بمجرد ما انطلقت الحملة الانتخابية الإسبانية حتى بدأت صور ثباتيرو وراخوي تزاحم صور الإعلانات والحفلات وعروض الإيجار، لكن يومين من الحملة لم يكونا كافيين لتحريك مشاعر كل الإسبان الذين مازالوا يخصصون القسط المهم من وقتهم للحديث عن همومهم العادية، دون الخوض في حمى الانتخابات التي باتت تلتهم جل مواضيع نشرات الأخبار في مختلف القنوات الإسبانية. خرج رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسي ماريا أثنار من سباته السياسي، بدخوله على خط الحملة الانتخابية، خلال خطاب له ارتجله في تجمع للحزب الشعبي في استورياس، وبدا أثنار في خطابه جانحا للانتقام من رودريغيث ثباتيرو الذي اتهمه بالاستمرار في التفاوض مع منظمة إيتا الباسكية، رغم قيامها بتفجير في مطار مدريد براخاس، مشددا على أن ثباتيرو الذي كان ينطق اسمه بنوع من السخرية سيعود للتفاوض مع المنطمة الإرهابية بحكم أنه لم يتخل عن هذا الامر منذ مجيئه إلى المونكلوا، وظهور أثنار خلال هذا التجمع لم يكن إلا لدعم صديقه غابينو لورينزو الذي يتصدر رأس لائحة الحزب. عودة القدامى وعاد أثنار بعقارب الساعة إلى الوراء عندما هتف أنه كان دائما يعتقد أن مهمته هي القضاء على الارهابيين، لذلك لم يتهاون أو يدخر جهدا من أجل انجاز هذه المهمة، ولم يتفاوض معهم أبدا، مما بات يلزم معه حاليا إعادة الثقة إلى الدولة الوطنية الاسبانية في نفسها. ويواجه أثنار في هذه الحملة غريمه القديم فيليبي غونزاليث الذي يشارك بدوره في التجمعات الحزبية وبعض البرامج الإذاعية لطلب المساندة لخليفته رودريغيث ثباتيرو الذي يخوض حملة انتخابية صعبة بكل المقاييس. لكن غونزاليث فقد أعصابه عندما وصف راخوي ب»الغبي»، لأن غونزاليث صعق عندما قرأ تصريحا لراخوي في صحيفة «إيل باييس» يقول فيه إنه أكثر اعتدالا واتزانا وذكاء من ثباتيرو، وهو الخطأ الذي يقع فيه الاغبياء فقط، فالغبي وحده من يعتقد أنه أذكى من الآخرين. وبالمقابل، لم تخيب منظمة إيتا الباسكية ظن أثنار عندما نفذت عملية ارهابية في «فيسكانيا دي ديرو» بوضع قنبلة تزن ثلاثة كيلوغرامات في مقر أحد الاحزاب الاشتراكية المحلية، ثم عمدت إلى الاتصال بالشرطة عشر دقائق قبل الانفجار من أجل إعلامها بوجود القنبلة، وحاولت الشرطة تفكيك القنبلة عن طريق رجل آلي مخصص لهذه العمليات بيد أن القنبلة انفجرت بمجرد ما لمسها الرجل الآلي وخلفت خسائر مادية مهمة، وتعد هذه ثاني عملية تقوم بها إيتا الباسكية خلال الحملة الانتخابية التي استنفرت فيها جميع الأجهزة الأمنية قواها من أجل الحد من تحركات المنظمة الإرهابية التي تمارس حرب الأعصاب ضد إسبانيا. صحافيون على خط الحملة لم يكتف الصحافيون الإسبان بتغطية الحملة الانتخابية ونقل الخبر إلى القارئ أو المشاهد، بل دخلوا على الخط بتوقيع أزيد من ستين صحافيا لهم وزنهم في المشهد الإعلامي الإسباني وثيقة تطالب بالعودة إلى روح الانتقال الديمقراطي في الجارة الشمالية، تظهر بين هذه الأسماء الموقعة كارمن توماس وكارلوس دابيلا وفريديريكو كويبيدو، وتنتقد هذه الوثيقة التي قدمها الصحافيون في مقر جمعية الصحافة بمدريد «الشطط في السلطة والارتجال الذي تمارس به هذه الأخيرة بدون احترام قواعد اللعبة الديمقراطية». وتوضح هذه الوثيقة، التي نشرت في الأنترنيت على الصفحة المخصصة لجمعية الصحافة بمدريد، ضرورة أن يكون السياسيون أشخاصا عمليين ومتحلين بالأخلاق ومعتمدين في عملهم على التسامح والاحترام والحوار مع استعادة القيم الأصلية للحرية. وجاء تحرك الصحافيين الإسبان في إطار هذه المبادرة بعد المواجهات الكلامية العنيفة التي وقعت طيلة الأسابيع الماضية بين الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي، إلى درجة أن راخوي صدر عنه كلام يشبه الشتيمة في حق ثباتيرو عندما اتهمه بأنه يحب أن يظهر بمظهر الضحية، وهو ما رد عليه وزير الداخلية الاسباني الحالي روبالكابا بعد أيام بقوله إن راخوي أسوأ وزير للداخلية عرفته إسبانيا. ولعبت وسائل الإعلام الإسبانية دورا مهما في الانتقال الديمقراطي الذي عاشته اسبانيا منذ النصف الثاني من عقد السبعينيات من القرن الماضي، كما أن هذه الفترة استطاعت إنجاب صحافيين كبار أسسوا لقواعد مهنة المتاعب في الجارة الشمالية، واستطاعوا إفراز مؤسسات قوية تصنع الرأي العام الإسباني يوميا عبر ما تنشره أو تبثه من تحليلات وأخبار. مبدعون زمن الحملة ينشط الإبداع خلال فترة الحملة الانتخابية مثلما تتزايد البرامج التلفزيونية التي تتمتع بسخرية لاذعة من السياسيين الذين يستجيبون لهذه الموضة التلفزيونية الجديدة بروح رياضية، بل بعضهم يسعى إلى أن يبدو بخفة دم أكثر من منافسيه ولا يتردد في التقاط الصور مع الكراكيز الشبيهة له، مثلما يركض بعض الصحافيين صوب ثباتيرو أو راخوي بمجرد خروجهما من التجمعات الانتخابية ليطرحوا عليهما أسئلة غريبة مثل مقاس الحذاء أو سبب اختيار ربطة عنق حمراء أو صفراء، ويبدو أحيانا الزعيم السياسي مبتسما كاظما للغيظ والحرج الذي تسببه بعض الأسئلة المذببة الرؤوس. كما أن عدسات المصورين تكون خلال الحملة أكثر يقظة من الأيام العادية، للاستجابة لشغف القراء بمتابعة كل ماهو غريب، فمثلا التقط مصور «ايل باييس» هذا الاسبوع صورة لأحد المتعاطفين مع الحزب الاشتراكي الإسباني جالسا في الصفوف الأمامية لتجمع انتخابي، وكان هذا الشخص يشبه إلى حد كبير راخوي بطريقة لباسه ولحيته وشعره ونظراته، فنشرت الصورة وتحتها تعليق مثير «راخوي في تجمع انتخابي للحزب الاشتراكي».