خصصت مجلة «مجرة» الإبداعية النقدية المغربية عددها الحادي عشر، الذي صدر مؤخرا، لملف «التصوير الروائي: تجارب مغربية»، الذي يشكل الجزء الأول من مشروع نقدي ثلاثي، يدور جزؤه الثاني حول «التصوير الروائي: نماذج عربية»، وجزؤه الثالث حول «التصوير الروائي: نماذج عالمية». وتعود فكرة هذا المشروع النقدي، حسب كلمة العدد، إلى المراحل التي قطعها إشكال الصورة الروائية والذي امتد إلى حقبة زمنية يكاد عمرها يصل إلى عشرين سنة». خلال تلك المراحل، حاولت فئة من الباحثين، في كلية آداب تطوان خاصة، أن تتمثل الإشكال، وتعمل بعد ذلك على تطويره وإخضاعه للممارسة والتجارب النقدية. وهكذا، ظهرت كتب ومقالات، ونوقشت مجموعة من الأبحاث والأطاريح، وألقيت محاضرات ودروس جامعية تصب كلها في سياق إشكال الصورة في المجال السردي. حتى إذا ما اختمرت الفكرة النقدية وعرفت قدرا خجولا من الانتشار؛ ارتأينا أن نلم شعث بعض الجهود النقدية المتناثرة، ونضم بعضها إلى بعض، فنعمل بذلك على إعطاء صورة متكاملة عن هذا الإشكال النقدي. وما من شك في أن القارئ اللبيب ستثير انتباهه في هذا الملف القضايا الآتية: التطبيقات بدل الاكتفاء بالتنظير، والقول بالصورة معيارا بدل الإيديولوجيا أو البنية مثلا، والنظر إلى الصورة من حيث هي أداة جامعة بين الشكل والمضمون. لكن ما المقصود بالصورة الروائية؟ ولماذا الصورة الروائية؟ الصورة الروائية اقتراح نقدي يفترض فيه أن يسعف، إلى حد كبير، في دراسة وتحليل بلاغة السرد في مجال الرواية على وجه التحديد، أي أن الافتراض يتصور وجود مكونات وسمات تميز بلاغة الرواية عن غيرها من البلاغات. صحيح أن ثمة دائما خصائص مشتركة بين جميع أصناف السرد، بل حتى بين أصناف الأدب ذاته، لكن تظل هناك سمات ومكونات مخصوصة من قبيل الجنس، والسياقين الداخلي والخارجي للنص السردي، وخصائصه اللغوية. ونفترض أن الصورة الروائية تستطيع أن تشتمل على مجموع تلك المكونات والخصائص، فتغدو مدخلا بلاغيا إلى أعماق التكوين الروائي. وإذا كان من المسلم به في مجال دراسة الشعر أن نغض الطرف عن أسئلة من قبيل: إن كان المقصود بالصورة الشعرية، مثلا، جانبها اللغوي فحسب، أو جانبها الدلالي، أو البلاغي، أو الجنسي؛ يفترض أن دراسة الصور الروائية بالمفهوم الذي ننطلق منه يجب أن يقودنا إلى الكلي بدل الاعتماد على الجوانب الجزئية. وفي هذا السياق، تتبدى الطوابع الكليانية لتلك الصور التي نحتفي بها في هذه الملفات. ولعل التعبير المناسب في هذا المقام هو القول إن الصورة الروائية تندرج في سياق «بلاغة الكون الروائي» وليس في جانب من جوانبه المفصولة. بذلك، تغدو الصورة الروائية اقتراحا أسلوبيا من أجل الكشف عن تجليات الجمال المخصوص في الرواية». ويتضمن الجزء الأول: «التصوير الروائي: تجارب مغربية» مجموعة من المساهمات القيمة لمجموعة من الأساتذة بغية تقريب المفهوم وتوضيح طرائق الاشتغال، بحثيا ونقديا، فنقرأ في هذا العدد مقالا نقديا للأكاديمي محمد مشبال «صورة تطوان في رواية «المصري» تقاطع الواقع والتخييل»، ومقالا لسعاد أنقار حول «صورة الغربة في رواية «غربية الحسين»، ومقالا لعبد الرحيم الشاهد «صورة المدرس في رواية «دفنا الماضي» لعبد الكريم غلاب»، كما نقرأ لفؤاد العزاوي «صورة المكان المستبد في رواية «لعبة النسيان»، إضافة إلى مقال العلمي الدريوش حول «بلاغة الصورة في «أحلام بقرة». وفي مشارف الإبداع، نقرأ للروائي محمد أنقار فصلا من روايته الجديدة (باريو مالقا) بعنوان: عبد الإله الإسكافي، وفي مكتبة «مجرة» نتعرف على كتاب «الصورة في الرواية» بقلم مصطفى يعلى، والذي قام بترجمته الأستاذان محمد مشبال ورضوان العيادي، وتضمنت صفحة ذاكرة «نريد أدبا يمثلنا» بقلم أحمد زياد. هذا بالإضافة إلى أخبار ومتابعات وإصدارات وصفحة خاصة عمن كتبوا عن مجلة «مجرة».