلا ليلة واحدة. وبالنسبة لبعض المذاهب بمقدار ما يحط رحاله ويؤدي الصلاة ليتحرك من جديد نحو منى ليرمي جمرة العقبة الكبرى ثم يتحرك بعد ذلك لأداء طواف الإفاضة طواف الركن والسعي بين الصفا والمروة ثم ليعود بعد ذلك إلى منى ليقضي بها أيام التشريق وليرمي الجمرات الثلاث ثم يرجع إلى مكة من جديد ليكون آخر عهده بها طواف الوداع. وفي أثناء ذلك كله وخلاله وبعده يكون على الحاج أن يلبي ويذكر الله تعالى حتى إذا أنهى مناسكه كلها أمره ربه أن يذكر الله لقوله تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا}. والدرس الكبير الذي نخرج منه من تجربة الحج أن نتعلم كيف نكون مع الله حتى في الزحام، أي حتى مع كثرة الأشغال والانشغال، وحتى في حالة السفر التي ينتفي معه الاطمئنان وجب أن نبقى موصولين بالله، وهو المعنى الذي نجده أيضا في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}، في إشارة إلى أن الانتشار والضرب في الأرض والابتغاء من فضل الله لا ينبغي أن يصدنا عن ذكر الله. من جهة أخرى، أكد الأستاذ محمد يتيم أن الحج ينبغي أن يكون ولادة جديدة بالنسبة للإعلاميين الذين يتحملون مسؤولية خطيرة، هي مسؤولية الكلمة، من صورة وتحليل وتعليق وإخبار وغيرها من الأجناس الصحفية. وأشار إلى أن الكلمة الطيبة يمكن أن تكون عنصر بناء وإحياء، في حين يمكن أن تكون الكلمة الخبيثة عنصر هدم وافتراء. كما أكد أن الحج يقدم مقطعا عرضيا وآخر طوليا عن حالة الأمة . وأشار إلى بعض المظاهر التي لا تزال تحتاج إلى معالجة، مستغربا كيف يقطع الحاج آلاف الكليمترات وينفق مما يحب من أجل الوصول إلى هذه البقعة الطاهرة، مما يعكس حالة متقدمة من الإيمان ثم كيف يفشل كثير من الحجيج في أدنى شعب الإيمان ألا وهي إماطة الأذى عن الطريق . واعتبر أن من مسؤولية الإعلاميين والمثقفين، بالإضافة إلى المدرسة والوكالات والمؤسسات التي تسهر على تنظيم رحلات الحج وتستفيد من ذلك الإسهام في بناء ثقافة الحج. وليس المقصود بثقافة الحج يقول الأستاذ محمد يتيم تعليم فقه الشعائر على أهميته، بل إني أقصد الثقافة هنا بمعناها السلوكي وبما هي تعظيم لحرمة الزمان والمكان والإنسان وتعامل حضاري مع البيئة ومع المحيط ومع الآخرين، وقد يكون بناء ثقافة الحج مدخلا لإحداث نهضة ثقافية في العالم الإسلامي ومنطلقا لنهضات أخرى. وكان قد تناول الكلمة في الحفل المذكور البروفيسور باتارا لاجو عن الوفود الثقافية والإعلامية القادمة من قارة آسيا، ومستشار رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أغلو والسيد فرج اللواتي المستشار الثقافي بوزارة الثقافة التونسية والسيدة عواطف محمد حسين باسم المثقفات والإعلاميات المشاركات في تغطية حج هذا العام. كما تناول الكلمة في نهاية الحفل السيد وزير الثقافة والإعلام السيد إياد مدني أعرب فيها عن شكره للوفود الإعلامية على ما عبروا عنه من حسن الظن وعبارات الأخوة والمحبة والتقدير، مؤكدا أن المملكة العربية السعودية ماضية في رسالتها التي خصها الله بها خدمة الحرمين الشريفين وحججاج بيت الله الحرام . واستشهد الأستاذ إياد مدني بمقاطع من كلمة الأستاذ يتيم معبرا عن تأييده وتنويهه بما ورد فيها حيث قال: وأؤيد ما قاله الزميل محمد المهدي يتيم مستشار مؤسسة «التجديد» الصحفية المغربية حين ذكر: «إننا نتطلع أن نكون من الذين كتبت لهم ولادة جديدة وهي من أعظم مقاصد الحج أن تتحقق للإنسان تلك الولادة فيعود إلى وطنه وأهله غانما سالما بعد أن يكون قد تجنب الرفث والجدل والفسوق». وكما قال أيضا «إن أحوج الناس إلى هذه الولادة هو الصحفي والإعلامي الذي يشتغل في مجال من أعظم المجالات ويتقلد مسؤولية من أعظم المسؤوليات وهي مسؤولية الكلمة». تجدر الإشارة إلى أن المغرب كان ممثلا بوفد إعلامي متكون من عشرة صحافيين هم: محمد يتيم مستشار تحرير جريدة «التجديد»، ومصطفى نبزر عن جريدة الاتحاد الاشتراكي، والأستاذ حسن عبد الخالق رئيس تحرير جريدة العلم، وكمال لحلو مدير مجموعة لاكازيت، ومصطفى المعتصم نائب رئيس تحرير جريدة الصباح وأحمد بلغازي مدير مجلة مجالس ومحمد عبد الله بها متقاعد ومصطفى العسري صحفي ومدير مكتب والحسن أربعي مدير جريدة أصداء والسيد محمد أحمد باهي صحفي. وكانت رحلة الحج فرصة بالنسبة للصحافيين كي يتعرفوا أكثر على بعضهم البعض، مما اعتبره البعض منهم من أعظم منافع الحج التي وقفوا عليها. تجدر الإشارة أيضا إلى أن موسم حج هذه السنة رغم الكثير من التحسينات التي عرفتها مشاعر منى، ومنها على الخصوص العمل بنظام التفويج في الرمي، فضلا عن منع دخول الحافلات والسيارات إلى داخل المخيمات، مما كان يتسبب في عدة مشاكل وازدحامات في السنوات السابقة، إلا أن ذلك لم يمنع من حدوث حالة ازدحام في زوال اليوم الثاني بعد العيد أدى إلى وفاة 336 وبقاء 45 مصابا بعد شفاء الآخرين وذلك إلى حدود مساء يوم السبت. وترجع أسباب الحادث إلى ثلاثة اسباب: أولهما استمرار عدد من الحججاح المتعجلين في الرغبة في الرمي بعد أذان الظهر من اليوم الثاني بعد العيد، حيث يكون الحاج ملزما بالمبيت يوما آخر إذا أدركه المغرب بمنى، مما يجعل آلاف الحجيج يقفون قريبا من الجمرات في انتظار الآذان للانطلاق بعدها للرمي مباشرة. أما السبب الثاني فيرجع إلى الحجاج غير النظاميين أو من يعرفون في المملكة السعودية بالمفترشين ممن يحتلون الطرقات المؤدية لجسر الجمرات ويقيمون خلال ايام منى تحتها وفي جنبات الطرقات التي توجد داخل المخيمات. وحسب عدة مصادر منها مصادر رسمية ومستقلة، فإن السبب في الكارثة بالإضافة إلى التزاحم كون هؤلاء المفترشين كانوا يحملون أمتعتهم استعدادا للرحيل عن منى بعد الرمي، مما اسهم في تعقيد المشكل وعرقلة المرور ودوس الحجاج بعضهم على بعض. أما السبب غير المباشر فيكمن في كون كثير من مشايخ وعلماء المملكة السعودية يتحرجون من الإفتاء بجواز رمي الجمرات قبل حلول الظهر، ويذهب هؤلاء إلى أنه لا يوجد في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفيد أنه جوز ذلك بينما جوز الرمي بالليل لذوي الحاجات. والمشكلة ليست في التوقيت حتى نحيد عن السنة واتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولكن السبب في التعجل وفي الاستعجال في الرمي في أول الوقت، مستدلين أن الرمي يكون أيسر عند صلاة العصر وقبيل المغرب. إلى ذلك دعا بعض العلماء منهم مفتي مصر ولبنان إلى إجازة الرمي قبل الزوال. وأكد مفتي مصر الدكتور على جمعة جواز الرمي في أي ساعة من أيام التشريق، فيما اعتبر مفتي جبل لبنان الشيخ محمد على الجوزو أن الإصرار على أن الرجم لا يكون إلا بعد الزوال خطأ كبير. وأشار وزير الأوقاف الأردني السابق الدكتور عبد السلام عبادي إلى أن الرمي قبل الزوال أولى في هذه الظروف ظروف الازدحام. ودعا الدكتور سعيد الثبيتي المدرس بالمسجد الحرام إلى إشاعة فتوى الرمي قبل الزوال لأنها تحقق مقاصد الشريعة ولا تتعارض مع نصوص القرآن والسنة، وهو ما ذهب إليه الشيخ محمد حسن الريعي الأستاذ بجامعة الإمام، حيث أعرب عن أمله في إصدار فتوى بالرمي قبل الزوال توسعة على الناس، كما أجاز الشيخ عبد الله بن جديد للمتعجل المضطر الرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر . وعلى الصعيد الإعلامي، أثارت التقارير التي بثتها قناة الجزيرة تقززا عند كثير من الأوساط الإعلامية السعودية، وكذا لدى كثير من الوفود الإعلامية التي كانت حاضرة لتغطية حج هذه السنة. وكانت الجزيرة قد ادعت أن سبب انهيار عمارة بمكة يرجع إلى أن طائرة عمودية قد حطت عليها، مما كذبه عدة شهود عيان. ونفس الشيء بالنسبة لحادث الجمرات، حيث نقلت أن حادث التدافع وما ارتبط به من ضحايا نتج عن كون قوات الأمن كانت تفسح الطريق لأمير سعودي من أجل رمي الجمار، وهو ما نفاه ايضا شهود عيان. ومن المعلوم أن قناة الجزيرة ممنوعة من تغطية مشاعر الحج كما أن العلاقات السعودية والقطرية لم تكن دائما على أحسن ما يرام.