في البدء، جدير بالذكر أن نحيل على أن اختيار الكتابة في هذا الموضوع جاء نتيجة أسباب موضوعية، أولها: أن الرواية المغاربية أصبحت تحظى باهتمام واسع النطاق بين النقاد والباحثين، اهتمام تجاوز حدود سؤال (الخانة الفارغة) الأرسطي ليعانق أسئلة أعمق، وثانيها: إنصات إلى صوت الذات وهي تقوم بعملية حفر عمودية وأفقية في الخطاب الروائي الجزائري خلال الندوة التي نظمها مختبر السرديات بكلية الآداب ابن امسيك بالبيضاء بتاريخ 17.16/11/2007تحت عنوان (الرواية الجزائرية : الذات - التاريخ - الحلم). الباحث المتتبع لمساق الكتابة السردية المغاربية وتحولاتها لا يماري في كون نماذجها المتعددة قد كشفت عن تنوع أساليبها في إدراك الحياة والمرجعيات وطرق اشتغال عوالمها النصية، من جهة، كما كشفت من جهة أخرى، عن تلوينات ثقافية واجتماعية وتاريخية وحضارية ظلت الرواية كنوع سردي مطبوعة بها في مختلف قفزاتها النوعية، وشكلت هذه التلوينات - الحوافز نقطة ارتكاز النقاد المغاربة لتفكيك أسلاك الخطاب الروائي استطيقيا ودلاليا. وبدل الثناء على حرص النقاد المغاربة على إحاطة مفاهيمهم النقدية بسياج مدقق، نجترح السؤال التالي من معمعان هذه الممارسة الواعية: ما هو الهدف الأكثر صمودا من استضافة الإبداع الروائي الجزائري دون غيره، سواء الذي مسه النقد بالدراسة أو الذي ظل بعيدا عن هذا الحقل، ودون حضور للإبداع الروائي المغربي؟ إن احتفاء النقد المغربي بالرواية الجزائرية إذن، على ضوء ثلاثة محاور: الذات - التاريخ - الحلم، يظهر رغبة أكيدة في البحث عن الخيوط الناظمة لهوية الكون الروائي المكتوب بالعربية أو الفرنسية، بناء على الذات المسكونة بروح الفضاء المغاربي والآخر المتحرك بطرق ملتوية في رحم تاريخ المجتمعات المغاربية، والجزائري منها على الخصوص. لنقرأ إذن في ملفوظ الرواية الجزائرية أن الهوية الروائية، بعناصرها ومستوياتها، ليست شيئا ثابتا يتوقف عند الدرجة الصفر (نقطة ميتة)، بل ينبغي مساءلتها بوعي نقدي وتاريخي متجدد، خاصة وأن ذاكرة هذا النوع تنفتح لتسترفد مادتها التخييلية من الوثيقة التاريخية والأسطورة والتراث، والخطابات والسجلات اللغوية ... كعناصر تعد بمثابة الرحم السيميوطيقي الحي لتشكيل الخطاب الروائي، بهدف تنضيد أحداثها وشحنها بالمتخيل المندس في تضاعيف بنية الخطاب اللغوي الجزائري. من هذا المنظور وبأقلام شبه متناسقة، تم التأكيد على أن تيمة مقاومة الاستعمار وحرب التحرير والثورة وبعدها الإرهاب والتطرف وخيبات الأمل هي الحوافز الأساسية المعتملة في بنية الخطاب السردي الجزائري مع افتقار بعض النصوص الروائية المعاصرة إلى الجانب الفني ( الروائية). وإذا كانت بعض التجارب الروائية قد ركزت على أحداث النضال البطولي ضد الاستعمار بهدف الإشادة والتمجيد، فإنها في نفس الوقت عارضت عالما آخر بشخصياته وكشفت عن خيانة أصحابه وفضحته، وهي صورة لا تعدو أن تكون صورة الجزائر في مراحل تطوره، انطلاقا من الذات، المدينة، الوطن. ونذكر في هذا السياق أسماء روائية جسدت هذه الملحمة: أحلام مستغانمي، واسيني الأعرج، الطاهر وطار، محمد الديب، الجيلالي خلاص، ربيعة مراح، عز الدين الجلاوجي، محمد مفلاح، ياسمينة صالح، بشير مفتي، كمال كيلاني، الحبيب السايح، ياسمينة خضرا . هذا التواطؤ الحميم بين الممارسة النقدية المغربية والممارسة الإبداعية الجزائرية يعمل على دحر الحدود الثقافية بين المغرب والجزائر ويجلي، في نفس الآن، مساهمة الأدب والنقد في إعادة صياغة الأسئلة الإيديولوجية التي لم تقدم، إلى حدود الآن، إلا الأسود على الأبيض، كما سيزيد من تعميق الوعي بمسألة تجاوز الرواية الجزائرية لاستلهام المحكي وعرض أنماط وعي متباينة فقط إلى الاحتفاء بحوارية خلاقة بين المتخيل الذي يشكل موضوعه على هامش كلية الواقع، وبين مادة معرفية وثقافية تجعل النص الروائي متحررا من سلطة المعيش والتفاصيل ليسائل التاريخ ويغنيه بنفس روائي جديد ممعن، أحيان،ا في القسوة ومنفتح، أحيانا، على عوالم أكثر رحابة. ومادامت الرواية الجزائرية لا تقول أشياءها التي تتنفس داخلها بشكل مباشر، فإنها تعتمد الترميز وتنزع نزوعا واضحا نحو تخييل الواقع، تخييلا يدمر المسافة بين الذات والعالم «بول ريكور» ليخلص النص من توليتارية المعنى الوحيد. إن الجزء الأخير من هذه السطور أشدد فيه على اقتصار بعض النقاد المغاربة على الوصف مع التحليل دون التفسير والتأويل لبعض النماذج النصية خاصة إذا أخدنا بعين الاعتبار أن العمل الأدبي نفسه يرزح تحت منظورات نصية متعددة : منظور الكاتب، منظور السارد، منظور الشخصية ومنظور القارئ، هذا الأخير الذي تبقى مهمته صعبة في سد عيون الفجوات النصية، والبحث عن آفاق محتملة للهوية الروائية الجزائرية والمغاربية المتجددة، والتي تؤسس لعوالم ورؤيات متعددة بشكل لا يسقطها في الوعظية أو المونولوجية، بل الاحتفاء بحوارية تمهد الطريق لديموقراطية سردية غائبة في الوطن المغاربي.