حسب منظمة الصحة العالمية، فقد تأكد بالأرقام والإحصائيات أن النساء يعشن مدة أطول بالمقارنة مع الرجال بفارق عمري يبلغ 4,2 سنوات، وقد يرتفع هذا الفارق فيتراوح ما بين 6 إلى 8 سنوات في الدول الصناعية. ولتفسير هذا التباين، أرجع علماء الاجتماع ذلك إلى كون الرجل أكثر قابلية من المرأة لبعض الأنماط المعيشية التي تقصر عمره مثل التدخين، وإدمان الخمور، والقيادة بسرعة، وممارسة مهن ورياضات خطيرة، كما أنه لا يهتم كثيرا بصحته... غير أن الأطباء وعلماء الأحياء يضيفون إلى ذلك عوامل أخرى في غاية الأهمية. فعلى مستوى الهرمونات، تعتبر المرأة أوفر حظا من الرجل، ذلك أن هرمون الأستروجين، يحول دون تكون الكولسترول المسؤول عن تراكم الدهون، وانسداد الأوعية الدموية، مما يتسبب بشكل مباشر في الإصابة بالسكتة القلبية وإصابة الدماغ. وفي هذا الصدد، تشير نفس الإحصائيات إلى أن عدد النساء المتوفيات بسبب الأمراض القلبية الوعائية هو أقل من الرجال بخمس مرات. علاوة على ذلك، يساعد هرمون الأستروجين على التئام جدار الأوعية، وينشط تحرير أوكسيد الآزوت، الذي يقلص احتمالات التجلط الدموي. ونسبة هذه المادة، أي الأستروجين، تعرف تغيرات مهمة خلال الدورة الشهرية، ويمكن أن تتضاعف هذه النسبة إلى 70 مرة إبان الحمل، والنتيجة هي أن الأوعية الدموية للمرأة، تصبح نشيطة أكثر، ويرتفع تبعا لذلك الصبيب القلبي بنسبة 20% أكثر خلال الفترة الثانية من الدورة الشهرية، كما يرتفع ب40% أثناء الحمل، مما يجعل هذه الأوعية تقوم بتدريبات رياضية تزيد من متانتها وقوتها. وفي سن اليأس تنخفض نسبة الأستروجين بطريقة ملموسة، وتقترب نسبة احتمال الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية من نسبة الرجال، وتتساوى نسبة الأستروجين بينهما في سن 75 سنة. بالإضافة إلى كل ذلك، يقوم هذا الهرمون العجيب بتنشيط إنتاج جزيئات خاصة مضادة للأكسدة. ودور هذه الجزيئات يتمثل في إبطال مفعول «الجذور الحرة»، وهي عناصر كيميائية تحفز شيخوخة الخلايا، وتخرب الجدران الخاصة بها وبالبروتينات وبالحمض النووي ADN. وقد أضاف علماء الأحياء إلى هذه المزايا المتعددة وإلى دور هرمون الأستروجين، كعامل أساسي لتعمير المرأة أطول، عاملا آخر يتمثل في دور الصبغيات. ففي الوقت الذي يتوفر فيه الرجل على صبغي واحد X وصبغي ثان Y، فإن المرأة تتوفر على صبغيين اثنين من X. والمعروف أن الصبغي X يحتوي على 5% من الجينوم، أي ما يعادل 900 إلى 1200 مورّثة، في حين لا يحتوي الصبغي Y إلا على حوالي 80 جينا. وعليه، فكلما تقدمت المرأة في السن، إلا ونشط الصبغي X الثاني أكثر، مما يؤدي إلى تغيير الموروثات المدمّرة بفعل الزمن بأخرى «جديدة». بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الADN النسوي محميا أكثر من الذكوري، ذلك أن أطراف صبغيات المرأة تكون أكثر طولا وتحمي، بهذه الخاصية، الجينات لمدة أطول. ومن هذا المنطلق، خلصت أبحاث علم الأحياء إلى أن المرأة، ورغم مخاطر الولادة، تعد الجنس الأقوى من الناحية البيولوجية. وفي محاولة لتلخيص هذه الحقيقة العلمية، يعتقد توماس ييرلزد، الأخصائي في علم الشيخوخة في جامعة بوسطن الأمريكية، أن الطبيعة إذا كانت قد حبت المرأة بهذه الامتيازات البيولوجية، فذلك راجع إلى المهمة السامية التي تضطلع بها، ذلك أن تعميرها طويلا سيمكنها من تربية أكبر عدد ممكن من الأطفال وحتى الأحفاد. لكن العيش طويلا لا يعني التمتع بصحة جيدة، فالنساء يمضين وقتا أطول في العيادات والمستشفيات أكثر من الرجال، كما يؤكد علماء الطب أنهن أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعيقة كفقدان الذاكرة والزهايمر وترقق العظام، كما تتعرض المرأة أكثر لبعض الأمراض الوظيفية كعدم القدرة على المشي أو تدهور حاسة البصر...