عندما تم الإفراج عن أول صورة لعبد القادر بلعيرج، الزعيم المفترض لأحدث شبكة إرهابية يتم الكشف عنها بالمغرب، ونشرها في معظم الصحف الوطنية، كان قد مر أسبوع كامل على أول مرة يسمع فيها الرأي العام المغربي باسم هذا الرجل. خلال هذا الأسبوع، تخيل كل منا ملامح معينة ورسم صورة ما لهذا الرجل الذي أصبح مهما إلى درجة أن وزير الداخلية شكيب بنموسى، مؤازرا بمسؤولين أمنيين مهمين الجنرال حسني بنسليمان والمدير العام للأمن الوطني الشرقي الضريس عقد ندوة صحفية بحضور ممثلي جميع وسائل الإعلام بالمغرب، خصيصا ليتحدث إليهم عن هذا الرجل وزمرته. ولكن الصورة التي رسمناها كانت هلامية ومتحولة، تتغير كل مرة نقرأ فيها خبرا جديدا حول قضية شبكة بلعيرج التي باتت تحتل صدر الصفحات الأولى من الجرائد. ومهما تغيرت تصوراتنا لملامح الرجل فإنها تتوحد في النهاية، لأننا انطلقنا من المعلومات الشحيحة نفسها التي سمحت وزارة الداخلية بتداولها خلال الندوة، هذا بالإضافة إلى ما كتبته الصحف البلجيكية عن قضية مواطنها بلعيرج، فالرجل يحمل إلى جانب الجنسية المغربية جنسية بلجيكية، وذلك منذ عام 2000. لم يكن من الممكن أن تجيء ملامح عبد القادر بلعيرج، أوعبد القادر بلارج- وهو الأصح نسبة إلى اسم عائلته- شاذة عن ملامح أبناء جلدته المغاربة من أهل الريف، بشرة بيضاء، شعر أسود رغم الصلع الذي غزا فروة رأسه، وشارب أسود كث، يخفي قسطا كبيرا من تورد الشفاه الريفية. ينحدر عبد القادر من أسرة ريفية، لازالت جذورها مغروسة إلى اليوم في قيادة بويفرور، بلدية ازغنغان بالناظور، أسرة ميسورة تستثمر في العقار بعدد من المدن المغربية مثل الناظور، مراكش، طنجة،.. غير أن الاتصال بينه وبين أسرته بالناظور والنواحي قد انقطع قبل سنين عديدة، حتى إنك إذا ما سألت أهل القرية عن عبد القادر يجيبونك بأن قدميه لم تطآ أرض "لبلاد" منذ أكثر من عقدين. بلعيرج، الذي ولد عام 1957 والذي هو الآن أب لثلاثة أطفال تبلغ أعمارهم على التوالي 11 و8 و6 سنوات، متزوج منذ عام 1991 وكان يستقر مع أسرته الصغيرة في بيت شبه ريفي كبير، لكنه ليس فيلا، كما ذكر البعض، يعود نمط بنائه إلى الخمسينيات، يوجد على طريق هادئ تكاد لا تمر منه غير الشاحنات في البلدة الصغيرة إيفيرجيم بمنطقة غاند ببلجيكا الفلامانية، هذا حسب مصادر بلجيكية ذكرت أيضا أن الأسرة لم تكن تقيم علاقات تذكر مع الجيران. أطفال بلعيرج الثلاثة يدرسون بمدرسة لا تبعد عن البيت إلا ببضع مئات من الأمتار، أما زوجته فمثل أي زوجة محبة شعرت بالقلق بعد أن سافر زوجها إلى المغرب في واحدة من سفرياته المعتادة، ومع نهاية الأسبوع الثالث لسفره، أي نهاية يناير، انقطعت أخباره، فقررت أن تبلغ الشرطة البلجيكية عن "اختطاف" عبد القادر لولا أنها سمعت عبر وسائل الإعلام خبر اعتقاله بالمغرب. حينئذ، قررت السيدة بلعيرج أن توكل محاميا ليدافع عن حقها هي وأطفالها في أن تبقى بعيدة عن التهم الموجهة إلى عبد القادر، مبررة بذلك أن الجرائم الست التي حدثت في بلجيكا ونسبتها الداخلية المغربية إلى زوجها قد حدثت قبل زواجها منه عام 1991. في حديثها عنه، أجمعت الصحف البلجيكية على أن بلعيرج كان مسلما شيعيا معروفا بعدائه للنظام الحاكم المغربي، وذلك منذ بداية الثمانينيات، تاريخ التحاقه الأول ببلجبكا، لكن لم يسبق له أن تورط في أية جرائم ببلجيكا أو دخل السجن هناك، مع العلم بأنه كان معروفا لدى الأمن البلجيكي فقد تم التحقيق معه بعد حادثة مقتل عبد الله الأهدل إمام المسجد الكبير ببروكسيل عام 1989، وكان الأهدل قد تلقى تهديدات بقتله هو وعائلته قبل الحادث بسبب معارضته لفتوى الخميني بإهدار دم سلمان رشدي صاحب كتاب «آيات شيطانية».