[email protected] نظمت نقابة مستخدمي القناة الثانية (دوزيم) أواسط الأسبوع الماضي وقفة احتجاجية في ساحة مبنى القناة لمدة ساعة، وذلك تنديدا ب«الوضع المتأزم الذي تعيشه القناة» حسب ما جاء في البلاغ الذي أصدرته النقابة. كما قام مستخدمو «دوزيم» بحمل شارة الاحتجاج الحمراء لمدة أربع وعشرين ساعة «تعبيرا عن سخطهم على الأوضاع داخل القناة». الجرائد التي قامت بتغطية الوقفة لخصت «الأوضاع السيئة» للقناة في عدة نقط من بينها، على الخصوص: «سيادة نمط تسيير فرداني يهمش أطر القناة وكفاءاتها، رافضا مبدأ الشراكة معهم، ويستند إلى فتاوى مكاتب الاستشارات الأجنبية»، «غياب هيكلة تنظيمية مثلما هو معمول به في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية»، «مركزة السلطة في مديريتين فقط بدل ست أو ثماني مديريات كما كان الأمر عليه في السابق». وإذا كانت بعض الصحف اختارت البحث في «خفايا» توقيت الوقفة الاحتجاجية والذهاب إلى أنه يرتبط بفرض الإدارة لتسجيل الدخول والخروج (البوانتاج) على كل المستخدمين انطلاقا من فاتح يناير الماضي، فإنه من اللافت للانتباه أن أحدا لم يهتم لمسألة غريبة، قد تكون علامة من العلامات الرئيسية لما تعاني منه القناة اليوم، وهي عدد مستخدميها الذي يبلغ أكثر من سبعمائة وخمسين، بين تقنيين وصحافيين ومخرجين وإداريين. وجود هذا الرقم الضخم من المستخدمين يشير إلى وجود اختلال رئيسي في تدبير القناة التي كان منشئوها قبل عشرين سنة يريدون منها أن تقدم نموذجا للتلفزة بالمغرب مختلفا عن نموذج القناة الأولى المتكلسة والمتجمدة (على المستويين المهني والتدبيري)، فإذا بها تتحول إلى نسخة طبق الأصل منها (إن لم تكن أسوأ) تعاني من كثرة «الآراء» و«الاجتهادات» التي تستقي نماذجها وأمثلتها من القناة الأم التي لا يخفي منظمو الوقفة الاحتجاجية إعجابهم بها وبما تحققه الشركة المسيرة لها من إنجازات إدارية هامة؛ حيث يتحدثون بتقدير، مثلا، عن الهيكلة التنظيمية الجديدة لهذه الأخيرة وعن تعدد المديرين فيها بدل الاقتصار على مديرين اثنين فقط كما هو الحال في القناة الثانية؛ علما أن ذلك التعدد صار يمثل عرقلة كبرى في تدبير القناة الأولى التي تضاربت فيها مصادر القرار، والحالة هذه، مما أدى إلى تباطؤ أدائها وتراجع مردوديتها بالمقارنة مع وضعها السابق، وعلما، كذلك، أن هذه العرقلة تدعمها كوابح أخرى من قبيل الارتفاع المهول في عدد مستخدمي القناة والذي لا تختلف أسبابه عن تلك التي أدت إلى ارتفاعه في القناة الثانية. ولنقل ذلك بصراحة ووضوح: إن الذي أملى معظم التوظيفات في القناتين لم يكن هو الحاجة إليها، وإنما كان هو إرضاء عدد من المسؤولين والمتنفذين، إضافة إلى الأصدقاء والأقارب والأحباب، أي نفس الطريقة التي تجري بها معظم التوظيفات في البلاد. وبما أن هؤلاء «الأحباب» و«الأصدقاء» كثر جدا ولا يمكن لأي مسؤول إداري أن يعصي لهم أمرا، وبما أن القناة تداول عليها، إلى حد الآن، خمسة مدراء، لكل منهم «أحبابه» و«أصدقاؤه» – إضافة إلى «أصحاب الوقت»- كان من الطبيعي أن يتجاوز عدد مستخدمي القناة سبعمائة وخمسين فردا، وهو عدد يميل إلى الزيادة أكثر مما يميل إلى النقصان. إن قنوات تلفزيونية كثيرة مشهورة عالميا وذات ميزانيات حقيقية (متأتية من الإشهار، لا من الضريبة المصاحبة لاستهلاك الكهرباء) تشتغل بعدد أقل بكثير من العدد المذكور، وذلك اعتمادا على ترشيد تدبير الموارد المالية والبشرية، بما يرفع من المردودية ويقلص النفقات والأعباء الإدارية (هناك قنوات عالمية يتراوح عدد المستخدمين فيها بين ثمانين ومائتين وخمسين مستخدما فقط !). ويبدأ ترشيد تلك الموارد – كما هو ملحوظ من تجارب تلك القنوات العالمية - بخطوة أساسية هي أن تقتصر القناة، في البداية، على الاقتناء والبرمجة والبث وأن تتخلص من العمليات الإنتاجية الكبرى عن طريق التعاقد مع شركات إنتاج محلية (تنتج أعمالا درامية وسهرات منوعات وبرامج أطفال...) بناء على دفاتر تحملات معينة ومضبوطة، وبما من شأنه أن يوفر على القناة الكثير من الجهد والمال، ويتيح الفرصة لتطوير أقسام أخرى (الأخبار، مثلا) ولتدبير أكثر شفافية وعقلانية للكفاءات البشرية يراعي الحاجيات الفعلية للمؤسسة أكثر مما يراعي مكالمة هاتفية من هذا المسؤول أو ذاك. لكي تأتي، بعد ذلك، خطوات أخرى ضرورية يقودها السؤال عن الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام المسموعة المرئية من أجل التنمية البشرية ونشر قيم الحداثة والتقدم في مجتمع متخلف أمي مثل مجتمعنا، لكن تلك مسألة أخرى ربما تلزمها، بدل الوقفة الاحتجاجية، جلسة تفكير معمق مفتوحة على مجتمعنا بمختلف مكوناته الفكرية والمهنية.