[email protected] تحدثت بعض الصحف المغربية، مطلع الشهر الحالي، عن كون «قراصنة درب غلف» تمكنوا من «فك شيفرة» البث التلفزيوني الرقمي الأرضي بالمغرب (الذي يطلقون عليه عندنا «تي. إن.تي.»، تيمنا بفرنسا دون شك)، وكون المشاهد صار يستطيع، بفضل ذلك، متابعة برامج «باقة قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة» بواسطة أجهزة الاستقبال الفضائية الرقمية، غير محتاج إلى اقتناء أي جهاز لالتقاط البث الأرضي الرقمي. الشيء الذي أثار، حسب الأخبار نفسها، حفيظة إدارة الشركة الوطنية التي فتحت تحقيقا لمعرفة كيف استطاع هؤلاء «القراصنة» التوصل إلى «فك شفرة» باقتها التي كانت تعتقدها منيعة حريزة لا يستطيع النفاذ إليها أحد. والحقيقة أن هذا الكلام، الذي تكرر في أكثر من جريدة، هو مجرد نموذج من كتابات تناسلت في الآونة الأخيرة عن مشهدنا السمعي–البصري يطبعها قدر محترم من الجهل به وبتقنياته ومكوناته وبآليات اشتغاله. إن الأمر يتعلق، في حالتنا هذه، بتمرير عدد من المعلومات المغلوطة التي تجعل مجال التكنولوجيا الحديثة لا يختلف في شيء عن مجال السحر والشعوذة، حيث يتوصل أشخاص غامضون (ينعتون بالقراصنة) إلى أرقام سرية يقومون بتعميمها – تماما، مثل بركات الفقيه أو المشعوذ – على المواطنين مقابل «بياض» أو «باروك» لا يتعدى عشرين درهما. لذلك قد يكون من الضروري التذكير ببعض الحقائق المعروفة والمتداولة بين المهتمين والتي من شأنها أن تضع الأمور في حجمها الحقيقي بعيدا عن كل تطفل وتهويل. لقد دخلت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عصر البث الرقمي الأرضي لأسباب معروفة، على رأسها السعي إلى تحسين جودة البث واقتصاد المصاريف (التجهيزات الرقمية أرخص بكثير من التجهيزات التناظرية التقليدية وأجود منها بكثير على مستوى المردودية التقنية للصوت والصورة) ثم، على الخصوص، لأن «الضغط الرقمي» يتيح الفرصة لبث عدد من القنوات التلفزيونية الأرضية أكثر بكثير من تلك التي يتيحها البث التناظري (حيث يمكن بث أكثر من 20 قناة، مقابل 5 أو 6 فقط ضمن هذا الأخير). وتتكون الباقة الرقمية الأرضية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، إلى حد الآن، من خمس قنوات هي الأولى والثانية والرابعة والسادسة والرياضية، وهي تختلف عن الباقة الرقمية الفضائية التي تنعدم «دوزيم» الأرضية ضمنها وتضم، إضافة إلى القنوات الأربع المذكورة، أربع قنوات أخرى هي «المغربية» و«الأولى الفضائية» و«قناة العيون» و«الرياضية2». وبسبب ما يعرف ب«حقوق البث» فإن «الأولى الأرضية» و«الرياضية 2» تبثان مشفرتين على القمر الأروبي «هوتبيرد» لأنهما غير مخصصتين للاستقبال الفردي المباشر بل لتزويد محطات إعادة الدفع المنتشرة عبر ربوع البلاد. وقد جرت العادة، في مثل هذه الحالة على الصعيد العالمي، على أن يتم اللجوء إلى نظام تشفير بسيط خاص بكل قناة على حدة، وغالبا ما يكون هو نظام «بيس» الذي يتكون من 16 رمزا من المجموعة المعروفة في الرياضيات بمجموعة «ألفا الرقمية» (ألفا نوميريك، بالفرنسية) والتي تضم، إضافة إلى الأرقام من 0 إلى 9، الأحرف الستة الأولى من الأبجدية اللاتينية. ورغم أنه من الصعوبة بمكان التوصل إلى «شيفرة» تتكون من تركيب لستة عشر رمزا ضمن 16 خانة، فإن التطور المتسارع الذي يعرفه مجال المعلوميات، وخاصة في مجال تطوير الذاكرات الآلية الثابتة والمتحركة، جعل نظام «بيس» من أكثر أنظمة التشفير قابلية للاختراق (عكس أنظمة أخرى مازالت تقاوم القرصنة إلى حد الآن، مثل «إن دي إس»، أو «ميدياغراد»، أو «إرديتو2»...). لذلك كان من السهل العثور على شيفرة «الرياضية2» من طرف أحد ما (قد يكون داخل المغرب أو خارجه) ووضعها على شبكة الأنترنيت منذ حوالي شهرين، وربما ساعد على التوصل إليها كونها لا تختلف عن شيفرة «الأولى الأرضية» (المبثوثة فضائيا) التي تم التوصل إليها بسهولة قبل حوالي سنة من الآن. وبناء على كل ذلك، فإن من يطلق عليهم «قراصنة درب غلف» هم مجرد مواطنين عاديين يستقون كل معرفتهم بعالم التشفير مما تجود عليهم به شبكة الأنترنيت، وهم هنا لا يختلفون عن ذلك «الفقيه» الذي كان الصيادون بإحدى القرى يعتمدون على «فراسته» في معرفة أحوال البحر وهل يخرجون بمراكبهم للصيد أم لا، إلى أن فوجئوا به يوما يقول لهم متلعثما إنه لا يعرف شيئا عن حال الأمواج لأنه لم يستمع إلى أحوال الطقس في الإذاعة ذلك اليوم.